< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/07/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : مِن نواقض الوضوءِ زوالُ العقل

الخامس : كلّ ما يزيل العقلَ كالإغماء والسّكْر والجنون 371 . وأمّا السُّكْرُ القليلُ الذي لا يزيل العقلَ تماماً والجنونُ القليل الذي لا يزيل العقل تماماً فإنهما لا يـبطلان الوضوء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
371 أُدُّعِيَ الإجماعُ على ناقضيّة كلّ ما يزيل العقل كالإغماء والسكر والجنون .
أمّا الإغماء فيمكن الإستدلال عليه من الروايات وبأولويّته من النوم .
1 ـ فقد روى في يب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمّاد (بن عيسى) عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له الرجل ينام وهو على وضوء، أتُوجِبُ الخفْقَةُ والخفقتان عليه الوضوء ؟ فقال : (يا زرارة، قد تنام العَين ولا ينام القلب والاُذُن، فإذا نامت العَين والاُذُن والقلب وجب الوضوء)[1] صحيحة السند، وهي تفيدنا في الإغماء أيضاً، فالمغمَى عليه يَصدق عليه أنه نامت عينُه واُذُنُه وقلبه، إذن يَبطل وضوؤه، ومثلُها ما بعدها .
2 ـ وروى في العلل وعيون الأخبار بالسند الآتي عن الفضل عن الرضا (عليه السلام) قال : ( إنما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم، دون ساير الأشياء، لأنّ الطرفين هما طريق النجاسة ) ـ إلى أن قال : ـ ( وأما النوم، فإنّ النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شيء منه واسترخى، فكان أغلب الأشياء عليه فيما يخرج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلة )[2] .
3 ـ وروى في دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام أن ( الوضوء لا يجب إلا من حدث، وأن المرء إذا توضأ صلى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلاة ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يُغْمَى عليه أو يكون منه ما يجب منه إعادة الوضوء ) مرسلة السند، وهي صريحة في المدّعَى .
فإن كانت العلّة في نقض الوضوء هو نوم العَين والقلب والاُذن، وأنه يفتح كلّ شيء منه ويسترخي، فالإغماء اَولى بذلك من النوم قطعاً .
وأمّا السُّكْر والجنون فمن الروايتين التاليتين :
1 ـ روى في التهذيبين عن المفيد عن جعفر بن محمد بن قولويه (القمّي ثقة جليل فقيه صاحب كامل الزيارات واُستاذ الشيخ المفيد توفّي 369 هـ ق أو 368) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد الله بن المغيرة ومحمد بن عبد الله قالا : سألنا الرضا (عليه السلام) عن الرجل ينام على دابته ؟ فقال : ( إذا ذهب النومُ بالعقل فليُعِدِ الوضوءَ )[3] صحيحة السند. وهذه الرواية تقول بأنّ مناط بطلان الوضوء هو ذهاب العقل، فإذا سكر الإنسان أو جنّ فقد ذهب عقله فيبطل وضوؤه، ومثلُها ما بعدها .
2 ـ ومثلها ما رواه في يب عن المفيد عن أحمد بن محمد بن الحسن عن أبيه عن الصفار عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حمّاد (بن عيسى) عن حريز عن زرارة قال قلت لأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): ما ينقض الوضوء ؟ فقالا : ( ما يخرج من طرفيك الأسفلين : من الذكر والدبر، من الغائط والبول، أو مني أو ريح، والنوم حتى يذهب العقل )[4] صحيحة السند .
إذن من الواضح بطلانُ الوضوء بزوال العقل كالسُّكْرِ المزيل للعقل ـ لا السكر القليل الغير مزيل للعقل ـ والجنون التامّ، وذلك لما ذُكِرَ من روايات .
ثم إنّ الجنون مراتب، منها ما يزيل العقل تماماً، فهو لا يعرف المكان والزمان، ولا يعرف الناس الذين حواليه، ويسمّى بالإصطلاح الطبّي بالخَرَف أو بـ ألزهايمر، ومن مراتب الجنونِ الهلوسةُ، فهو يتهيأ له اُمور غير موجودة، كأنْ يرى اُناساً قد دخلوا عليه، وقد يقول أمروني بكذا، وهناك درجة من الجنون تسمّى بـ الذُّهان، وهو تشوّش في الإدراك، وهناك درجة من الجنون وهي الإنفصام في الشخصيّة، وهذا يتهيّأ له اُمور ويحصل عنده تشوّش نفسي، كأنْ يتصوّر نفسه نابليون مثلاً ونحو ذلك، ويحصل عنده ضياع .
المهمّ هو أنه إذا زال العقل تماماً فلا شكّ في بطلان وضوئه، وأمّا إذا حصل له بعض المراتب الدانية التي يُشك فيها في زوال العقل فإنّ له أن يستصحب بقاءه على الطهارة .

السادس : الإستحاضة القليلة بل الكثيرة والمتوسطة وإن أوجبتا الغسل أيضاً، وأما الجنابة فهي تنقض الوضوء، لكن توجب الغسل فقط 372 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
372 كلّ حدث أكبر ينقض الوضوء، ويكفي أن يراجع في ذلك ما ذكرناه قبل قليل عن زرارة قال قلت لأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): ما ينقض الوضوء ؟ فقالا : ( ما يخرج من طرفيك الأسفلين : من الذكر والدبر، من الغائط والبول، أو مَنِيّ، أو ريح، والنوم حتى يذهب العقل، وكل النوم يكره إلا أن تكون تسمع الصوت )[5] صحيحة السند . وسيأتي الكلام في إيجاب الإستحاضة للوضوء، إن شاء الله تعالى، لكنْ يجب هنا أن نقول كلمتين : الاُولى هي أنّ إيجاب الوضوء عليها كاشفٌ عن انتقاض وضوئها، والثانية هي أنّ الغسل يغني عن الوضوء إلاّ بدليل إستثنائي .

مسألة 1 : إذا شك في طُرُوِّ أحدِ النواقض بَنَى على العدم (373)، وكذا إذا شك في أن الخارج بول أو مذْي مثلاً، وذلك لاستصحاب عدم حصول الناقض للوضوء، إلا أن يكون قبل الإستبراء فيُحكَمُ بأنه بول، فإن كان متوضئاً انتُقِض وضوؤه كما مَر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(373) لاستصحاب عدم طروئه، وصرّحت بهذا عدّة روايات مذكورة في باب الإستصحاب وفي ئل 1 ب 1 من أبواب نواقض الوضوء، ويكفي أن نذكر هنا صحيحة زرارة السابقة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له الرجل ينام وهو على وضوء، أتُوجِبُ الخفْقَةُ والخفقتان عليه الوضوء ؟ فقال : ( يا زرارة، قد تنام العَين ولا ينام القلب والاُذُن، فإذا نامت العَين والاُذُن والقلب وجب الوضوء )، قلت : فإنْ حُرِّكَ على جنبه شيءٌ ولم يَعلم به ؟ قال : (لا، حتى يستيقن أنه قد نام، حتى يجيئ من ذلك أمْرٌ بَيِّنٌ، وإلا فإنه على يقين من وضوئه، ولا تنقضِ اليقينَ أبداً بالشك، وإنما تنقضه بيقين آخر )[6] صحيحة السند، ومثلُها ما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن العباس بن عامر (ثقة صدوق) عن عبد الله بن بكير (فطحيّ إلاّ أنه ثقة من أصحاب الإجماع) عن أبيه (بُكَير بن أعيَن مستقيم جداً ومشكور جداً) قال : قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) : ( إذا استيقنتَ أنك قد أحدثت فتوضأ، وإياك أن تُحْدِثَ وضوءً أبداً حتى تستيقن أنك قد أحدثت )[7] موثّقة السند .
وكذا الأمر إذا شُكَّ في أن الخارج منه بولٌ أو مذْي مثلاً، إذ لا فرق بين حصول الناقض وبين الشكّ في ناقضيّة الموجود من ناحية وجود شكّ في خروج البول، فيجري التعليلُ الموجودُ في روايات الإستصحاب .
نعم، إذا كان ذلك قبل الإستبراء فإنه يُحكَمُ بأنه بول، للإستصحاب، فيطهّر نفسه وثيابه، وإن كان متوضِّئاً انتُقِض وضوؤه، وذلك لما مَرّ سابقاً من صحيحتَي محمد بن مسلم[8] وحفص بن البختري[9] ومصحّحة عبد الملك بن عمرو[10] إذ فيها أنه إن لم يستبرئ فهو بول ( وإن خَرَجَ بعد ذلك ـ أي بعد الإستبراء ـ شيءٌ فليس من البول ولكنه من الحبائل ) .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo