< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/04/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : جلد الميتة المدبوغ طاهر، والأصل قبول السباع التذكية
مسألة 1 : عرفت سابقاً أنّ جلد الميتة إذا دُبِغَ يصير طاهراً، لاستفاضة الروايات الصحيحة في ذلك . وعرفتَ أيضاً أنّ ما يؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين أو من أسواقهم محكوم بالتذكية 311.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
311 قال بطهارة جلد المَيتة علي بن بابويه القمّي في كتابه (فقه الرضا (عليه السلام)) قال : (وكذلك الجلد، فإنّ دباغتَه طهارتُه)[1] وكذلك قال ولدُه الشيخ الصدوق في فقيهه وذلك لاتّحاد فتاواه مع رواياته عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والماء والسمن ما ترى فيه؟ فقال ( لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن، وتتوضأ منه وتشرب، ولكن لا تص فيها ) [2]، وصرّح بذلك في مقنعه فقال : (ولا بأس أن تتوضّأ من الماء إذا كان في زقّ من جلد مَيتة، ولا بأس بأن تشربه)[3]، وكذا قال ابن الجنيد الإسكافي[4] والشلمغاني والفيض الكاشاني[5] . وذكرنا في مسألة 8، تعليقة رقم 106 روايات صحيحة مستفيضة في ذلك فراجع .
وأمّا البناء على التذكيّة فيما يؤخذ من المسلمين أو من أسواقهم فهو أمر مسلّم، وقد ذكرنا أدلّته أكثر من مرّة، راجع مثلاً مسألة 6، تعليقة رقم 103 .
* * * * *
مسألة 2 : ما عدا الكلب والخنزير من الحيوانات التي لا يؤكل لحمها قابلٌ للتذكية، فجلدُه ولحمُه طاهرٌ بعد التذكية 312.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
312 أمّا عدم قابليّة الكلب والخنزير للتذكيّة فأمرٌ بديهي، بعد معلوميّة نجاستهما العينيّة قبل فرْض التذكية وبعدها، إذن لا فائدة للتذكية .
وأمّا الأصل ـ مع وجود الشكّ في قبول الحيوانِ للتذكية ـ فلا محلّ لجريان استصحاب عدم قبوله التذكيةَ، وذلك لأنّ الحيوان حينما خُلِقَ فإمّا أنه كان من الصنف الذي هو قابلٌ للتذكية أو من الصنف الغير قابل للتذكية، فليس هناك حالةٌ سابقة لنستصحبها، ولكن لك أن تتمسّك بقاعدة الطهارة لإثبات طهارتها ـ خاصةً طهارة جِلْدِها الذي هو محلّ الكلام ـ لأننا نقول : هذه المَيتةُ التي ذبحناها على الطريقة الشرعية هل هي طاهرة أم نجسة في عالم الجعل ؟ لا ندري، فتجري فيها قاعدة الطهارة وأصالتُها . إذن الأصلُ يفيدنا الطهارة، وبالتالي تكون قد عوّضتَ عن إثبات قبول الحيوان للتذكية بإجراء الطهارة على جلودها، لكن في خصوص الطهارة لا على مستوى الصلاة، لأنه يشترط في الصلاة أن يكون مأكول اللحم معلوم التذكية، لموثّقة زرارة، والأصولُ لا تُثبِتُ العناوينَ الوجوديّة كالتذكية .
وأمّا على مستوى الإطلاقات فلا مانع من الرجوع إلى مثل قوله تعالى ﴿ قُل لاَّ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً.. ﴾[6] فنتمسّك بعموم الآية ـ لا بأصالة الحِلّيّةَ ـ بلا أيّ مانع، لإثبات حليّة الأكل، فإذا ثبتت الحليّةُ ثبت قبول التذكية بالتضمّن، وثبتت الطهارةُ أيضاً بالتضمّن، إذ لا يمكن للمولى تعالى أن يحلل لنا أكل شيء غير مذكّى أو نجس، وبتعبير آخر : هذه الآية الكريمة كما أنها ناظرةٌ إلى حليّة الأكل فهي تضمّناً ناظرة إلى قبولها التذكية وإلى طهارتها .
قال الشهيد الثاني في مسالكه ( المشهور بين الأصحاب وقوع الذكاة على السباع، بمعنى إفادتها جوازَ الإنتفاع بجلدها لطهارته، ذهب إلى ذلك الشيخ وأتباعه وابن إدريس وجملة المتأخرين)[7] (إنتهى) .
وقال في الحدائق ( لا خلاف بين الأصحاب فيما أعلم أنّ ما عدا الكلب والخنزير والإنسان من الحيوانات الطاهرة يقع عليها الذكاة)[8].
أقول : إن استعمال المسلمين قاطبة لجلودها ـ من الصدر الأول إلى زماننا هذا ـ من غير نكير، لهُوَ دليلٌ على طهارة جلودها وتذكيتها، بحيث يمكن فهْمُ انعقادِ الإجماع العملي عليه ـ أي السيرة المتشرّعية ـ وهو أقوى من الإجماع الفتوائي .
وإليك سائر الروايات :
1 ـ فقد روىفي التهذيب بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن (أخيه)الحسن عن زرعة(بن محمد الحضرمي ثقة واقفي) عن سَماعة(بن مِهْران ثقة) قال : سألته عن جلود السباع ينتفع بها ؟ قال : ( إذا رَمَيْتَ وسَمَّيتَ فانتفع بجلده، وأمّا المَيتة فلا ) موثّقة السند، ولا يضرّ إضمارُها بعد الوثوق بكون المسؤول هو الإمام (عليه السلام)، والمظنون قوياً ـ بحسب سياق روايات التهذيب ـ أنه الإمام الصادق (عليه السلام) .
وفي الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى(ثقة واقفي) عن سماعة قال : سئل أبو عبد الله (عليه السلام)عن جلود السباع فقال : ( اِركبوها، ولا تلبسوا شيئاً منها تُصَلّون فيه )، فترى الإمامَ (عليه السلام) يجيز الإنتفاع بالجلود، ومعنى ذلك ـ كقدر متيقّن ـ هو كونها طاهرة، أي تقع التذكية عليها، لأنّ أكثر ما يبتلي به الإنسان حينما يركب الدابّة هو مسّها برطوبة أو تقاطر المطر عليه أحياناً .
ورواها في التهذيب بإسناده عن الحسين بن سعيد أيضاً عن عثمان بن عيسى عن سَماعة (بن مِهْران) قال : سألته عن لحوم السباع وجلودها فقال : ( أمّا لحوم السباع والسباعِ من الطير والدوابّ فإنّا نكرهه، وأمّا الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا شيئاً منها تصلّون فيه ) موثّقة السند[9].
2 ـ وروى عبد الله بن جعفر الحِمْيَري في (قرب الإسناد) عن عبد الله بن الحسن(بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب مجهول) عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(عليهم السلام) قال : سألته عن لبس السَّمُّور والسنجاب والفَنَك، فقال : ( لا يُلبَس ولا يصَلَّى فيه إلاّ أن يكون ذكيّاً ) ضعيفة بعبد الله بن الحسن، أي ( لا يُلبَس إلاّ أن يكون ذكيّاً ) المهم هو أنه تقع عليه التذكية .
3 ـ وفي الكافي عن علي بن محمد(بن عبد الله القمّي، مهمل) عن عبد الله بن إسحاق العلوي(مهمل) عن الحسن بن علي(بن سليمان، مهمل) عن محمد بن سليمان(بن عبد الله)الديلمي عن علي بن أبي حمزة(البطائني) قال : سألت أبا عبد الله وأبا الحسن (عليهما السلام) عن لباس الفراء والصلاة فيها فقال : ( لا تصلِّ فيها إلاّ ما كان منه ذكيّاً )، قلت : أوَليس الذكِيُّ مما (ما ـ ظ) ذُكِّيَ بالحديد ؟ قال : ( بلى، إذا كان ممّا يؤكل لحمُه )، قلت : وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم ؟ قال : ( لا بأس بالسنجاب فإنه دابّة لا تأكل اللحم، وليس هو مما نهى عنه رسول الله(ص)، إذ نهى عن كل ذي ناب ومخلب) ضعيفة السند إلاّ أن تقول بصحّة روايات الكافي المسندَة .
4 ـ وقد ينفعنا ما رواه في التهذيب بإسناده عن علي بن أسباط(ثقة ثقة) عن أبي مخلد السراج(لم يوثّق لكن يروي كتابه ابن أبي عمير) قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل معتب فقال : بالباب رجلان، فقال : ( أدخلهما )، فقال أحدهما : إني سَرّاج أبيع جلود النمر، فقال : ( مدبوغة هي ؟ ) قال : نعم، قال : ( ليس به بأس )، ورواها الكليني عن بعض أصحابنا عن علي بن أسباط مثله[10] إذن النمر قابل للتذكية، لكنْ هذا دليل عند مَن يقول بنجاسة جلد الميتة المدبوغ .
5 ـ وروى في التهذيبين بإسناده عن أحمد بن محمد(بن عيسى أو ابن خالد) عن الحسن بن علي بن يقطين(ثقة فقيه) عن أخيه الحسين(ثقة) عن علي بن يقطين(ثقة ثقة) قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود ؟ قال : ( لا بأس بذلك ) .


[1] فقه الرضا، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ج1، ص302، باب اللباس وما يُكرَهُ فيه الصلاةُ. . من الكتاب المؤلّف من 411 صفحة/تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/قم المقدّسة/نشر المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام) /مدينة مشهد المقدّسة .
[3] قال فيه : ( ولا بأس أن يتوضّأ من الماء إذا كان في زقٍّ من جلد المَيتة ).
[4] حيث قال : ( يطهر بالدبغ ما كان طاهراً حال الحياة لما روي عن النبيّ (ص) ( أيّما إهابٍ قد دُبِغَ فقد طَهُرَ ) (إنتهى) ولكنه منع من الصلاة فيه، وأخرج جلد الكلب والخنزير، نقله عنه أكثر من واحد، منهم الشهيد الأوّل في البيان، والشهيد الثاني في الحاشية الاُولى على الألفية المسمّاة بالمقاصد العليّة في شرح الرسالة الألفية.
[5] قال الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع : (المشهور عدم طهارة جلد المَيتة بالدباغ، لعموم النهي عن الإنتفاع بها، وفي الصحيح : المَيتة ينتفع بشيء منها ؟ قال : ( لا ) خلافاً للإسكافي، وله الأخبار المستفيضة، وهو أظهر، لأن عدم جواز الإنتفاع لا يستلزم النجاسة، على أنه ورد في جواز الإنتفاع بها أيضاً في غير الصلاة أخبار كثيرة، وأيضاً فإن المطلق يحمل على المقيد) (إنتهى) أي يحملُ على الصلاة.
[9] اُحبّ أن أقول للقارئ العزيز كلمة مهمة وهي : إنك لا شكّ أنك تلاحظ أنّي أهتمّ كثيراً بكلّ بحْثٍ أبحثُه، حتى ولو لم يكن مهمّاً إلى هذا الحدّ المهتمّ به، لكنّي أقول بأنّي لست ناوياً ـ من الأصل ـ أن أكتب دورةً فقهية كاملة أصلاً، وإنما نيّتي هي أني إن كتبت في مسألة أن أستوفي كلّ ما فيها، محاولاً أن يستغني القارئ عن غير هذا الكتاب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo