< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/05/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : يُكْرَهُ استعمالُ أواني الذهب والفضة
مسألة 4 : يُكْرَهُ استعمالُ أواني الذهب والفضة أو المزيّنة بالفضّة في الأكل والشرب، فإن لم يَجِدْ بُدّاً مِنَ الشربِ في القَدَحِ المفَضَّضِ عَدَلَ بِفَمِهِ عن موضع الفضة، وكذلك يُكره أن يَتَدَهَّنَ الإنسانُ في علبة مفضَّضة، أو أن يضع بعضَ أدواته ـ كالمشط مثلاً ـ في علبة مفضّضة، أو أن تكون قبضة القضيب الذي يُعَكِّزُ عليه الإنسانُ من الفضّة، وكذلك يُكْرَهُ الركوبُ على سَرْجٍ فيه فضّة، كما ويُكْرَهُ وجودُ الذهب في السرير، خاصّةً إذا كان اقتناءُ هذه الأشياء نحواً من الإسراف والتبذير ومظهراً من مظاهر الرفاهية المبغوضة شرعاً، ففي بعض الروايات : ( آنيةُ الذهب والفضة متاعُ الذين لا يوقنون ) . نعم، في الروايات : لا يكره اقتناءُ المرآة التي لها حلقة من فضّة، كما لا يُكْرَهُ اتّخاذُ الدرع أو السيف الذي فيه فضّة 333 .[1]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
333 إستفاضت الروايات الصحيحة في إفادة كراهة التمتّع بمظاهر الترف والرفاهية، كالركوب على سَرْجٍ فيه الفضّة، واقتناء القضيب الملبّس بالفضّة، واقتناء السرير المفضّض، وتزداد الكراهة في الأكل والشرب من آنية الذهب والفضّة وفي الآنية المفضّضة، وجرياً على عادتنا نَذْكُرُ كلّ ما رأيناه في الوسائل[2]، وقد صنّفنا الروايات إلى ثلاث طوائف لتعرف أنّ الحقّ هو كراهة الأكل والشرب فيها :

الطائفة الدالّة على كراهية استعمال آنية الذهب والفضّة وهي :

1 ـ روى في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن آنية الذهب والفضة فكَرِهَهُما، فقلت : قد رَوَى بعضُ أصحابنا أنه كان لأبي الحسن (عليه السلام) مرآةٌ مُلَبَّسَةٌ فضةٌ ! فقال : ( لا، والحمدُ لله، إنما كانت لها حلقة من فضة وهي عندي )، ثم قال : ( إنّ العباس حين عُذِرَ عُمِلَ له قضيبٌ مُلَبَّسٌ مِن فضة من نحو ما يعمله (يُعْمَلُ ـ ظ) للصبيان، تكون فضة نحواً من عشرة دراهم، فأَمَرَ به أبو الحسن (عليه السلام)فكُسِرَ )[3] صحيحة السند . وهي ـ بإطلاقها ـ تفيد كراهية مطلق استعمالها، سواءً في الأكل أو في الشرب أو في غيرهما، بعد عدم وضوح الأمر بالكسر في التحريم، على أنه كيف صبر أئمّتُنا (عليهم السلام) على هذه الفضّة إلى زمان الإمام الكاظم حتى أمر هو ـ دون سائر الأئمّة ـ بالكسر ؟!
وذكرنا سابقاً الكثير من الروايات التي أفادتنا الكراهة، لا داعي لإعادتها .

الطائفة الدالّة على الحرمة :
1 ـ في الكافي عن الحسين بن محمد(بن عامر بن عمران الأشعري القمّي ثقة) ([4]) عن معلى بن محمد(يروي عنه في الفقيه مباشرة فهو إذن من أصحاب الكتب التي إليها مرجع الشيعة وعليها معوّلهم) عن (الحسن بن علي بن زياد) الوشّاء (وجه من وجوه الطائفة وعَين من أعيانها) عن داوود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( لا تأكل في آنية الذهب والفضة )[5] مصحّحة السند .
2 ـ وفي الكافي أيضاً عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن (الحسن) ابن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه نهى عن آنية الذهب والفضة[6] . مصحّحة السند .
ـ وفي الفقيه بإسناده الصحيح عن أبان (بن عثمان الأحمر ثقة وفي كونه ناووسيّاً شكّ) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)قال : ( لا تأكل في آنية ذهبٍ ولا فضة )[7] صحيحة السند .
3 ـ وأيضاً في الفقيه بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) ـ في حديث المناهي ـ قال : ( نَهَى رسولُ الله (ص) عن الشرب في آنية الذهب والفضة )[8] .
4 ـ وروى عبد الله بن جعفر في (قرب الإسناد) عن هارون بن مسلم (ثقة وجه) عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهم السلام) أن رسول الله (ص) نهاهم عن سبع منها : الشرب في آنية الذهب والفضة[9] موثّقة السند . وقد أثبتنا وثاقةَ مسعدة لرواية الصدوق عنه في فقيهه مباشرةً، وقد شهد أنه قد أخذ رواياتِه عن المصنّفات والأصول التي عليها المعوّل وإليها المرجع، ممّا يعني وثاقةَ أصحابها على الأقلّ .
5 ـ وفي الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن محمد بن سنان عن حماد بن عثمان عن ربعي(بن عبد الله بن الجارود) عن الفضيل بن يسار قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السرير فيه الذهب، أيصلح إمساكه في البيت ؟ فقال : ( إن كان ذهباً فلا، وإن كان ماء الذهب فلا بأس )[10] صحيحة السند .

وهناك بعض الروايات غير ظاهرة في التحريم ولا في الكراهة وهي التالية :
1 ـ في الكافي عن عدّة من أصحابنا عن سهل(بن زياد) عن علي بن حسان عن موسى بن بكر(قد يوثّق لرواية صفوان بن يحيى عنه كثيراً وابن أبي عمير) عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)قال : ( آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون )[11] . أستقرب أن يكون علي بن حسان هذا هو الواسطي الثقة .
2 ـ وفي الفقيه عن النبيّ (ص) أنه قال : ( آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون )[12].
3 ـ وروى أحمد بن أبي عبد الله البرقي في (المحاسن) عن محمد بن علي عن جعفر بن بشير عن عمرو بن أبي المقدام قال : رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) ( قد اتي بقدح من ماء فيه ضبة من فضة فرأيته ينزعها بأسنانه )[13] . ورواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير . ونزعها أعمّ من حرمة الإقتناء أو الكراهية .
4 ـ وفي الكافي عن محمد بن إسماعيل[14] عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن التعويذ يعلق على الحائض ؟ فقال : ( نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قصبة حديد )[15] مصحّحة السند . وأنت تعلم جواز أن تتزيّن المرأة بالذهب والفضّة بالإجماع .

ولذلك، وجمعاً بين الروايات، فقد ذهب إلى كراهة الأكل والشرب فيها : الشيخ الطوسي في الخلاف، واستبعد كاشفُ اللثامِ التحريمَ . وقال السيد محسن الحكيم في مستمسكه : ( إنّ حمل هذه الروايات على التحريم بعيد، وحمل النهي على الكراهة أقرب منه، ولذا كان المحكيّ عن الجمع ـ من أنه لولا الإجماع لكان القول بالكراهة حسناً ـ في محلّه) (إنتهى)[16] .
وأمّا سائرُ الإستعمالات، فعن الصدوق والمفيد وسلاّر والنهاية الإقتصارُ في التحريم على الأكل والشرب ولم يتعرّضوا إلى غيرهما .
وقد عرفتَ من الروايات عدمَ حرمة سائر الإستعمالات، كما لم يظهر من الروايات حرمةُ التزيين بها . راجع مثلاً صحيحةَ محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن آنية الذهب والفضة فكَرِهَمُا[17] فهي وغيرُها تفيد ـ بإطلاقها ـ كراهية مطلق استعمالها، سواءً في الأكل أو في الشرب أو في غيرهما .
أقول : رغم وضوح المسألة فإنك تلاحظ أنّ حرمة الأكل والشرب والوضوء والغسل وتطهير النجاسات بها هو المشهور بين العلماء !!
ولكن هذه الشهرة لا تضرّنا، لأنها معلومة المدركيّة، ولا أقلّ من أنها محتملة المدركيّة، فهي إذن لا تكشف عن رأي المعصومين (عليهم السلام) .
المهم هو أنه لم تثبت الكراهية الكبيرة في استعمال الذهب والفضّة في غير الأكل والشرب، ولك أن تلاحظ مرّة ثانيةً ما رواه أحمد بن محمد البرقي في (المحاسن) عن موسى بن القاسم (بن معاوية بن وهب ثقة فقيه ط رضا) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهم السلام) قال : سألته عن المرآة هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة فضة ؟ قال : ( نعم، إنما يُكْرَهُ استعمالُ ما يُشرب به ) أي لا يكره استعمال غير الآنية .
فإن قلتَ : هلاّ حملتَ روايات الكراهية على التقيّة ؟!
قلتُ : كلّ العلماء يعرفون أنّه إذا أمكن الجمعُ العرفي فهو مقدّمٌ على الترجيح بمخالفة العامّة، وهنا الجمع العرفي ممكنٌ جداً، ولذلك بنينا على الكراهة لا على الحرمة .
ومع الغضّ عن هذا نقول : إنّ العامّة يميلون إلى القول بحرمة استعمال أواني الذهب والفضّة، فإذَنْ القولُ بالكراهة هو الأبعد عن قول العامّة، فقد نُقِلَ عن الشافعي قولان في المسألة : الأوّل إنّ النهي نهيٌ تنزيهيّ، والقول الثاني إنه لا يجوز استعمال أواني الذهب والفضّة . وأمّا أبو حنيفة فقد حرّمَ الأكلَ والشرب في أواني الذهب والفضّة، وأمّا داوود ـ من العامّة أيضاً ـ فقد حرّم الشربَ خاصّةً .
وهذه أجواء كلمات أهل العامّة :
روى أبو القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي (توفي 623 هـ) في فتح العزيز شرح الوجيز ج 1 ص 301 : ( عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما) . يكره استعمال الأواني المتخذة من الذهب والفضة، وهل ذلك على سبيل التحريم أو هو على سبيل التنزيه ؟ فيه قولان : قال في القديم إنه على التنزيه، لأنّ جهة المنع ما فيه من السرف والخيلاء وانكسار قلوب المساكين، ومِثْلُ هذا لا يقتضي التحريمَ، وقال في الجديد اِنّه على التحريم، وهو الصحيح، وبه قطع بعضُهم لما رُوِيَ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (الذي يشرب في آنية الفضة إنما يُجَرْجِرُ في جوفه نارَ جهنم)، رتب الوعيد بالنار عليه) (إنتهى) .
وروى محيي الدين بن شرف النووي (توفّي 676 هـ)‌ في كتابه المجموع شرح المهذب ج 1 ص 246 : ويكره استعمال أواني الذهب والفضة لما رَوَى حذيفةُ بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)، وهل يُكْرَهُ كراهةَ تنزيه أو تحريم : قولان قال في القديم كراهة تنزيه، لأنه إنما نهى عنه للسرف والخيلاء والتشبه بالأعاجم، وهذا لا يوجب التحريم، وقال في الجديد : يكره كراهة تحريم، وهو الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم (الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في جوفه نار جهنم) فتواعد عليه بالنار، فَدَلَّ على أنه محرم ) (إنتهى) .
وفي فتح الباري شرح صحيح البخاري ج 10 لشهاب الدين ابن حجر العسقلاني ص 83 : ( ونقل ابن المنذر الإجماعَ على تحريم الشرب في آنية الذهب والفضة إلا عن معاوية بن قرة أحد التابعين فكأنه لم يبلغه النهي، وعن الشافعي في القديم ونقل عن نصه في حرملة أن النهي فيه للتنزيه لأنّ عِلّتَه ما فيه من التشبه بالأعاجم، ونَصَّ في الجديد على التحريم، ومن أصحابه من قطع به عنه، وهذا اللائق به لثبوت الوعيد عليه بالنار) (إنتهى) .
إذن أهل العامّة أميل إلى القول بحرمة الأكل والشرب بأواني الذهب والفضّة . وبالتالي : روايات الكراهية هي الراجحة في المقام، حتى بلحاظ روايات وفتاوى العامّة .


[4] قال الشيخ في الفهرست : الحسين بن محمد بن عامر الأشعري يروي عن عمّه عبد الله بن عامر . وقال النجاشي ـ في ترجمة عبد الله بن عامر ـ عبد الله بن عامر بن عمران بن أبي عمر الأشعري في نسخة، وفي أخرى ابن أبي عمير مصغّراً إلى أن قال في الرواية بكتابه : حدّثنا الحسين بن محمد بن عامر عن عمّه به.
[14] هو أبو الحسن النيسابوري . قال الحرّ العاملي : ( ويعد أصحابنا المتأخرون حديثَه حسناً، وبعضهم يعده صحيحاً، وهو مدح له وتوثيق على قاعدتهم . وهو نقي الحديث لا يروي عن ضعيف، ولا بالواسطة، وهو مدح له، يعلم بالتتبع) (إنتهى).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo