< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/05/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : إذا عَلِمَ بنجاسة إناءين مثلاً، فقامت البيِّنَةُ على تطهير أحدهما
مسألة 2 : إذا عَلِمَ بنجاسة إناءين مثلاً، فقامت البيِّنَةُ على تطهير أحدهما غيرِ المعَيَّنِ أو المعَيَّنِ واشتُبِهَ عنده، أو طَهَّرَ هو أحدَهما، ثم اشتَبَه عليه الطاهرُ، وجب اجتنابُهما، وذلك للعلم الإجمالي بنجاسة أحدهما . وكذا يجب اجتناب ملاقي كل منهما، لأنّ الملاقِي يَأخذ حُكْمَ الملاقَى وجداناً، لكنْ إذا كانا ثوبين وكَرَّرَ الصلاةَ فيهما صحت صلاتُه بلا شكّ 324 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
324 ذكرنا الدليلَ في المتن، وقلنا (للعلم الإجمالي بنجاسة أحدهما) خلافاً لما ذكره السيد اليزدي في العروة، فقد قال (حُكِمَ عليهما بالنجاسة عَمَلاً بالإستصحاب)، والظاهرُ أنّ دليله هو أننا نجهل بكون هذا الإناء هو المتنجّس، فيجب أن تجري فيه قاعدة الإستصحاب، وكذا في الإناء الآخر، ولا مانع من الحكم بنجاستهما معاً، رغم علمنا بطهارة أحدهما واقعاً، فإنّ الحكم بنجاستهما هو حكمٌ ظاهريّ فقط، وهو لا يعارضُ عِلْمَنا بطهارة أحدهما واقعاً .
وقال السيد محسن الحكيم في مستمسكه ـ في الدفاع عنه ـ : ( حُكِمَ عليهما بالنجاسة عملاً بالإستصحاب، لعموم دليل حجية الإستصحاب، الشامل لكلّ واحد منهما . والعلمُ الاجمالي غيرُ مانعٍ عن الإستصحاب، وذلك لعدم منافاة الإستصحابِ للعلم بنجاسة أحدهما . كما أنه لا يلزم من عموم جريان الإستصحاب في الطرفين التناقضُ بين الصدر والذيل في الرواية ـ كما ذكره شيخنا الأعظمفي رسائله ـ بتقريب أن اليقين الإجمالي يوجب تطبيق قوله (عليه السلام)( ولكنْ تنقضه بيقين آخر ) وقد حصل عندنا يقينٌ بنجاسة أحدهما، إذن فلا يجري الإستصحاب، وهو يناقض تطبيق صدره وهو قوله (عليه السلام) ( لا تنقض اليقين بالشك ) الذي يفيد لزوم استصحاب النجاسة في كلّ واحد من الطرفين، مناقضة الإيجاب الجزئي ـ وهو أنّي عندي علم بنجاسة أحدهما ـ للسلب الكلي ـ وهو أنّي لا أعلم بنجاسة أيّ واحد منهما بالذات ـ إذ التناقضُ ـ يجيبُه السيدُ الحكيم ـ إنما يلزم لو كان مفاد الذيل حكماً شرعياً، وهو ممتنع، لامتناع حجية اليقين شرعاً، لأنه حكم عقلي، والحكمُ العقلي في الفرض يمنع من جريان الإستصحاب في المعلوم بالإجمال ـ وهو المتنجّس الواقعي ـ لعدم اجتماع أركانه فيه، ولا يمنع من جريانه في كل واحد من الطرفين، لاجتماع أركانه فيهما معاً)(إنتهى كلام السيد الحكيم بتصرّف للتوضيح)[1].
وما ذكره السيد الحكيمخطأ، وذلك للزوم أن ننظر إلى الموضوع المستصحَب من جميع جوانبه، ومن جوانبه اقترانُ كلّ طرف بالعلم الإجمالي بنجاسة أحد الأطراف، فمع هكذا علم بنجاسة أحدهما كيف يمكن ـ متشرّعياً ـ أن يجري الإستصحاب، وهو أصل فطري كما في قوله (عليه السلام) ( وإلاّ فهو على يقين من وضوئه ) . بل كيف يمكن القول فطريّاً وعقلائياً بلزوم البناء على نجاسة كلّ إناء تعبّداً مع أننا قد طهّرنا أحدَهما ؟!
وقال السيد الخوئي ـ أيضاً في الدفاع عن قول السيد اليزدي ـ : ( لما اخترناه في مباحث الأصول من أن العلم الإجمالي بنفسه غير منجز، ولا مانع من جريان الأصول في أطرافه في نفسه، وإنما المانعُ عن ذلك لزومُ الترخيص في المخالفة القطعية على تقدير جريانها في أطرافه، فمتى لم يلزم من جريانها محذور المخالفة القطعية ـ كما في سوق المسلمين وإناء الصيني ـ جرت في أطرافه، والحالُ في المقام كذلك، لأن استصحاب النجاسة في كل من الطرفين لا يستلزم الترخيصَ في المخالفة العملية ـ إذن لا بأس في جريان الاُصول الترخيصية في سوق المسلمين ومثال إناء الصيني ـ إذ المعلوم بالإجمال طهارةُ أحدهما غيرِ المعين، ولا معنى للمخالفة العملية في مثلها، إذَنْ لا مانع من جريان الإستصحاب في الطرفين والحكمِ بنجاسة ملاقي أي منهما ـ حتى وإن قلنا بعدم النجاسة في ملاقي بعض أطراف الشبهة ـ وذلك لجريان استصحاب النجاسة في المقام) (إنتهى كلام السيد الخوئي)[2].
أقول : يقول السيد الخوئي في بيان الركن الرابع من أركان منجّزيّة العلم الإجمالي : ( أن يكون جريانُ الاُصول مؤديّاً إلى الترخيص القطعي في المخالفة الواقعيّة، حتى ولو لم يلزم الترخيص في المخالفة القطعيّة ـ أي فلا تجري الاُصول المؤمّنة في سوق المسلمين وإناء الصيني !! ـ )[3] . وبتعبير آخر : إنّ السبب في تنجيز العلم الإجمالي ـ عند السيد الخوئي ـ هو استلزام الترخيص في كلّ الأطراف أو في بعضها لمخالفة المعلوم الإجمالي، وهو قبيح، ولذلك يكون العلم الإجمالي منجّزاً في الإناءين اللذين أمامنا .
فإن سألته : ماذا تقول إذا ذهبوا بالإناء الثاني إلى بلد لا نصل إليه عادةً ـ كالصين ـ ؟
لأجابك بأنّ الاُصول لا تجري في ذاك الإناء الذي أخذوه إلى الصين، للغويّة الأمر بشرب ذاك الإناء أو النهي عنه، فتجري في الإناء الباقي أمامنا بلا معارض .
أقول : يرد عليه أنهم إذا أخذوا الإناءَ إلى الصين فهذا لا يلغي وجود علم بنجاسة أحدهما، فيجب علينا عقلاً الإحتياطُ بترك الإناء الباقي أمامنا .
وبتعبير آخر : لا شكّ في بقاء المفسدة في البين، وإنّ ذهاب أحدهما إلى الصين لا يرفع هذه المفسدة الواقعيّة المردّدة بينهما، فإننا إذا علمنا بنجاسة أحد إناءين فإنه لا يصحّ عقلاً ولا متشرّعياً ولا عرفاً جريانُ الاُصول المؤمّنة في الإناء الباقي أمامنا إذا أخذوا الإناءَ الثاني إلى مكان لا نصل إليه عادةً، ولذلك لن يشرب أحدٌ من المتديّنين الإناءَ الباقي أمامنا بالذريعة التي ذكرها السيد الخوئي ... وتمام الجواب في علم الاُصول .
وبناءً على ما هو الصحيح تعرف أننا لا يمكن لنا أن نبنيَ على نجاسة كلا الإناءين ولا أحدهما ولا على نجاسة الملاقِي لأحدهما، وإنما يجب علينا أن نجتنبَهما معاً، وكذا ملاقي أحدِهما، وذلك لعلمنا بنجاسة أحد الإناءين واقعاً، ومن المعلوم عقلاً أنّ الملاقِي يأخذ حكم الملاقَى .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo