< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/08/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : إستثناءً : هل يثبت الهلالُ بحكم الحاكم ؟
7 ـ هل يثبت الهلالُ بحكم الحاكم ؟
الصحيح هو عدم حجيّة حكم الحاكم في إثبات الهلال لعدم الدليل على ذلك، والأصلُ عدمُ الحجيّة، أو قل لم يُعلم شمولُ ولايته لما نحن فيه لعدم العلم بكون حكمه بثبوت الهلال من الاُمور الولائية، ولك أن تقول أيضاً الأصلُ عدمُ دخول الشهر الجديد .
فإنّ هذه المسألة هي قضيّة موضوعية خارجيّة، وليست من موارد حكم الحاكم، ولا من موارد إفتاء المرجع، فهي تماماً كحكم الحاكم بنجاسة الثوب الفلاني وبدخول وقت الصلاة، فهل رأيت فقيهاً يفتي بنجاسة الثوب الفلاني أو بغصبيّته أو بدخول وقت الصلاة ويكون في ذلك واجبَ الطاعة من حيث هو فقيه، أم أنه كسائر الثقات في ذلك ؟!
ولا نستدلّ بالأخبار التي تحصر الإفطار وتعلّقه على رؤية نفس الشخص للهلال أو على إخبار شخصين عادلين أو على انقضاء ثلاثين يوماً من الشهر السابق من قبيل قول الصادق (عليه السلام)( إنّ علياً كان لا يجيز في الهلال إلا شهادة رجلين عدلين )[1]، وذلك للظنّ بأنّ هذا الحصر إضافي، أي ناظر إلى عدم اعتبار الظنّ في الحكم بدخول الشهر، وعدم اعتبار شهادة النساء ونحو ذلك .
ورغم وضوح المسألة نُسب إلى المشهور ثبوتُ الهلال بحكم الحاكم، بل نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأصحاب، وقال في الجواهر : "يمكن تحصيل الإجماع عليه، خصوصاً في أمثال هذه الموضوعات العامّة التي من المعلوم الرجوعُ فيها إلى الحكام كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بالشرع وبكلمات الأصحاب ... وذلك لإطلاق ما دلّ على نفوذه، وأنّ الرادّ عليه كالرادّ عليهم، من غير فرق بين موضوعات المخاصمات وغيرها كالعدالة والفسق والإجتهاد والنسب ونحوها"، واعتبر السيد عبد الاَعلى السبزواري ( أنّ رجوع الشيعة إلى مراجعهم في هكذا أمور هو من البديهيات والفطريات)[2] .
أقول : المسألة مدركية، فنرجع إلى أدلّتهم ولا نهتمّ بدعوى الشهرة، رغم علمنا بأنّ الشهرة على خلافهم، فأدلّة القائلين بالحجية ما يلي :
الدليل الأوّل : قال الله تعالى ﴿ يا ايها الذين أمنوا أطيعو الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم[3]، ببيان أنّ الحاكم الشرعي هو من اُولي الأمر شرعاً وعرفاً كما ظهر لك ذلك من روايات ولاية الفقيه .
ويُشكل عليه أنّ إطاعته إنما تكون في الأمور التي يكون له فيها ولاية، أي في الأمور الحكومية والرئاسية فقط، وهذا هنا أوّل الكلام، فمن قال إنّ إثبات الهلال هو من الأمور الوِلائية والحكومية ؟!
* الدليل الثاني : روى الشيخ الصدوق في الفقيه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن عاصم بن حَمِيد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : ( إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمامُ بإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، وإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمامُ بإفطار ذلك اليوم وأخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم )[4] صحيحة السند.
وذلك ببيان أنّ المراد بالإمام هو القائم بأمور المسلمين تمسّكاً بالمدلول الوضعي للكلمة بعد عدم وضوح الإنصراف إلى خصوص الإمام المعصوم، وقد ورد الكثير من الروايات بلفظة الإمام واُريد منها المعنى الوضعي للكلمة وهو الأصل في الفهم العرفي حتى يثبت التخصيص بالإمام المعصوم، من قبيل مرسلة رفاعة عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( دخلتُ على أبي العبّاس بالحِيرة، فقال : يا أبا عبد الله، ما تقول في الصيام اليوم ؟ فقلتُ : ذاك إلى الإمام، إن صُمْتَ صُمْنا، وإنْ أفطرتَ أفطرنا )، وفي رواية اُخرى ( فدنوتُ فأكلتُ وقلتُ الصوم معك والفِطر معك )، وفي ثالثة ( ما صومي إلا بصومك، ولا إفطاري إلا بإفطارك )[5]، وفي رواية مرسلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( الإمامُ يقضي عن المؤمنين الديون ما خلا مهور النساء )[6]، وكذلك قوله (عليه السلام) لأمير الحاج إسماعيل بن عليّ حين سقط (عليه السلام) من بغلته حين الإفاضة من عرفات فوقف عليه إسماعيل فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) (سِر، فإنّ الإمام لا يقف) وقول الإمام زين العابدين (عليه السلام) في رسالة الحقوق ( وكلّ سائس إمام )، المهم أنه قد استعملت لفظة إمام كثيراً في القائد والحاكم .
وعليه فإمام المسلمين يقوم بوظيفته من حيث جمع شهادات الشهود وتعديلهم وغير ذلك، وعلى الناس أن تتّبِعَه وتطيعه في تعيين أوّل الشهر، وإلا لا معنى لأمره الناسَ بإفطار ذلك اليوم وتأخيرِ صلاة العيد إلى اليوم التالي .
ويَرِدُ على هذا الكلام أنّ صحيحة محمد بن قيس تقول ( إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً ) ولم تقل إذا حكم الإمام بدخول الشهر الجديد، فإذن ليس حكمُ الحاكم إلا واسطةً في الإثبات أي معرّفاً عن رؤية الشاهدين العادلين، فإذا ثبت لديه الرؤية عن طريق شاهدين عادلين ـ لا عن طريق المنظار القوي أو رؤيته في أقصى الغرب ـ فمن الطبيعي أن يأمر الناسَ بالإفطار، وذلك من باب أنه قد قامت الشهادة عنده على دخول الشهر الجديد، فإنْ كانت الشهادة بعد الزوال أمر الناس بصلاة العيد ثاني يوم، وليس لحكمه قيمةٌ فوق ذلك .
وأمّا الإستدلال بقول الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي العباس ـ في مرسلة رفاعة ـ : ( ذاك إلى الإمام، إن صُمْتَ صُمْنا، وإنْ أفطرتَ أفطرنا ) فيَرِدُ عليه ـ إضافةً إلى ضعف سند الرواية ـ أنهم كانوا يعتمدون قديماً على الرؤية الحسيّة لا على المناظير القوية ولا على رؤية الهلال في جنوب البرازيل مثلاً لإثبات دخول الشهر الجديد في إيران والعراق ولبنان .
وقد يقال : يؤيّد القولَ باعتبار حكم الحاكم هنا (1) قولُ الإمامِ الصادق (عليه السلام) إلى عُمر بن حنظلة في مصحّحته الشهيرة ينظران (إلى) مَن كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فلْيَرضَوا به حكماً فإني قد جعلتُه عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يُقبل منه فإنما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ، والرادّ علينا الرادّ على الله، وهو على حدّ الشرك بالله" بناءً على القول بأنّ من شؤون الحاكم الشرعي عند جميع المسلمين شيعةً وسُنّةً تعيينَ أوّل الشهر منذ أيام أئمتنا (عليهم السلام) سواء في تعيين أوّل شهر رمضان أو أوّل شهر شوّال أو اليومين التاسع والعاشر للحجّاج في مكّة إلى يومنا هذا،
ويردُ عليه أنّ النظر في هذه المصحّحة إلى جعل الفقيه قاضياً وحاكماً، وأوّلُ الكلام أنّ من شؤون الحاكم والقاضي ـ من حيث هو حاكم وقاضي ـ تعيينَ أوّلِ الشهر الجديد بنحو الموضوعية أي أنّ حكم الحاكم هو الموضوع الحقيقي والعلّة والواسطة في ثبوت دخول الشهر الجديد ـ كما كان السارق هو الموضوع الحقيقي لقطع اليد والزاني هو الموضوع الحقيقي للجَلْد ـ .
وقد يقال أيضاً : يؤيّد القولَ بوجوب الرجوع إلى الحاكم في حكمه بأوّل الشهر (2) قولُ الإمام الحجّة (عج)في مصحّحة إسحق بن يعقوب(وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم ) بناءً على أنّ رؤية الهلال هي من الحوادث الواقعة عرفاً، فالمرجع فيها هو الحاكم الشرعي .
ويَرِدُ على هذا الوجه أنّ الظاهر من ( الحوادث الواقعة ) في هذه المكاتبة الشريفة هي الحوادث التي تحتاج إلى إفتاء، لجهالة حكمها، أي أنّ الأمر بالرجوع إلى المجتهد هنا هو في الشبهات الحكمية ـ لا في الشبهات الموضوعية كما في رؤية الهلال ـ وذلك بقرينة قوله (عج) ( إلى رواة حديثنا ) المنصرف بوضوح إلى خصوص الأحكام التي يرجع فيها إلى الأحاديث .
الدليل الثالث : ما ذكره السيد عبد الاَعلى السبزواري قال : ( فما ناقشه بعض متأخّري المتأخرين في شمول حجية حكم الحاكم للمقام مخالفٌ لمرتكزات المؤمنين، بل للناس أجمعين، حيث يتزاحمون آخر شعبان وآخر شهر رمضان على باب دار مَن يزعَمونه مرجعاً دينياً لهم لاستعلام حكم الصوم وجوباً وتحريماً، وهذه السيرة كانت مستمرّة من عصر المعصومين (عليهم السلام) . وبالجملة، كل ما يرجع فيه المتديّنون إلى رئيسهم الديني في الأمور النظامية يكفي فيه عدمُ ثبوت الردع من المعصومين (عليهم السلام)، ولا نحتاج إلى ثبوت الدليل على الحجية فضلاً عمّا ورد في المقام من الدليل عليه . والتشكيكُ في المقام هو من التشكيك في الواضحات الفقهية، ولم أظفر على التشكيك فيه من القدماء مع أنّ المسألة كانت ابتلائية لديهم ) انتهى[7].
ويَرِدُ على هذا الإستدلال بالسيرة : أنّ الناس إنما ترجع إلى المرجع لإطمئنانهم به ولكونه هو الذي يتابع الشهادات من مختلف المناطق، فهو الواسطة في إثبات الرؤية من خلال الشهادات، والناس غالباً لا تتابع رؤية الهلال إلا القليلَ منهم، فمنهم من يكون في بلاده غيوم، ومنهم من يكون مشغولاً بالصلاة أو الإفطار أو بعملٍ ما أو ناسياً للإستهلال أو لا يعرف بموقع الهلال أو يكون نظره ضعيفاً أو يكون بانياً على الإعتماد في إعلان الشهر الجديد على المراجع أو لقلّة همّته بمتابعة الهلال والخروج لمشاهدته والصبرِ لدقائق ليحدّد مكانه أو لعدم العادة على الخروج لمشاهدة الهلال ونحو ذلك .
ولعلّ السبب في رجوع العوام إلى الحاكم الشرعي في تحديد أوّل شهر رمضان وآخره هو أنّهم يرَون أنّ هذا الرجوع هو لتعيين الحكم الشرعي بالصوم أو الإفطار وتعيين يوم العيد .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo