< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/04/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : هل يمكن الترخيصُ في تمام الأطراف ثبوتاً وإثباتاً أم لا ؟

المسألة الرابعة : هل يمكن الترخيصُ في تمام الأطراف عقلاً أم لا ؟
لا شكّ أنه يمكن ثبوتاً ـ أي عقلاً ـ الترخيصُ الشرعي في تمام الأطراف، فلو فرضنا أننا نعلم بنجاسة إناء من بين إناءين أو مئة إناء أو ألف إناء لأمكن للباري تعالى أن يرخّصنا بارتكاب كلّ الأطراف، تقديماً لمصلحة التسهيل على مصلحة إدراك الواقع . وعلى هذا لا يلزم من كلامنا اجتماع حكمين واقعيين فعليّين متضادّين، وذلك لأننا ندّعي أنّ الترخيص حكم ظاهري، لا حكماً واقعيّاً كي يلزم من ذلك التضادّ .
وأجاب على هذا الكلام المحقّق النائيني ـ وتبعه السيد الخوئي[1] ـ قال : ( إنّ الترخيص في تمام أطراف العلم الإجمالي ترخيص في معصية التكليف الواصل، والترخيص في معصية التكليف الواصل قبيح لا يصدر من الحكيم)[2] فكأنهما قالا بأنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لتنجيز الحرمة القطعيّة، فح لا يمكن مع تماميّة هذا التنجيزِ الترخيصُ في ارتكاب الجميع .
أقول : لا مانع من أن يرى المولى ـ في بعض الموارد ـ مصلحةَ التسهيل بالترخيص أهمّ من مصلحة الإبتعاد عن احتمال المعصية . بل حتى الإنسان العادي قد يُقْدِمُ على ما فيه ضررُه القليل إذا كان يتوخّى من ورائه منفعةً أهمّ .

المسألة الخامسة : هل يمكن الترخيصُ في تمام الأطراف إثباتاً أم لا ؟
قيل لا مانع إثباتاً ـ أي بلحاظ أَلْسِنَةِ أدلّة الاُصول الترخيصيّة ـ من جريان الاُصول الترخيصيّة في تمام الأطراف ـ كما ادّعينا في المرحلة الثبوتيّة ـ وذلك لأنّ كلّ طرف من الأطراف يصدق عليه عرفاً أنه ممّا لا يعلمون، إذن ـ فمع عدم وجود مانع ووجود إطلاقات للاُصول المؤمّنة ـ فيجب أن تجري الاُصول الترخيصيّة في تمام أطراف العلم الإجمالي !!
والحقّ هو أنّ الكلام المذكور في غاية الغرابة، والصحيح هو أنّ العرف يستبعدون جريانَ الاُصولِ الشرعية الترخيصيّة في أطراف العلم الإجمالي إن كانت قليلة، فيدّعون الإنصرافَ عن موارد العلم الإجمالي القليلة الأطراف، ولا يستبعدون جريانها في الموارد الكثيرة جداً، ويجرونها بالشبهات البدويّة لا شكّ ولا خلاف عندهم . وكلامُنا هنا فيما لو كانت أطراف العلم الإجمالي قليلة عرفاً، كمئة إناء، بينها واحد متنجّس .
في هكذا حالة يَفهم الناسُ مِن قوله (ص) ( رُفِعَ عن أمّتي ما لا يعلمون )[3] أنك إن كنت تجهل بحرمة شيء أو بوجوبه ـ مثلاً ـ فابنِ على عدم حرمته وعدم وجوبه، وليس النظرُ إلى موارد العلم الإجمالي القليلة الأطراف، فإنّ العلم الإجمالي فيها منجّز عرفاً، ولا يمكن الترخيص عرفاً، أو قُلْ لا تجري الاُصولُ الترخيصيّة في جميع الأطراف عرفاً ... وعليه فلا يمكن عرفاً التمسّك بإطلاق ( ما لا يعلمون ) . وليس هذا الإنصراف إلاّ لِعِلْمِنا بنجاسة أحد هذين الإناءين، هذا العلم الإجمالي يجعل الناسَ تقول هذا المورد خارج عن موضوع حديث الرفع .
وبتعبير آخر : لا يفهم الناس من أدلّة الاُصول الترخيصيّة شمولَها لموارد العلم الإجمالي، وذلك بسبب تقديمهم للمحتمل ـ هو نجاسة أحد الآنية واقعاً ـ على مصلحة التسهيل التي يفهمونها من أدلّة الترخيص .
وبتعبير ثالث : يُقَدّم العرفُ ـ بفِطْرتهم ـ مراعاةَ المحتملِ الواقعي على الحكم الظاهري ـ وهو الترخيص ـ فيقدّمون (تَرْكَ كلا الإناءين) على الترخيص الظاهري، هذا التقديمُ هو المانع من إجرائهم الترخيص الظاهري في موارد العلم الإجمالي .
وبتعبير رابع : عند التزاحم بين غرض إلزامي مقطوع به بحسب الأصل ـ وهو حرمة شرب الماء المتنجّس ـ وغرض ترخيصي محتمل ـ وهو التسهيل ـ فمن الطبيعي أنّ الناس في هكذا حالة سيقدّمون الغرضَ الإلزامي المقطوعَ به بحسب الأصل على الغرض الترخيصي المحتمل الشمول لموارد العلم الإجمالي، وعلى حسب فهمهم وارتكازاتهم يحملون حديثَ الرفعِ وغيرَه، فلا يتمسّكون بإطلاقات هذه الأدلّة الترخيصيّة .
أمّا في موارد الشبهات البدْويّة ـ أي الغير مقترنة بالعلم الإجمالي ـ فلا عِلْمَ بوجود محتمل إلزامي واقعي ـ أي لا عِلْمَ بأصل وجود متنجّس بين الآنية ـ ففي هكذا حالة لا يستبعد العقلاءُ ورودَ اُصول ترخيصيّة تفيدنا جوازَ البناء على الطهارة والحليّة، وذلك لعدم وجود محذور هنا، بخلاف فرْضِ عِلْمِنا بوجود إناء متنجّس بين الآنية .
ولنفصّل أكثر في الموضوع فنقول :
قد يكون المعلوم بالعلم الإجمالي حُكْماً كليّاً ـ كما لو تردّدنا في الواجب ظهر يوم الجمعة هل هي صلاة الظهر أو صلاة الجمعة ـ وقد يكون المعلومُ بالعلم الإجمالي موضوعاً خارجيّاً ـ كما لو علمنا بوجود إناء متنجّس بين هذه الآنية العشرة التي أمامنا ـ .
ففي الحالة الاُولى نقول : إنّ عدم وضوح الحكم يورث الظنّ عند الفقهاء بكون الحكم هو أحدهما المظنون ـ ولو من خلال الروايات الضعيفة ـ وذلك من خلال عِلْمِهم بأنه لا يمكن ـ عادةً ـ أن لا يخبرنا المعصومون (عليهم السلام) بوجوب الصلاة الواجبة واقعاً، طيلة مئات السنين، ومع ذلك يوجبون الموافقة القطعيّة، بالجمع بين الصلاتين، وذلك لعدم حجيّة الظنّ .
وأمّا في الحالة الثانية فلا يحتمل القول بشمول إطلاقات أدلّة الاُصول الترخيصيّة لموارد العلم الإجمالي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo