< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/06/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فَصْلٌ في الإستنجاء
المراد من الإستنجاء هو إزالةُ البول والغائط، فإنه يجب غسل مخرج البول حتى تزول النجاسة، ويكفي المرّة الواحدة353 لأنّ الهدف هو زوال النجاسة، ولذلك يكفي إزالة النجاسات بأيّ مائع كان، حتى ولو لم يكن ماءً . ولا يُجزئُ في مخرج البولِ غيرُ المائع، ولا فرق بين الذكر والأنثى والخنثى، كما لا فرق بين المخرج الطبيعي وغيره، معتاداً أو غير معتاد، المهمّ أن تزول النجاسة . وأمّا في مخرج الغائط فإنّ الشخص مخيّر بين الماء والمسح بالأحجار ونحوها من الأجسام القالعة كالخرق والمحارم الورقية الناعمة المعروفة، بحيث تزول القذارة عرفاً، ولا مشكلة إنْ بَقِيَ الريحُ، أي أنه لا تجب الإزالة ـ بالتمسّح ـ بالدقّة العقليّة . هذا إن لم يَتَعَدَّ عن المخرج، وإلا فإن تَعَدَّى، كما إذا وقعت نقطة من الغائط على الفخذ مثلاً فإنه يتعيّن فيها الماءُ دون الحجارة . كما لا شكّ في أنّ استعمال الماء في إزالة الغائط أنظف من التمسّح بالحجارة والخرق، فإنّ اللهَ يحبّ المتطهّرين، كما في الآية الكريمة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
353 يخيّرُ الشخصُ في مخرج الغائط بين إزالة القذارة بالأحجار ونحوها وبين إزالتها بالمائع، كالماء مثلاً، لما ذكرناه قبل قليل . ولك أن تستدلّ على ذلك بما يلي :
1 ـ صحيحة عبد الله بن المغيرة عن أبي الحسن(الكاظم) عليه السلام قال قلت له : للإستنجاء حدّ ؟ قال : ( لا، يَنْقَى ما ثَمَّةَ )[1].
2 ـ وبما رواه في يب باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن علي بن خالد عن أحمد بن عبدوس عن الحسن بن علي بن فضال عن المفضل بن صالح عن ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود ؟ قال : أما العظم والروث فطعام الجن وذلك مما اشترطوا على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : لا يصلح بشيء من ذلك .
3 ـ وأيضاً في يب بإسناده عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال : كان يستنجي من البول ثلاث مرات ومن الغائط بالمدر والخرق .
4 ـ وفي يب أيضاً عن محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : كان الحسين بن علي عليه السلام يتمسح من الغائط بالكرسف ولا يغسل . قيل الكرسف هو قطن المصباح .
5 ـ وفي الفقيه قال : إن وفد الجنّ جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا : يا رسول الله متعنا فأعطاهم الروث والعظم فلذلك لا ينبغي أن يستنجى بهما .

* وقد يَتوهّم بعضُ الناس وجوبَ استعمال ثلاثة أحجار ـ لا أقلّ ـ في إزالة الغائط، حتى وإن فُرِضَ زوالُ النجاسةِ بأقلّ من ثلاثة حجارة، ويستدلّون على هذا بما يلي :
1 ـ ما رواه في التهذيبين بإسناده ـ الصحيح ـ عن الحسين بن سعيد عن حماد(بن عيسى) عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( لا صلاة إلا بطهور، ويجزيك من الإستنجاء ثلاثةُ أحجار، بذلك جرتِ السُنّةُ من رسول الله (ص)، وأما البول فإنه لا بد من غسله )[2] . وكلمة ( يجزيك ) يعني أنك مخيّر، وليس ذلك متعيَّناً عليك .
ورواها في يب هكذا قال : عن الشيخ المفيد (محمد بن محمد بن النعمان) عن جعفر بن محمد (بن جعفر بن موسى)بن قولويه (صاحب كامل الزيارات) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن علي بن حديد وابن أبي نجران جميعاً عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( جرت السُنّة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما )[3] صحيحة السند .
2 ـ وقد يفيدنا ما رواه في علل الشرائع قال : أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبي هاشم البجلي عن أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( كان الناس يستنجون بثلاثة أحجار لأنهم كانوا يأكلون البسر[4] فكانوا يَبْعَرُون بَعْراً، فأكل رجلٌ من الأنصار الدُّبّا[5] فلانَ بطنُه فاستنجَى بالماء، فبعث إليه النبيّ (ص) قال : فجاء الرجل وهو خائف يظن أن يكون قد نزل فيه أمرٌ يسوؤه في استنجائه بالماء، فقال (ص) له : "هل عملتَ في يومك هذا شيئاً ؟" فقال : نعم يا رسول الله، اِنّي واللهِ ما حملني على الإستنجاء بالماء إلا أنّي أكلتُ طعاماً فلانَ بطني، فلم تُغْنِ عني الحجارةُ شيئاً، فاستنجيتُ بالماء ! فقال رسول الله (ص): "هنيئاً لك، فإنّ اللهَ تعالى قد أنزل فيك آيةً فأبشر( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ (222))[6]فكنتَ أوَّلَ مَن صَنَعَ هذا، أوّلَ التوابين وأوّلَ المتطهرين[7].
3 ـ وفي كتاب الذكرى عن سلمان الفارسي المحمّدي (عليه السلام) قال : نهانا رسول الله (ص) اَنْ نَستنجِيَ بأقلِّ مِن ثلاثة أحجار . ورواها في المستدرك عن العوالي عن النبيّ (ص) نحوه .

أقول : لا شكّ في كون العلّة ـ كما ذكرنا عدّة مرّات ـ هي إزالة القذارة لا أكثر، ويكفي هنا أن نذكر ببعض الكلام السابق فنقول :
1 ـ روى في يب بإسناده عن الصفار عن السندي بن محمد (ثقة وجه) عن يونس بن يعقوب (ثقة) قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال ؟ قال : ( يَغْسِلُ ذكرَه، ويُذهِبُ الغائطَ، ثم يتوضأ مرتين مرتين )[8] صحيحة السند، والملاحَظُ هنا أنّ الرواية ذَكَرَتْ في الوضوء مرّتين مرّتين، وهو أمرٌ مستحبّ، ولم تذكر في إذهاب الغائط أكثر من أنْ ( يُذْهِبَ الغائطَ ) مع أنها قالت في كيفية الوضوء ( مرتين مرتين ) ممّا يعني أنّ الإمام (عليه السلام) كان في مقام البيان، وبالتالي يعني الإكتفاء بمجرّد إذهاب الغائط لا أكثر .
2 ـ وفي الكافي عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن (عبد الله) بن المغيرة عن أبي الحسن (الكاظم) عليه السلام قال قلت له : للإستنجاء حدّ ؟ قال : ( لا، يَنْقَى ما ثَمَّةَ )، قلت : فإنه يَنْقَى ما ثَمّةَ ويَبْقَى الريحُ ؟ قال : ( الريحُ لا يُنظر إليها )[9] صحيحة السند، وهذا صريح أيضاً في استفادة الإكتفاء بالنقاوة، لا أكثر، حتى وإن حصلت بأقلّ من ثلاثة أحجار، نعم حصولُ النقاوة بأقلّ من ثلاثة حجارة فَرْضٌ نادر، قد لا يحصل، وعلى هذا نَجمَعُ بين طائفتَي الروايات .
3 ـ وقد يفيدنا أيضاً ما رواه في التهذيب بإسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة عن عمّار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك ) موثقة السند، فالمناط بالنجاسة هو العلم بالقذارة، وبما أنّ هذا العلم طريقي، فيكون المناط هو وجود القذارة، فإذا ارتفعت القذارة صار المحل طاهراً قطعاً .
وبناءً على ما ذكرنا فإنه يجزي أن يتمسّح الشخصُ بنفس المحرمة الناعمة من جهاتها المتعدّدة حتى تزول النجاسة .

* وإذا تجاوز الغائطُ المحلَّ المعتادَ فالأحوطُ وجوباً غسله، وذلك رجوعاً إلى العمومات، ولما رواه في المستدرك قال : عن فخر المحققين عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال : ( يجزي من الغائط المسح بالأحجار إذا لم يتجاوز محلَّ العادة )[10].


[3] وسائل الشيعة، شیخ الحر العاملي، ج2، ص1048، أبواب النجاسات، ب32، ح10، ط الاسلامية. ملاحظة : قال في ئل (.. عن عليّ بن حديد عن ابن أبي نجران جميعاً ...) وهذا بلا شكّ خطأ، والصحيح ما ذكره في المصدر ـ أي في يب ـ وهو (.. عن عليّ بن حديد وابن أبي نجران جميعاً ..)
[4] هو التمر قبل أن يُرْطِبَ لغضاضته، قال الأصمعي ( إذا اخضرّ حبُّه واستدار فهو خَلال، فإذا عَظُمَ فهو البُسْرُ، فإذا احمرّت فهي شِقْحَة )، وقال الجوهري ( البُسْرُ أوّلُه طَلْعٌ ثم خَلال ثم بَلَحٌ ثم بُسْرٌ ثم رُطَبٌ ثم تمر ) . وبكلمة اُخرى : هو الملوّن قبل أن ينضج وقبل أن يحمرّ، فإذا نَضِجَ فقد أَرْطَبَ، واحدتُه بُسْرَة.
[5] مشهور معروف في بلادنا بإسم القَرع، وهو يشبه الكوسَى تماماً ولكنه أكبر منه بقليل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo