< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/12/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : بقيّة الكلام في غسل اليدين في الوضوء
الثاني : غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع، مقدِّماً لليُمنَى على اليسرى، ويجب الإبتداء بالمرفق والغسلُ منه إلى الأسفل عرفاً، فلا يجزي النكس، والمِرْفَقُ معروفٌ عند الناس، وهو مُرَكَّبٌ من شيء من الذراع وشيءٍ من العضد، ويجب غسله بتمامه مع شيءٍ من العضد من باب الإحتياط العقلي، وكل ما هو في الحد يجب غسله وإن كان لحماً زائداً أو إصبعاً زائدة، ويجب غسل الشعر مع البشرة، والأظافرُ من أجزاء اليد، فيجب غَسلها . ومَن قطعت يده من فوق المرفق لا يجب غسل العضد، وإن قطعت مما دون المرفق يجب عليه غسل ما بقي، وإن قطعت من المرفق فإنه يجب غسل ما بقي من الساعد ولو كان جلداً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك الأمرُ في الشَّعر الداخل في حدّ اليدين، فإنه يجب غسله بلا شكّ طالما كان داخلاً في اليدين عرفاً، دون ما كان منه خارجاً عن الحدّ العرفي، وذلك كما قلنا في شعر الوجه تماماً ـ إذا كانت اللحيّة خارجةً عرْضاً أو نزولاً عن حدّ الوجه ـ . ولا بأس للإستدلال على ذلك بما مرّ من صحيحة زرارة إذ قال لأبي جعفر الباقر (عليه السلام) : أخبرني عن حَدِّ الوجهِ الذي ينبغي أن يُوَضّأ الذي قال الله عز وجل، فقال : ( الوجه الذي قال الله وأمر الله عز وجل بغسله الذي لا ينبغي لأحدٍ أن يزيد عليه ولا ينقص منه، إن زاد عليه لم يؤجر، وإن نقص منه أثم : ما دارت عليه الوسطى والإبهام، من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، وما جرت عليه الإصبعان مستديراً فهو من الوجه، وما سوى ذلك فليس من الوجه)[1]، فقال له : الصدغُ مِنَ الوجهِ ؟ فقال : ( لا )، قال زرارة قلت له : أرأيتَ ما أحاط به الشعرُ ؟ فقال : ( كلُّ ما أحاط به من الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه، ولكن يجري عليه الماء )[2] [3]، فإنّ الرواية وإن كانت واردةً ـ بحسب السياق ـ في الوجه، ولكن من المعلوم وَحدةُ المناط بين الوجه واليدين في ذلك، لعدم ميزةٍ لأحدهما على الآخر في ذلك . وما يفهمه الإنسان من الرواية هو أنه لو فرضنا أنّ شعر اليد كان كثيفاً لوجب عليه أن يغسل خصوص ظاهر الشعر، دون ما كان تحته، تمسّكاً بالرواية وبالسيرة المتشرّعيّة، وعليه فلو كان تحت شعر اليد حاجبٌ، لا يصل إليه ماء الوضوء عادةً لكثافته، فإنه لا يضرّ بصحّة الوضوء .
* ومَن كانت يده مقطوعةً من فوق المرفق ـ أي لم يكن له ساعِدٌ ـ فمن الطبيعي أنه لا يغسل ساعده، وذلك لعدم الساعدِ أصلاً، كما لا يغسل عَضُدَه ـ أي ما فوق ساعده ـ لعدم وجوب غسله مِنَ الأصل، ولا دليل على البدليّة، كما لا دليل على وجوب الإحتياط، وإنما الدليل هنا هو البراءة . وما ورد في خبر ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن الأقطع اليد والرجل قال : ( يغسلهما )[4]، وفي صحيحة رفاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن الأقطع اليد والرجل كيف يتوضّأ ؟ قال : ( يغسل ذلك المكان الذي قطع منه )[5]، وفي نصّ آخر لنفس الرواية قال رفاعة : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأقطع ؟ فقال : ( يغسل ما قطع منه)[6] فلا يمكن حمْلُها إلاّ على معنى ما لو بقي من الساعدِ شيءٌ، وذلك لأنّ المتصوّر ـ عادةً ـ أن يكون قَطْعُ اليدِ مِنَ المرفق، لا فوقه، وإلاّ فليس غسل العضد مطلوباً قطعاً، وقد يشير إلى ما نقول ما رواه في الكافي 4عن محمد بن يحيى عن العمركي (بن علي بن محمد البوفكي النيشابوري شيخ من أصحابنا ثقة) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن رجل قُطِعَتْ يدُه من المرفق، كيف يتوضأ ؟ قال : ( يَغسِلُ ما بقي من عَضُدِه )[7] صحيحة السند، فالقطع عادةً يكون من المرفق، ويستبعد جداً أن يكون المراد من الروايات السابقة (كَسر عظم العضد)، وعليه فلو بقي مِن ساعده شيءٌ ولو بعضُ الجلد لوجب غَسْلُه قطعاً لروايات ابن مسلم ورفاعة السابقتين بلا حاجة للتوسّل بالإستصحاب في ذلك، ولذلك أجمع العلماء على ما نقول .
* * * * *
مسألة 11 : إن كانت له يد زائدة دون المرفق وجب غسلها أيضاً كاللحم الزائد، وإن كانت فوقه فإن علم زيادتها لا يجب غسلها، ويكفي غسل الأصلية، وإن لم يعلم الزائدة من الأصلية وجب غسلهما، ويجب مسح الرأس والرجل بهما من باب الإحتياط، وإن كانتا أصليَّتَين يجب غسلهما أيضاً، ويكفي المسح بأحدهما (402).[8]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(402) يظهر أنّ اليد الزائدة الموجودة بين المرفق والكفّ محسوبةٌ ضمن اليد عرفاً، ولا أقلّ من جريان أصالة ( الإشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني )، ولذلك أجمع العلماء على ذلك .
وأمّا إن كانت على العضد فلا شكّ في عدم وجوب غسلها لأنها بلا شكّ خارج حدّ الغسل، ولا دليل على وجوب غسل اليد الزائدة النابتة خارج الحدّ المتعارف، أو قُلْ تنصرف الأدلّة إلى وجوب غَسْلِ خصوص اليد المتعارفة الموجودة في المحلّ المتعارف .
وأمّا إن كانت نابتةً من المرفق، فإن علمت الأصليّة من الزائدة فلا شكّ في وجوب غسل الأصليّة، دون الزائدة، لما ذكرناه من الإنصراف إلى وجوب غسل خصوص اليد الأصليّة، ولك أن تستعين بالبراءة . وأمّا إن كانتا متساويتين في كلّ شيء فلا شكّ في وجوب غسلهما معاً ولو من باب العلم الإجمالي، ولأصالة الإشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، والتي قد يعبّر عنها أحياناً بـ أصالة بقاء الحدث .
ومن الطبيعي أنه مع إطلاق اليد الأصليّة على كلّ منهما ـ أي في حال تساوي كلتا اليدين ـ فإنه يكفي المسحُ بإحداهما، وأمّا مع تمييز الأصليّة فلا شكّ في وجوب المسح بخصوص الأصليّة وذلك للإنصراف إليها، ومع الشكّ في الإنصراف فقُلْ لأصالة الإشتغال .

مسألة 12 : الوسخ تحت الأظفار إذا لم يكن زائداً على المتعارف لا تجب إزالته إلا إذا كان ما تحته معدوداً من الظاهر، فإنّ الأحوطَ ح إزالتُه . وإن كان زائداً على المتعارف وجبت إزالته . كما أنه لو قص أظفاره فصار ما تحتها ظاهراً وجب غسله بعد إزالة الوسخ عنها (403).[9]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(403) لا شكّ في وجوب غسل ما تحت الأظافر ممّا يُعَدّ من الظاهر، وأمّا ما يُعَدّ عرفاً من الباطن فلا شكّ في عدم وجوب غسله، أمّا ما كان من المشكوك فالسيرة جارية على عدم إزالته دائماً، ولو كانت إزالته واجبةً لبانَ ذلك في الروايات والفتاوى القديمة قطعاً، فالتمسّك بالسيرة المتشرّعيّة هو المحَكَّم في حال الشكّ، فلا يجب إزالته قطعاً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo