< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/03/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : بقيّة الكلام في مطهّريّة الإنقلاب

الرابعُ من المطهِّراتِ الإستحالةُ والإنقلابُ : وهما شيءٌ واحِدٌ، وهو انقلابُ حقيقةِ الشيءِ إلى حقيقةٍ اُخرَى، المهمّ هو أنّ الإنقلابَ يُطَهِّرُ النجَسَ، بمعنى أنه يغيّر ماهيّتَه إلى ماهيّة اُخرى بحيث تزول القذارةُ منه بهذا التغيّر، كالعذرة إذا صارتْ تراباً، والخشبةِ المتنجسة إذا صارت فَحْماً أو رَماداً، أو الماء المتنجس يصيرُ بخاراً، والطعام النجس يصيرُ جزءً من الحيوان، ومع الشكّ في الإستحالة ـ أي في زوال القذارة ـ تُسْتَصْحَبُ النجاسةُ301.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال العلاّمة الحلّي في المنتهى : ( البخار المتصاعد من الماء النجس إذا اجتمع منه نداوة على جسم صقيل وصار يتقاطر فهو نجس، إلا أن يُعْلَمَ تَكَوُّنُه من الهواء كالقطرات الموجودة على طرف إناء في أسفله جمد نجس، فإنها طاهرة )[1] (اِنتهَى) .
أقول : لا شكّ أنّ بخار الماء هو عين الماء، حتى إذا غلى الماء كثيراً ترى الماء قد تبخّر كلّه وبقيت بعض الأملاح المعدنية في الإناء، ثم إذا قطّرته بواسطة قطّارة عاد الماء واجتمع ثانيةً لكن أنقى ممّا كان . وهذا أمر يعرفه الناس . كما وأنّ البخار يحمل بعض الموادّ المتبخّرة، وهذا يعرفه كلّ الناس، خاصّةً الذي يقطّرون ماء الورد وماء الزهر ونحوهما . إذن بعملية التبخير يُحمَل مع البخار بعضُ موادّ المادّة المتبخّرة دون بعض .
إذن فالسؤال هو : هل أنّ القذارة والنجاسة عند التقطير تتصاعد أيضاً ؟ أو أنّ الذي يتصاعد هو غير القذارة ؟ فلو غلى البولُ مثلاً حتى تبخّر هل الذي يتصاعد منه هو خصوص الموادّ الطاهرة أم يتصاعد منه بعض موادّ البول القذرة، كما يتصاعد بعض موادّ الورد والزهر ؟ ثم إذا شككنا، ما هو المرجع ؟ هل الإستصحاب أم قاعدة الطهارة ؟
الجواب : لا يصحّ أن نرجع ـ في هكذا حالة ـ إلى الإستصحاب، وإنما نقول بلزوم معرفة نقاوة الماء المقطّر من القذارة، فإن كان نقيّاً فهو طاهر، وإلاّ فإن كان فيه بعض القذارة فهو نجس، ولا نستصحب في هكذا حالة، وذلك لِعِلْمِنا القطعي بتصاعد بعض الموادّ البوليّة مع البخار، كما يتصاعد مع بخار الورد وبخار الزهر، ولذلك لا نستصحب، ولا نقول ـ كما يقول البعض ـ ( لقد تَغَيَّرَ الموضوعُ ـ أي البول ـ بالتبخّر، فلم يَعُدْ إسمُه (بَول) وإنما صار إسمه (بخار البَول) فلا يصحّ الإستصحاب وذلك لتغاير الإسمين والموضوعين) .
أقول : ما ذكروه هو كلام مضحك فِعْلاً، فأنت تعرف ماءَ الوَرْدِ (وهو الگُلاب بالفارسية) وماء الزهر (وهو عَرَقِ بَهار نارِنْجْ بالفارسية) ونحوهما التي تُعمل من تقطير الورد أو الزهر وغيرهما .. وهذا يدلّنا بوضوح على أنّ بعض الموادّ المتبخّرة بالغليان تتصاعد مع البخار، وعليه فيجب أن يُشَمّ هذا البخار بعد تحوّله إلى مائع ثانيةً أو يُذاق أو يُنظر إلى لونِه فإن كان فيه بعضُ آثار القذارة ـ من لون أو طعم أو رائحة ـ حُكِمَ على المائع المقطّر بالنجاسة، وإلاّ فلا، رَغْمَ أنّ المشهور بينهم هو القول بالطهارة، لكنّي اُوجِبُ الفحصَ لِعِلْمِ كلّ الناس بتصاعد بعض أجزاء المائع المتبخّر .
ونحن حينما نقول بطهارة الإنسان رغم أنه من المنيّ فهو لتغيّر أصل الماهيّة والحقيقة، لكن فيما نحن فيه ليس الأمر هكذا أصلاً .
وحتى لو أردت أن تجريَ الاُصولَ العملية فالظنُّ القويّ هو جريان الإستصحاب الموضوعي فيما نحن فيه، لأننا نشكّ : هل ذهبت بالتبخير كلّ القذارات ؟ أم بقي منها شيء ؟ رغم تغيّر الإسمين ؟ فالحقيقتان لا تزالان باقيتين تماماً، إلاّ في تصاعد بعض الموادّ المتبخّرة دون بعض . ولا ينبغي النظر إلى الإسم فقط، فالبخار هو عين المادّة المتبخّرة، إلاّ أنّ الذرّات تفرّقت لشدّة الحرارة فلم يعد يوجد برودة كافية لتماسكها .
وعلى أيّ حال فلا ينبغي إجراءُ الاُصول العملية في البخار أصلاً . ولعلّ ما ذكرناه هو السبب في قول العلاّمة الحلّي في المنتهى بالنجاسة .
فإن قلتَ : لكنك آمنتَ قبل قليل ـ في الثامن من فروع العلاّمة المجلسي ـ بطهارة الماء النجس الذي تحوّل في الحيوان المأكول اللحم إلى بول ! والغذاءِ النجس رَوثاً أو لَبَناً لمأكول اللحم !
قلتُ : مِن طَبْعِ الحيوانات أن تأكل كلّ ما تراه، طاهراً كان أم نجساً، ورغم ذلك حَكَمَ الشارعُ المقدّس بطهارة بول وروث مأكول اللحم، وما ذلك إلاّ لتحوّله في جسم الحيوان إلى ماهيّة طاهرة شرعاً، مغايرة للنجس المأكول، وهذا أمر محتمل علميّاً، بخلاف بخار البول .
ملاحظة : لا شكّ أنك تعلم أنّ منهجنا دِينِيّ عِلْمِيّ، وأنت تعلم أنّ ديننا لا يخالف العقل والعلم القطعي أصلاً، ولذلك لا ترانا نفتي بحكم يستهجن منه أهلُ الدين أو أهل العلم .
بعد هذا نريد أن نقول الكلام التالي :
لا شكّ في جريان أصالة الطهارة في المصاديق التي تغيّرت حقيقتها، ولا نجري الإستصحاب، وذلك لعدم صحة جريانه مع تغيّر الموضوع والماهيّة، ولكن هناك بعض الموارد التي يقع فيها شكّ في زوال القذارة وهي أمثلة كثيرة :
منها : ما لو أكلتِ الشاةُ مثلاً أكْلاً متنجّساً أو شربت ماءً متنجّساً، فلا شكّ في طهارة ما يخرج منها من رَوث أو بَول، وذلك لطهارة ما يخرج من الطيور الجوارح رغم أنّ أكثر طعامها هو المَيتة الغَير مذكّاة، ممّا يعني أنّ هذا الغذاء النجس يمرّ ـ كما قال لي أحدُ الأطبّاء ـ بالكثير جداً من العمليات في الجهاز الهضمي بحيث تُغَيّر الطعامَ النجسَ إلى ماهيّة اُخرى .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo