< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

36/12/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : بقيّة أفعال الوضوء

مسألة 9 : إذا تَيَقَّنَ بوجود ما يشك في مانعيته ـ كالحبر الكثير ـ فإنه يجب تحصيل اليقين العرفي ـ بمعنى الإطمئنان والوثوق فقط ـ بزواله ، ليتحقّق العلم بوصول الماء إلى البشرة ، ولو شك في أصل وجود الحاجب فإنه يجب الفحص حتى يحصل الإطمئنان بعدمه ، أمّا لو كان شكّه غير مُعْتَنَى به عند العقلاء فلا يجب الفحصُ 399.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

399 لا شكّ في لزوم تحقّق العِلْمِ بوصول الماء إلى البشرة ، وإلاّ فالأصل العدمي يقتضي عدم وصول الماء ، وهذا ما يعبّرون عنه بأصالة (الإشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني) وهو أصل عقلي واضح . فإذا عرفت هذا تعرفُ عدمَ صحّة ما قد يقال من أصالة عدم الحاجبيّة أو عدم الحاجب ، فإنّ الواجب شرعاً تحصيلُ العلم بتحقّق الغسل الكامل للأعضاء الثلاثة . وأمّا أصالة عدم الحاجبيّة أو عدم الحاجب فلا توصل الماء إلى البشرة ، ولا تقتضي ـ شرعاً ـ وصول الماء إلى البشرة ، إلاّ إذا قلنا بالأصل المثبت ، وهو باطل بلا شكّ . وبيان كون الأصل مثبتاً هنا هو أنّ أصالة عدم الحاجبيّة تثبت عدم الحاجبيّة تكويناً ، إذن فقد وصل الماء إلى البشرة !

وقد ورد هذا الأمر في بعض الروايات ، فقد روى في الكافي عن محمد بن يحيى عن العمركي(بن علي بن محمد البوفكي النيشابوري شيخ من أصحابنا ثقة) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهم السلام) قال : سألته عن المرأة عليها السوار والدملج في بعض ذراعها لا تدري يجري الماء تحته أم لا ، كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت ؟ قال : ( تحركه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه ) ، وعن الخاتم الضيّق لا يدري هل يجري الماء تحته إذا توضأ أم لا ، كيف يصنع ؟ قال : ( إن عَلِم أن الماء لا يدخله فليخرجْه إذا توضأ )[1] صحيحة السند . وقد تتعجّب من قوله (عليه السلام) ( إن عَلِم .. ) مع أنه كان المتوقّع أن يقول "إنْ شَكّ" ، إذ مع الشكّ يجب الإخراج ، فجوابه أنّ قوله هذا لا مفهوم سلبي له قطعاً ، فلا مانع من إضافة أنه "بل حتى لو شكّ في جريان الماء تحته رغم التحريك يجب النزع" ، فإنّه في حال الشكّ في وصول الماء يجب التأكّد قطعاً ، وهذا أمْرٌ لا نقاش فيه ولا خلاف ، وقد يكون الإمام (عليه السلام) استعمل لفظةَ (عَلِمَ) لدفع الوسوسة من السائل .

* * * * *

مسألة 10 : الثقبة في الأنف موضع الحلقة لا يجب غسل باطنها ، لأنها عرفاً من البواطن ، ولذا يكفي غسلُ ظاهرِها ، سواء كانت الحلقة فيها أو لا 400.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(400) جرت عادة بعض النسوة في بعض البلاد أن يضعن في الأنف حَلَقَةً ، ولم يرد تنبيه من الأئمّة (عليهم السلام) أو نهيٌ عن هذا لكونه حاجباً مانعاً من وصول الماء إلى ما تحت الحلقة . على أنّ العرف يرى أنّ غسل الوجه ـ رغم وجود الحلقة ـ لا إشكال فيه ولا شكّ ، وأنّ المرأة قد غسلت كلّ وجهها ، وهذا كاف في الحكم بصحّة الوضوء ، لأنّ الغَسل الوارد في الآية والروايات ينزّل على حسب فهم العرف ، والعرفُ يفهم أنها قد غسلت كلّ وجهها .

* * * * *

الثاني : غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع ، مقدِّماً لليُمنَى على اليسرى ، ويجب الإبتداء بالمرفق والغسلُ منه إلى الأسفل عرفاً ، فلا يجزي النكس ، والمرفق معروف عند الناس ، وهو مُرَكَّبٌ من شيء من الذراع وشيءٍ من العضد ، ويجب غسله بتمامه وشيءٍ آخر من العضد من باب المقدمة ، وكل ما هو في الحد يجب غسله وإن كان لحماً زائداً أو إصبعاً زائدة ، ويجب غسل الشعر مع البشرة ، والأظافرُ من أجزاء اليد ، فيجب غَسلها . ومن قطعت يده من فوق المرفق لا يجب غسل العضد ، وإن قطعت مما دون المرفق يجب عليه غسل ما بقي ، وإن قطعت من المرفق بمعنى إخراج عظم الذراع من العضد يجب غسل ما كان من العضد جزءً من المرفق 401.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

401 لا شكّ ولا خلاف بين المسلمين في وجوب غسل اليدين ، وأصلُ ذلك الكتابُ الكريم وتواتر الروايات والسيرة المتشرّعيّة القطعيّة .

كما لا شكّ ولا خلاف في وجوب غسلهما إلى المرفقين ، لصريح الكتاب والسنّة في ذلك .

كما لا شكّ ولا خلاف في وجوب تقديم اليمنى على اليسرى أيضاً .

وكذلك الأمر في وجوب كون الغسل من الأعلى إلى الأسفل ، وقد مرّ الإستدلال على ذلك بالروايات المستفيضة التي مرّ بعضها في الوجه فراجع .

وأمّا قوله تعالى ﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ[2] فقد فسّرها أئمّتنا (عليهم السلام) بأنّ (إلى) هنا هي في مقام بيان حدود المغسول ـ وليست في مقام بيان كيفيّة الغَسل ـ أي لا إلى مفصل الكفّ ولا إلى الكتف . ونكتفي بذكر رواية واحدة فقط لمسَلَّمِيَّة الأمر فنقول : روى الشيخ الصدوق في الفقيه بإسناده ـ الصحيح ـ عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ألا تخبرني من أين علمت وقلت إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين ؟ فضحك وقال : يا زرارة قاله رسول الله صلى الله عليه وآله ، ونزل به الكتاب من الله عز وجل ، لأنّ الله عز وجل قال ﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾ فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يُغسَل ، ثم قال ﴿ وأَيْدِيَكُمْ إلى المرافِقِ ﴾ فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين ، ثم فصل بين الكلام فقال ﴿ وامْسَحُوا بِرُؤوسِكُمْ ﴾ فعرفنا حين قال ﴿ برؤوسكم ﴾ أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ، ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال ﴿ وأرجلكم إلى الكعبين ﴾ فعرفنا حين وصلهما (وصلها ـ خ) بالرأس أن المسح على بعضهما (بعضها ـ خ) ، ثم فسر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله للناس فضَيَّعُوه . ورواها في (العلل) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد(ثقة صدوق كثير الرواية) عن حَمّاد(بن عيسى) عن حريز عن زرارة ، ورواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة[3] صحيحة السند .

* وأمّا لو كان على المرفق حاجب ، بحيث شككنا في كونه داخل الحدّ ليجب غسله أم خارجه لكي لا يجب غسله ، فقد تقول بجريان البراءة من وجوب الغسل الزائد المشكوك ، ولكنه خطأ ، وذلك لأنّنا نشكّ في تحصيل المكلّف به ، وليس هذا من باب الشكّ في التكليف الزائد .

وأمّا اللحم الزائد أو الإصبع الزائدة الداخلة في الحدّ فإنه يجب غسله ، لدخوله في الحدّ الواجب ، أو قُلْ : لِصِدْقِ أنّ في يده لحماً زائداً أو إصبعاً زائداً ، ولأنه من موارد الشكّ في تحصيل المكلّف به ، والظاهر أنّ وجوب الغسل هو أمر لا خلاف فيه .

وأظافر اليد هي من اليد عرفاً بلا شكّ ، وتستفيد ذلك أيضاً من قوله تعالى ﴿ وأَيْدِيَكُمْ إلى المرافِقِ ﴾. نعم ، إذا طالت الأظافر فوق الحدّ المتعارف خرجت عن حدّ اليد عرفاً ، فح لا يجب غسلها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo