< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/12/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : بقيّة أفعال الوضوء
مسألة 15 : الشقوق التي تحدث على ظهر الكَفّ مِن أثر البرد إن كانت وسِيعَةً يُرَى جَوفُها فإنه يجب إيصالُ الماءِ إليها، إذا عُدّ الجوفُ مِنَ ظاهر اليد، فإنه ليس كلّ باطن يجب غسله، كما لو وصل جرح اليد إلى العظم فإنه لا يجب غسل العظم، وكما لو فُتِحَتْ بَطْنُ الإنسان فإنه لا يجب غسل داخل بطنه في الغُسل، فليس كلّ مرأيّ في أعضاء الوضوء هو من الظاهر الذي يجب غسله، وعليه فإنْ عُدّ مِنَ الباطن فلا يجب غسله، ومع الشك في كون الجوف من الباطن أو من الظاهر فإنه لا يجب غسْلُه، وذلك لاستصحاب كونه من الباطن406.[1]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
406 قد يقال : هذا الإستصحاب أصلٌ مثْبِت، لأنك بهذا الإستصحاب تُثْبِتُ أنّ هذا من الباطن ـ وكونُه (من الباطن) أثرٌ عقلي ـ إذن فلا يجب غسله، فالأثرُ الشرعي ـ أي عدم وجوب الغسل ـ ترتّبَ على (كونه من الباطن) . وحتى عدمُ وجوب غسل هذا المحلّ ليس من الأحكام الشرعيّة، فإنّ الأثر الشرعي هو حصول الطهارة، فإنها هي شرط الصلاة، وأمّا وجوب غسل هذا العضو فإنه وجوب عقلي، لأنه مقدّمة داخليّة لتحصيل الوضوء.
فأقول : ليس الإستصحاب هنا من الأصل المثبت ـ كما ذهب إلى ذلك جمعٌ من العلماء كالسيد السبزواري في مهذّب أحكامه ـ وذلك لأننا لا نريد إثبات عنوان (أنه من الباطن)، ثم نقول لا يجب غسله، وإنما نقول بأنّ استصحاب كونه من الباطن يُثْبِتُ مباشرةً عدمَ وجوب غسله، ولا مانع عقلي من ترتّب عدمِ وجوب الغَسل على استصحاب كونه من الباطن، ووجوبُ الغَسل أثرٌ شرعي حتى ولو كان مقدّمةً داخليّة للوضوء، فعدمه أيضاً أثر شرعي . وبتعبير آخر : لو سألتَ الباري تعالى عن غَسْلِ اليد لقال لك هو واجب، لأنه جزء داخلي من الوضوء، وهذا يكفي في كونه أثراً شرعياً، وليس المطلوب في الأثر الشرعي أن يكون تشريعه بنحو الإستقلال، أصلاً وأبداً، وذلك كما نستصحب أيّ شيء من الشبهات الموضوعيّة، فلو استصحبنا مثلاً كريّةَ الماء الموجود على السطح فإنه يَثبت عِصمتُه، وبالتالي تَثبتُ طهارةُ الماء المتنجّس الموجودِ في البيت التحتاني ـ تحت السطح ـ الذي فتحنا عليه الحنفيّةَ ووصلناه بماء خزّان السطح . ولا يقول أحدٌ بأنّ استصحاب كريّة الخزّان يُثبِت كُرّيّتُه، وهو أثر تكويني ! وإنما كلّ العلماء يستصحبون الكريّة، ولا يرون ذلك الإستصحابَ من الأصل المثبت . وكذا إن استصحبنا بقاء حياة زيد المفقود، فإننا نقول ـ ككلّ العلماء ـ نُـثْبِت بذلك مباشرةً بقاءَ زوجيّة امرأته وعدمَ جوازِ توزيع تركته، ولا نقول هذا أصل مثبت.
وأمّا مثالُ الأصل المثبت فهو ما لو كان شخص قاعداً تحت حائط مائل، وصادف أن وقع الحائط، ولم نعلم أنّ هذا الشخص كان لا يزال ـ حين وقع الحائطُ ـ تحت الحائط أم لا، ففي هكذا حالة لا يمكن لنا أن نقول لزوجته اعتدّي وأن نوزّع تركته، بناءً على استصحاب بقائه تحت الحائط !! فإنّ هذا الإستصحاب هو أصل مثبت بلا شكّ، وذلك لأنّ ما يترتّب على استصحاب بقائه تحت الحائط هو (وقوع الحائط عليه) أوّلاً ثم (موته)، و(وقوع الحائط عليه) أثر تكويني واضح، ولا يصحّ أن نرتّب الإعتدادَ وتوزيع التركة على أثر تكويني وهو (وقوع الحائط عليه) . فالأمر دقيق .
توضيح المثالين السابقين ببيان آخر : إذا فُقِدَ الزوجُ فإننا نستصحب بقاء حياته، فلا تعتدّ زوجتُه عدّةَ الوفاة ولا يقسّمُ مالُه، وأمّا إذا كان قاعداً تحت حائط مائل ووقع الحائطُ إلى جهته، وشككنا في بقاء الزوج تحت الحائط حين وقوعه، بحيث لو كان باقياً تحته لمات قطعاً، فإننا لا نستصحب بقاءَه تحت الحائط ـ بالإجماع ـ ولا تَعتدُّ زوجتُه، ولا يقسّم مالُه . فما الفرق بين الحالتين ؟
الجواب : في الحالة الاُولى ترتّبت الآثارُ الشرعيّة على استصحاب (بقاءِ حياة الزوج) مباشرةً، وأمّا في الحالة الثانية فقد ترتّبت الآثار الشرعيّة على (وقوع الحائط على الزوج) أوّلاً ثم (موته)، وبين الحالتين فرقٌ واضح، أي أنّ استصحاب (بقاء حياة الزوج) ـ في المثال الأوّل ـ ترتّبت عليه هذه الآثارُ الشرعيّة المذكورة مباشرةً، وأمّا في المثال الثاني فقد استصحبنا (بقاءَ الزوج تحت الحائط) وترتّب على بقائه تحته (وقوعُ الحائط عليه) وترتّب على بقائه تحته (موتُه)، وهذه آثارٌ تكوينيّة، ثم نحن نريد أن نرتّب الآثار الشرعيّة ـ أي اعتداد الزوجة وتقسيم التركة ـ على هذه الآثار التكوينيّة !! فهنا الأصلُ المثبت الواضح . أي أننا إذا أردنا أن نرتّب الآثار الشرعيّة فإنّ هذه الآثار سوف تترتّب على (وقوع الحائط على الزوج) أوّلاً وبالتالي على (موته) ثانياً، و(وقوعُ الحائط عليه) ثم (موته بهذا الهدْم) هي آثار تكوينيّة واضحة.
* ثم إننا لا نجري استصحابَ عدم وجوب الغسل، وذلك لأننا ننظر دائماً إلى موضوع الحكم، ولا ننظر إلى الحكم مع غضّ النظر إلى موضوعه، وذلك لأنّ الحكم ما هو إلاّ ظلّ ومعلول للموضوع.
وقد تـقول : بأنّ أصالة الإشتغال تقتضي القول بوجوب غسل ما كان في السابق من الباطن.
فأقول : بأنّ استصحاب كونه من الباطن وارداً على أصالة الإشتغال بلا شكّ ولا خلاف.
وإن قلتَ : إنّ استصحاب كونه من الباطن معارَضٌ باستصحاب عدم حصول الطهارة.
قلتُ : لا شكّ في كون الإستصحاب الأوّل وارداً على الإستصحاب الثاني، لأنه يلغي موضوعه، فإننا إن استصحبنا كونه من الباطن فلم نغسله لكان الوضوء صحيحاً شرعاً، فلا محلّ ح لاستصحاب عدم حصول الطهارة.
* * * * *

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo