< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/07/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تابع لبحث الإستبراء

( فَصْلٌ في الإستبراء )

وهو مستحبّ إستحباباً إرشاديّاً طبّياً، بمعنى أنه ليس واجباً ولا مستحبّاً استحباباً تعبّديّاً، إنّما أرشدنا إليه الشارعُ المقدّس لكي يَخرج ما بقي من بول في مخرج الرجل، ولتَنْقَى المثانةُ، وبالتالي لفائدة طول المكث من دون الحاجة إلى الذهاب إلى الخلاء بعد قليل، وأيضاً ليكونَ ما يخرج بعد الإستبراء مِنَ المائع الذي خلقه اللهُ تعالى مطهّراً ومنقّياً لباطن المخرج . والاَولى في كيفياته أن يصبر حتى تنقطع دَرِيرَةُ البول، ثم يبدأ بمخرج الغائط فيطهره إن كان متنجّساً، ثم يضع إصبعَه الوسطى من اليد اليسرى على مخرج الغائط، ويمسح إلى أصل الذكر ثلاث مرات، ثم يضع سَبّابَتَه تحت الذكر، وإبهامَه فوقه ويمسح بقوة إلى رأسه ثلاث مرات، ثم يعصر رأسه ثلاث مرات . ويعبَّرُ عن الإستبراء بالخرطات التسعة لكونها تسعَ خرطات . وللرجل أن يمسح من مخرج الغائط إلى رأس الذكر ثلاث مرّات، ثم ينتر رأسه ثلاث مرّات، فهذه أيضاً تسع خرطات . إذن فائدة الإستبراء هي الحكمُ ـ ولو تعبّداً ـ بطهارة الرطوبة المشتبهة والحكمُ بعدمِ ناقضيتها للوضوء . ولو خرج من مخرج البول شيء ولم يكن قد استبرأ فإنه يحكم بأنّ ما خرج هو بول لا محالة، وعلى الأقلّ للإستصحاب . وليس على المرأة استبراءٌ، نعم الاَولى ـ كما قيل ـ أن تصبر قليلاً وتتنحنح وتعصر فرجها عرْضاً، وعلى أي حال الرطوبة الخارجة منها محكومة بالطهارة وعدمِ الناقضية للوضوء ما لم تعلم بكونها بولاً 358 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
358 لا بدّ لنا قبل كلّ شيء أن نذكر كلّ روايات الإستبراء المعتبرة السند فنقول :
1 ـ في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد(بن عيسى) عن حريز عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل بال ولم يكن معه ماء ؟ قال : ( يعصر أصلَ ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه، فإن خرج بعد ذلك شيء فليس من البول ولكنه من الحبائل )[1] صحيحة السند، فتكون الخرطات سبعة، ذلك لأنّ أصل الذكر هو من عند مخرج الغائط، فتكون الخرطات سبعةً، وهي أحسن الروايات . وقولُه (عليه السلام) ( فإنْ خَرَجَ بعد ذلك شيءٌ فليس من البول ولكنه من الحبائل ) هو إرشاد إلى أنّ الإستبراء هو أمر طريقي غائي، وليس تعبّديّاً أصلاً، بدليل قوله (عليه السلام) بأنّ ما يخرج بعدئذٍ ليس بولاً وإنما هو من الحبائل، فالمسألةُ إذن علميّةٌ بحتة .
2 ـ وفي التهذيبين عن المفيد عن أحمد بن محمد(بن الحسن بن الوليد) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد (بن عيسى) عن الحسين بن سعيد ومحمد بن خالد البرقي عن محمد بن أبي عمير عن حفص بن البختري (البغدادي، أصلُه كوفي، ثقة) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يبول ؟ قال : ( ينتره ثلاثاً، ثم إن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي )[2] صحيحة السند، وهنا يُكتفَى بالنتر ثلاثاً، وهي أقلّ روايات الإستبراء، فإن قيّدتَ صحيحة محمد بن مسلم السابقة بهذه الصحيحة، وهي نتْرُ رأسِ الذكر ثلاث مرّات، فسوف تكون الخرطات تسعة .
3 ـ وروى في التهذيبين بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد (ثقة صدوق كثير الرواية) عن ابن أبي عمير عن جميل بن صالح (ثقة وجه له أصل) عن عبد الملك بن عمرو[3] عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللاً ؟ قال : ( إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرات، وغمز ما بينهما، ثم استنجى، فإن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي )[4] مصحّحة السند، ولو لرواية ابن أبي عمير لهذه الرواية . وهي أيضاً تفيد أربع خرطات فقط، ذلك لأنّ الغمز ما بينهما لم يقل به أحد في العالمين .
4 ـ وفي نوادر الراوندي ص 81 : قال جعفر الصادق عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن عليّ (عليهم السلام) قال قال رسول الله (ص) : ( من بال فليضع إصبعه الوسطى في أصل العجان، ثم ليسلها ثلاثاً ) . ولم يذكر النتر، فإذن هي تفيد الثلاثة فقط .
ـ وبعد الذي عرفت من هذه الروايات لا يبقى قيمة علميّة لما رواه في التهذيبين بإسناده عن الصفار عن محمد بن عيسى (بن عبد الله أو بن عبيد اليقطيني وكلاهما ثقتان) قال : كتب إليه رجل : هل يجب الوضوء مما خرج من الذكر بعد الإستبراء ؟ فكتب : ( نعم )[5]. قال الحرّ العاملي : ( أقول : حمله الشيخ على الإستحباب تارة، وعلى التقية أخرى لموافقته للعامة،
وحمله العلامة على كون الخارج من بقية البول، والجميع متجه) (إنتهى) .
هذا ما وجدته من روايات، وما ذُكِرَ في المتن هو مقتضى الوجدان العِلْمي، وهو مقتضى عِلْمِيّة مسألة الإستبراء كما عرفت من صحيحة ابن مسلم السابقة، مع أنه لا يوجد رواية تقول بتسع خرطات . ثم إنه (عليه السلام) عبّر بلفظة (خَرَطَ) في الرواية الاُولى لأنّ الخرط هو الضغط، لا مجرّد المسح، ذلك لأنّ المسألة توصليّة ـ كما عرفتَ ـ لا تعبّديّة .
ثم إنه بناءً على اختلاف هذه الروايات إختلف علماؤنا :
فقال بالخرطات التسعة : أصحابُ البيان والدروس والروضة والشرائع والقواعد، وادّعى الشهرةَ على ذلك في الذكرى والمدارك والذخيرة، وقالوا إنّ هذا هو مقتضى الجمع بين النصوص، وادّعى السيد الخوئي والسيد السبزواري أيضاً الشهرةَ على ذلك .
وعن جماعة الإكتفاءُ بالمسح من مخرج الغائط إلى أصل الذكر، ونَتْرِه ثلاثاً، حُكِيَ ذلك عن نهاية الصدوق وفقيهه، وظاهره ستّ خرطات .
وعن نهاية الشيخ وظاهر المبسوط والوسيلة والسرائر وغيرها : الإكتفاء بستّ خرطات : المسح من عند المقعدة إلى الاُنثيين ثلاث مرّات، ثم يخرط القضيب ثلاثاً .
وعن الشيخ المفيد في المقنعة : أنه يمسح بإصبعه الوسطى تحت أنثييه إلى أصل القضيب مرة أو مرتين أو ثلاثاً، ثم يضع مسبحته تحت القضيب وابهامه فوقه، ويمرهما عليه باعتماد قوي من أصله إلى رأس الحشفة مرة أو مرتين أو ثلاثاً .
وعن المرتضى وابن الجنيد الاكتفاءُ بنتر الذكر من أصله إلى طرفه ثلاثاً .
وعن غيرهم غير ذلك .
والقاعدةُ تقتضي الإكتفاءَ بكلّ واحدة ممّا ذكر في الروايات الثلاثة المعتبرة، ذلك لأنّ كلّ رواية منها هي في مقام البيان والعمل، والأصلُ أن يكون المتكلّم في مقام البيان التامّ، ومن الخطأ أن نقيّد الروايات ببعضها .
إلاّ أنّا ـ رغم صحّة ما ذُكِرَ ـ نقول بالتسعة ـ على الأحوط وجوباً ـ لأنها هي التي تلائم الوجدانَ العِلْمِي، وذلك لمعلوميّة أنّ الغايةَ من الإستبراء هي نقاوة المجرى لا أكثر، والتسع خرطات ترفع الشكّ باليقين، ولذلك نقول بلزوم الإبتداء بالمسح من مخرج الغائط ثلاث مرّات، ثم من أصل القضيب إلى رأسه ثلاث مرّات، ثم الإنتهاء بنتره ثلاث مرّات، وللشخص أن يمسح ما بين مخرج الغائط إلى رأس القضيب ثلاث مرّات، ثم ينتر الحشفةَ ثلاثاً، فهي أيضاً تسعة . وتستفاد هذه الكيفيّة وهذا الترتيب من صحيحة محمد بن مسلم السابقة، وهو الملائم للعِلْمِ أيضاً .

ثم يستحبّ أن يستنجي بيساره، وذلك لما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( نهى رسول الله (ص) أن يستنجِيَ الرجل بيمينه )، ولما رواه في الخصال عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( الإستنجاء باليمين من الجفا )[6] . وعن العامّة عن النبيّ (ص) أنه كان يجعل يمينَه لطعامه وشرابه وطهوره وثيابه ولما عَلا من الاُمور، ويجعل يسارَه لخلائه واستنجائه وما كان من أذى ولما دَنَى من الاُمور[7] .



[3] في كتاب الكشّي رواية صحيحة السند في مدحه، لكن روايها الأخير هو نفسه .، لكن يمكن توثيقه لرواية الفقيه عنه مباشرةً

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo