< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/06/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : بقيّة الكلام في الخنثى، ومسائل أخرى

مسألة 8 : الخنثى المشكلُ يجب عليها الإحتياط مع الرجال والنساء معاً، بمعنى أنّ عليها أن تتصرّف مع الرجال كأنها امرأة أجنبيّة، ومع النساء كأنها رجل أجنبيّ، فلا تسلّم على أحدهما بيدها، ولا تكشف شعرها أمام الرجال .. وهكذا، وذلك لأنها إن أرادت أن تتصرّف مع الرجال كأنها رجل ومع النساء كأنها امرأة فإنها ستعلم أنها تخالف الواقع قطعاً، هذا من جهتها .
وأمّا من جهة الناظر، فهل يجوز للرجال أن ينظروا إليها ولو سرّاً كما ينظرون إلى الرجل، أو كما لو كانت الخنثى فاسقةً ولا تبالي بالنظر إلى شعرها وبعض جسدها ؟ الأحوط وجوباً عدمُ جواز ذلك 344 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
344 مرّ الكلام في هذا مطوّلاً ...
المهم أن ننظر أوّلاً إلى مسألة وجوب سترها نفسَها وعدم الوجوب، إذا كان في المجلس، فقط رجالٌ، فهي سوف تتردّد هل يجوز لها كشفُ جسدِها كأنها رجل ـ طبعاً ما عدا العورتين ـ أم يحرم عليها ذلك ؟
قد تقول : نُجري البراءةَ !
أقول : لكنْ في جريان البراءة في الشكّ المقترن بالعلم الإجمالي إشكالٌ واضحٌ عند العقلاء، لأنها إن أرادت أن تتصرّف مع الرجال كأنها رجل ومع النساء كأنها امرأة فهي تعلم بالمخالفة القطعيّة !! وأيضاً هذا أمرٌ قبيح قطعاً، إذن لا يجوز لها أن تتعامل مع الرجال كرجل ومع النساء كاُنثى لأنها سوف تعلم بأنها سوف تخالف الواقع قطعاً، فيجب عليها الإحتياط قطعاً، ولذلك ادّعَى العلاّمةُ الحلّيالإجماعَ على وجوب ستر فرجَيها على الرجال والنساء .

ولكن هل يجب عليها أن تستر شعرها في الطرقات ؟ لا شكّ في عدمِ جريان البراءة فيها، لعلمها الإجمالي بكونها إمّا رجلاً وإمّا امرأة، فمثلاً لا يجوز أن تسلّم بيدها على أحدهما، هذا من جهتها .

وأمّا بالنسبة إلى النظر إليها ولو سرّاً، فالنظر إلى دبرها حرام قطعاً لأنها عورة، سواءً كانت ذكراً أو اُنثى، وأمّا القُبُل فقد يكون للخنثَى عورةٌ واحدة كالثقب، فهي عورة واضحة، فالنظر إليها حرام قطعاً .
وقد يكون لها عورتان، قضيب وفرج، ويُشَكّ في العورة الحقيقيّة من العضو الزائد ـ وأنت تعلم أنّه لو خُلِقَ للرجل فرْجٌ فإنه يجوز النظر إليه كسائر أعضائه، وكذا لو خُلِقَ للمرأة قضيبٌ زائدٌ فإنه يجوز للنساء النظرُ إليه كسائر أعضائها، لأنه ليس عورةً ـ فهل يجوز النظر إلى إحدى العورتين ولو سرّاً أم لا يجوز ؟ لا شكّ في عدم جواز ذلك، وذلك للعلم الإجمالي بكون أحدهما عورةً، وهو عِلْمٌ منجّز عقلاً، ولذلك يحتاط المتشرّعة عقلاً، لا بل نفس الخنثى المتديّنة ترفض ذلك، وأهلُها المتديّنون يرفضون ذلك لأنهم يعلمون أنها إمّا ذكر وإمّا أنثى .
والنتيجة هي أنه لا يجوز لها كشف ولو إحدى العَورتين، سواء أمام محارمها أو أمام الأجانب، وذلك للعلم الإجمالي بكون إحديهما عورة، سواء كان الناظر ذكراً أم اُنثى، وسواء كان المنظور إليه قضيباً أو فرجاً .

وهل يجوز للرجال أن ينظروا إلى شعرها وبعض جسدها كما ينظرون إلى الرجال، ولو سرّاً ومن دون علمها بالنظر ؟
يُحتمَلُ ذلك، من باب عدم علمهم بكونها اُنثى، فيجرون البراءةَ في النظر .
لكنْ فيما ذكرناه نظرٌ واضح، وذلك لأننا إن أجَزْنا ذلك للرجال، فسيجوز ح للنساء أن يُجْرِين البراءةَ أيضاً في التسليم عليها بأيديهنّ ـ إن لم تكن الخنثى متديّنةً ولا تتورّع من التسليم على الرجال والنساء معاً ـ . صحيحٌ أنّ هذا العلم الإجمالي ليس منجّزاً لا على الرجال ولا على النساء، ولكن مع ذلك القبحُ والمنكَريّةُ واضحان، وذلك للعلم الإجمالي عند الرجال والنساء بأنها إمّا ذكر وإمّا اُنثى، وجريانُ البراءةِ في هكذا حالة مستبعَدٌ بنظر العقلاء، خاصّةً إن كان الرجال يسلّمون عليها والنساءُ ـ في نفس الوقت ـ يسلّمْنَ عليها بأيديهنّ، طبعاً الفرْضُ أنها غيرُ متديّنة ـ كما قلنا ـ ولا مانع لديها من التسليم على الرجال والنساء بيدها، فالأحوط وجوباً حرمةُ أن ينظر الرجال إليها كأنها رجل، ويحرم أن يسلّم النساءُ عليها كأنها امرأة .

مسألة 9 : لو اضطر إلى النظر إلى عورة الغير ـ كما في مقام المعالجة ـ فالأحوط أن يكون في المرآة المقابلة لها إن اندفع الإضطرارُ بذلك، وإلا فلا بأس 345 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
345 لا شكّ أنك تعلم بأنّ الضرورات تقدّر بقدرها، والطبيب كغيره من الناس، وكذا كلّ حالات الإضطرار، فالمنقِذُ مثلاً مثل الطبيب تماماً، إن اضطرّ أن يأخذ بيد المرأة الأجنبيّة التي تغرق فهو واجب عليه وليس بحرام، وذلك إلى حين الخلاص من الخطر .

مسألة 10 : يحرم في حال التخلي استقبال القبلة واستدبارها بمقاديم بدنه، وإن أمال عورته إلى غيرهما . والأحوط ترك الاستقبال والاستدبار بعورته فقط، وإن لم يكن مقاديم بدنه إليهما . ولا فرق في الحرمة بين الأبنية والصحاري، والقول بعدم الحرمة في الأول ضعيف . والقبلة المنسوخة كبيت المقدس لا يلحقها الحكم . والأقوى عدم حرمتهما في حال الإستبراء والإستنجاء، وإن كان الترك أحوط . ولو اضطر إلى أحد الأمرين تخير، وإن كان هذا إذا نظر إلى مماثل عورته، وأما في غيره فلا علم بكونه عورة، نعم إذا كان الأحوط الإستدبار، ولو دار أمره بين أحدهما وترك الستر مع وجود الناظر وجب الستر . ولو اشتبهت القبلة لا يبعد العمل بالظن، ولو ترددت بين جهتين متقابلتين اختار الأخريين، ولو تردد بين المتصلتين فكالترديد بين الأربع التكليف ساقط فيتخير بين الجهات 346 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
346 ورد في ذلك عدّةُ روايات[1]، وقد تكون كلّ أسانيدها ضعيفة السند، إلاّ أنّ مجموعها يورث الإطمئنان ولو بصدور بعضها فنقول :
1 ـ روى في الكافي عن علي بن إبراهيم رفعه قال : خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله (عليه السلام)وأبو الحسن موسى (عليه السلام)قائم وهو غلام فقال له أبو حنيفة : يا غلام، أين يَضَعُ الغريبُ ببلدكم ؟ فقال : ( اِجتنِبْ أفنيةَ المساجد، وشطوطَ الأنهار، ومساقط الثمار، ومنازل النزال، ولا تستقبل القبلةَ بغائط ولا بول، وارفع ثوبك، وضع حيث شئت ) .
2 ـ وفي الكافي أيضاً عن محمد بن يحيى بإسناده رفعه قال : سئل أبو الحسن (عليه السلام) : ما حد الغائط ؟ قال : ( لا تستقبل القبلة، ولا تستدبرها، ولا تستقبل الريح، ولا تستدبرها ) . ورواها في الفقيه قال : سئل الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ثم ذكر مثله، ورواها في (المقنع) مرسلاً عن الرضا (عليه السلام) مثله . قد تصحّح من باب أنّ الشيخ الصدوق أسندها إلى الإمام الحسن (عليه السلام)، ويحتمل اعتماده في هذه النسبة على الحسّ، إلاّ أنه يبقى في النفس شكّ كبير في الإعتماد على الحسّ، على أنّ قوله (عليه السلام) ( ولا تستقبل الريحَ ولا تستدبرها ) قرينة على الكراهة، لا على الإلزام .
3 ـ وفي الفقيه أيضاً بإسناده عن شعيب بن واقد (لم تثبت وثاقته وإن كان ذلك مظنوناً) عن الحسين بن زيد (بن علي بن الحسين، لم تثبت وثاقته لكن روى عنه صفوان) عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) أن النبي (ص) قال ـ في حديث المناهي ـ : ( إذا دخلتم الغائط فتجنبوا القبلة ) . وقد قلنا سابقاً أنّ هناك مشاكلَ في السند، من قبيل أنّ في السند حمزة بن محمد العلوي وعبد العزيز بن محمد بن عيسى الأبهري وهما مهملان . وأيضاً في الخلاصة قال بأنّ طريق الشيخ الصدوق عن زيد بن علي بن الحسين ضعيف بالحسين بن علوان وعمرو بن خالد . على أنها مرسلة بين محمد بن زكريا وشعيب بن واقد .
4 ـ وأيضاً في الفقيه قال : ونهى رسول الله (ص) عن استقبال القبلة ببول أو غائط .
5 ـ وفي التهذيبين عن المفيد عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن عيسى بن عبد الله (بن محمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب) الهاشمي (لم يوثّق، ولكن روى عنه في الفقيه مباشرةً) عن أبيه (لم يوثّق) عن جده(قُتِلَ سنة 145 هـ ق) عن عليّ (عليه السلام)قال قال النبيّ (ص) : ( إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، ولكن شرقوا أو غربوا ) مرسلةُ السند .
6 ـ وفي التهذيبين أيضاً بإسناده عن محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن
يحيى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن عبد الحميد بن أبي العلا وغيره رفعه قال : سئل الحسن بن عليّ (عليهما السلام): ما حد الغائط ؟ قال : ( لا تستقبلِ القبلةَ ولا تستدبرها، ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها ) .
7 ـ وأيضاً في التهذيبين بإسناده الصحيح عن محمد بن علي بن محبوب عن الهيثم بن أبي مسروق (قريب الأمر، له كتاب، قيل هو فاضل، لكنه يوثّق لرواية ابن أبي عمير عنه بسند صحيح) عن محمد بن إسماعيل(ثقة سواءً كان ابن بزيع أو ابن ميمون) قال : دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وفي منزله كنيف مستقبل القبلة، وسمعته يقول : ( من بال حذاء القبلة ثم ذكر فانحرف عنها إجلالاً للقبلة وتعظيماً لها لم يقم من مقعده ذلك حتى يغفر له ) مصحّحة السند، ولكنها لا تفيد التحريم، ورواها البرقي في (المحاسن) عن أبيه عن الحارث بن بهرام عن عمرو بن جميع قال قال رسول الله (ص) : ( من بال حذاء القبلة .. ) ثم ذكر مثله .
على أيّ حال حرمة استقبال القبلة واستدبارها أثناء التخلّي هو المشهور جداً بين الأصحاب، ويصعب مخالفتهم .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo