< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/01/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الوضوء بماء المطر

مسألة 22 : يجوز الوضوء بماء المطر ، كما إذا قام تحت السماء حين نزوله فقصد بجريانه على وجهه غسْلَ الوجهِ مع مراعاة الأعلى فالأعلى ، وكذلك بالنسبة إلى يديه ، وكذلك إذا قام تحت الميزاب أو رشّاش الماء مثلاً ، لأنّ المهم هو صدقُ الغَسل عرفاً . وحتى لو لم يَنْوِ الوضوءَ مِنَ الأوَّل ، لكنْ بعد جريان ماء المطر على جميع مَحالّ الوضوء مسح بيده على وجهه ويديه بقصد الوضوء لكـفَى . وكذا لو ارتمس في الماء ثم خرج ومسح عليها بقصد الوضوء لكفَى أيضاً . [1]

يظهر من العلماء أن ما ذُكِرَ في المتن مجمَعٌ عليه . ولنا أن نستدلّ على هذا بآية الوضوء بعد وضوح صِدق الغَسل على صبّ الماء النازل من السماء إن كان ينوي بذلك الصبّ غَسْلَ الأعضاءِ للوضوء ، بل حتى ولو لم يكن ينوي الوضوء عند هطول المطر ، لكنه بعد امتلاء أعضائه بالماء نوى الوضوء فصار يمسح الماء على وجهه ويديه بنيّة الوضوء ، فإنّ هذا يصدق عليه الغَسلُ أيضاً ، وهذا كما لو صبّ الماء على وجهه أوّلاً ، لا بنيّة الوضوء ، ثم صار يمسح الماء على وجهه بنيّة الوضوء ، فإنّه يصدق عليه أنه يغسل وجهه بنيّة الوضوء بوضوح . ولك أن تستدلّ أيضاً بما رواه في التهذيبين بإسناده ـ الصحيح ـ عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد (بن عيسى) عن موسى بن القاسم (بن معاوية بن وهب البجلي فقيه ثقة ثقة) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال : سألته عن الرجل لا يكون على وضوء ، فيصيبه المطرُ حتى يبتل رأسُه ولحيته وجسده ويداه ورجلاه ، هل يجزيه ذلك من الوضوء ؟ قال : ( إنْ غَسَله فإنّ ذلك يُجزيه )[2] صحيحة السند ، والمعنى ( إنْ مسَحَ بيده ـ كالمعتاد ـ على وجهه ويديه ـ طبعاً بنيّة الوضوء ـ فإنّ ذلك يُجزئُه ) ، ولك أن تعتبر الصبَّ جزءَ الوضوء ـ إن كان بنيّة الوضوء ـ ومسْحَه على الأعضاء الجزءَ المتمِّمَ للصَّبّ ، ولك أن تعتبر خصوصَ مسح الماء على الأعضاء ـ دون الصبّ ـ هو الوضوء .

ولك أن تستدلّ بالروايات السابقة أيضاً فإنها تقول بأنّ النبي صلى الله عليه واله وسلم كان يصبّ الماء على العضو ثم يمسحه ، إذن لو نَزَلْنا تحت المطر أو تحت الحنفيّة أو الرشّاش لكان وصولُ الماء إلى الأعضاء بمثابة الصبّ عليه تماماً ، ثم نمسحُ على وجهنا بنيّة الوضوء ، ثم لو نزلنا ثانيةً تحت المطر أو كان يوجد ماءٌ كافٍ على يدنا اليمنى فمسحناها بنيّة الوضوء ، وكذا في اليسرى تماماً ، فسوف يكون وضوؤنا عاديّاً جداً ، فإنّه ليس المطلوب أن يكون الماء على يدنا ـ مثلاً ـ قبل لحظة ، فإنّ المطلوب أن نغسل يدنا ، وهذا يتمّ إذا كان الماءُ موجوداً ، ولو مِن قَبْلِ دقيقة أو دقائق ، ثم نمسح بنيّة الوضوء .

 

مسألة 23 : إذا شك في شيء أنه من الظاهر حتى يجب غَسْلُه أو من الباطن فلا يجب ، فالأحوط غَسْلُه ، إلا إذا كان سابقاً من الباطن وشُكّ في أنه صار ظاهراً أم لا ، فإنه يستصحب كونُه من الباطن ، فلا يجب غسله ، كما أنه يتعين غسله لو كان سابقاً من الظاهر ثم شك في أنه صار باطناً أم لا ، فإنه أيضاً يستصحب كونُه من الظاهر. [3]

لأصالة الإشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، وهي نفس أصالة بقاء الحدث ، إذ أننا إنْ لم نغسل المنطقةَ المشكوكة فإننا نشكّ في حصول الوضوء ـ الذي هو مجموع الغسلتين والمسحتين ـ الذي ينتج الطهارةَ المعنويّة ، فأنت تعلم أنّ المطلوب في الصلاة وغيرِها هي الطهارة ، لا نفس التوضّي ـ بمعنى الغسلات والمسحات ـ ، إنِ التوضّي إلاّ مقدّمة توليديّة للوضوء ، الذي هو سبب وعلّة للطهارة ـ أو قُلْ الوضوء مقدّمة محصّلة للطهارة ـ والمطلوب هو كون الصلاة عن طهارة .

قد يقال : إنّ المورد من موارد الأقلّ والأكثر الإرتباطيين ، فلا يجب غسل المنطقة المشكوكةِ كونُها من الظاهر أو من الباطن ، لجريان البراءة في الزائد المشكوك ، وثانياً لما رواه في التهذيبين بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن العباس بن معروف عن القاسم بن عروة(موثّق) عن (عبد الله) ابن بكير (بن أعين ، فطحيّ المذهب إلاّ أنه ثقة ومن أصحاب الإجماع) عن (عَمّه) زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( ليس المضمضة والإستنشاق فريضة ولا سنة ، إنما عليك أن تغسل ما ظهر )[4] موثّقة السند ، فإن شككنا في منطقة معيّنة أنها من الظاهر أو من الباطن فالأصلُ عدمُ وجوبِ غسلها . أو قلْ : إن شككنا أنها متّصفةٌ بكونها من الظاهر كي يجب غسلها فالأصلُ عدم الإتّصاف ، فلا يجب غسلها ، لأنّ المورد ح يكون من الشكّ في التكليف الزائد .

فأقول : أمّا من حيث الاُصول العمليّة فالمطلوب هو تحصيل الغاية ، التي هي الطهارة ، وهي أمر بسيط ، غير مركّب كي يقال هذا من موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الإرتباطيين ، فإن شككنا في حصول الغاية البسيطة ، فالأصل عدم تحقّقها ، وأمّا الرواية فالنظر فيها إلى عدم وجوب غسل البواطن ، لا أكثر ، ولو بقرينة ما رواه في يب بإسناده ـ الصحيح ـ عن الحسين بن سعيد عن حمّاد (بن عيسى من أصحاب الإجماع) عن زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام أرأيت ما كان تحت الشعر ؟ قال : ( كل ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يغسلوه ولا يبحثوا عنه ، ولكن يجري عليه الماء )[5] صحيحة السند .


[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص335، أبواب الوضوء، ب46، ح2، ط الاسلاميةوالظاهر أنّ حمّاد بن عيسى رواها عن حريز بن عبد الله عن زرارة بن أعين، كما في طريق الصدوق إلى زرارة، حيث روى الصدوقُ نفسَ هذه الرواية بسنده إلى زرارة، وقد ذكر طريقه إلى زرارة مارّاً بـحَريز . راجع مشيخة الصدوق / طريقه إلى زرارة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo