< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/02/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مسح الرأس في الوضوء

لو شكّ في حصول المسح ، فإن كان جالساً على الوضوء فإنه يمسح ، وإن كان بعد الفراغ العرفي ـ ويحصل بفوات الموالاة ـ فإنه يبني على صحّة وضوئه .

ولو مسح رياءً فإنه يعيد المسحَ .

مسألة 24 : في مسح الرأس لا فرق بين أن يكون طولاً أو عرْضاً أو منحرفاً .

كلّ ذلك للإطلاق المتقدّم في مسألة جواز النكس في مسح الرأس .

الرابع : مسح ظاهر القدمين ، ومحلُّه مِن رؤوس الأصابع إلى الكعبين ،

دليلُنا الإجماع ، قال السيد محسن الحكيم : (ويكفي دليلاً على ذلك قوله تعالى[وَامْسَحُوا بِرُؤُوْسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ][1] سواء قرئ بِجَرّ[أَرْجُلِكُم] كما عن ابن كثير وأبي عمر وحمزة وعاصم ـ في رواية أبي بكر ـ ، أم بالنصب كما عن نافع وابن عامر والكسائي وعاصم ـ في رواية حفص ـ إذ على الأول يكون عطفاً على لفظ [رؤوسِكم] ، وعلى الثاني يكون عطفاً على محل شبه جملة [ بِرُؤُوْسِكُم ])(إنتهى)[2] .

ودعوى أنّ [أرجلَِكم] ـ بالفتح والكسر ـ معطوفة على [وجوهَكم] ، وأنها كُسِرت ـ على قراءة الكسر ـ للمجاورة ـ كقولهم : جِحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ ـ مدفوعةٌ بأنّ ذلك مخالف لكلام العقلاء ، بل خطأ محض ، إذ أنّ العقلاء لا يفصلون بين المعطوف والمعطوف عليه بكلمات كثيرة بحيث لا يفهم أحد من الناس كيفية العطف ، مع أنّ القرآن الكريم نزل للناس ، فلذلك كان بياناً وهدى ونوراً لهم . وأمّا قولُهم "جِحْرُ ضَبّ خَرِبٍ" فقد يصحّ لعدم حصول التباس في كون (خربٍ) خبراً ، بخلاف ما نحن فيه ، على أنّ الإعراب بالمجاورة ـ عند مَن أجازه ـ إنما يكون مع فقْدِ حرْفِ العطف ، وأيُّ مجاورةٍ تكون مع وجود الحائل ؟!

أمّا كونُ محلِّه من رؤوس الأصابع إلى المفصل فيتّضح من المسألة التالية .

هل يجوز مسحُ بعضِ القدم طولاً كـ 3 سنتم مثلاً ـ أي مثل الرأس ـ ؟

الجواب ، نعم يجوز ، دليلنا :

1 ـ ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة وبكير أنهما سألا أبا جعفرt عن وضوء رسول الله w... ثم قال t: ( إنّ الله تعالى يقول [ يا أيها الذين آمنوا إذا قُمتم إلى الصلاةِ فاغسِلوا وجوهَكم وأيديَكم ] ... فإذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه )[3] صحيحة السند ، وهي تصرّح بعدم وجوب المسح على كلّ ظاهر القدم ، وإنما تكتفي بمُسمّى المسح طولاً وعرضاً .

ورواها في التهذيبين بإسناده الصحيح عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد(بن عيسى بن عبد الله) عن أبيه محمد بن عيسى(شيخ القميين ووجه الأشاعرة) والحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة وبكير ابنَي أعين عن أبي جعفرt أنه قال في المسح : > تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك ، وإذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك )[4] صحيحة السند ، وهي تدلّ أيضاً على كفاية مسمّى المسح على ظاهر القدم ، ومثلها ما بعدها .

وكذا لما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حمّاد بن عيسى عن حريز(بن عبد الله) عن زرارة قال : قلت لأبي جعفرt : ألا تخبرُني مِن أين علمتَ وقلتَ إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين ؟ فضحكt وقال : ( يا زرارة ، قاله رسول اللهw ، ونزل به الكتاب من الله عز وجل ، لأنّ الله عز وجل قال[ فاغسِلوا وجوهَكم ] ، فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ، ثم قال[ وأيديَكم إلى المرافق ] فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يُغسلا إلى المرفقين ، ثم فَصَلَ بين الكلام فقال[ وامسَحوا برؤوسِكم ] فعرفنا حين قال[ برؤوسِكم ] أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء ، ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال [ وأرجُلَكم إلى الكعبين ] فعرفنا حين وصَلَهُما (وصلها ـ خ) بالرأس أنّ المسح على بعضهما (بعضها ـ خ) ، ثم فسَّرَ ذلك رسولُ اللهw للناس فضيّعوه ... )[5] صحيحة السند ، وهي كسابقتها تدلّ على عدم وجوب استيعاب المسح لكلّ ظاهر القدم ، وإنما تكتفي بمسمّى المسح على القدمين طولاً وعرضاً .

2 ـ وكذا روى الشيخ محمد بن علي بن الحسين الصدوق في الفقيه قال قال أبو جعفرt : ( مسَحَ أميرُ المؤمنينt على النعلين ولم يستبطن الشراكين )[6] ، وتصحّح على مبنى القائلين بحجيّة رواية الثقة إن كان يحتمل نقله عن واسطة حسيّة . ثم بعدما وقع الكلام أنّ الشيخ الصدوق لا يروي بهذا الإرسال ناسباً الرواية إلى الإمام إلاّ أن يكون السندُ صحيحاً دائماً نَظَرْنا في الحاسوب ـ لِنَتَأكَّدَ ـ فوجدنا أنّ الشيخ الطوسي يرويها في التهذيب (كتاب الطهارة ح 31) عن الشيخ المفيد أيّده الله تعالى عن أحمد بن محمد (بن الحسن بن الوليد) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن (عبد الله بن محمد)الحجّال(ثقة ثقة) عن ثَعْلَبة بن مَيْمون(فقيه جليل حسن العمل كثير العبادة والزهد) عن زرارة عن أبي جعفرt وهو سند صحيح من الصحيح الأعلائي .

وأمّا من حيث دلالة هذه الرواية فإنّ الإمام عليّt لم يكن يعيش مرحلة تقيّة في هذا الأمر ، فحينما يمسح من فوق الشراك فهو لن يستوعب كلّ ظاهر القدم ، خاصّةً وأنّ الإمام الباقرt يعلّمنا كفايةَ المسح على بعض القدم وهذا لا يناسب التقيّة .

3 ـ ويؤيّد ما ذكرناه ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى(العطّار) عن علي بن إسماعيل (مجهول) عن علي بن النعمان(ثقة) عن القاسم بن محمد(بن سليمان ، مهمل) عن جعفر بن سليمان عمه(مهمل) قال : سألت أبا الحسن موسىt قلت : جعلت فداك ، يكون خفُّ الرجل مُخَرّقاً فيُدخل يدَه فيمسح ظهر قدميه أيُجزيه ذلك ؟ قال : ( نعم )[7] في سندها عدّة مشاكل وإن كانت من مسانيد الكافي . وأنت تعلم أنّ المسح من خلال الثقب الكبير في ظهر الخفّ يستلزم عدم مسح كلّ ظهر القدم ، ولو عادةً ، قُلْ غالباً ، والإمامُt لم يُنَبّه على ذلك ، فيتمسّك بإطلاق الجواب بلا شكّ .

4 ـ وروى في الكافي أيضاً عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد(بن يحيى بن عمران الأشعري) عن محمد بن عيسى عن يونس(بن عبد الرحمن) قال : أخبَرَني مَن رأى أبا الحسنt بمِنى يمسح ظهر القدمين من أعلى القدم إلى الكعب ، ومن الكعب إلى أعلى القدم ، ويقول : ( الأمرُ في مسح الرجلين موسَّع ، مَن شاء مَسَحَ مقبِلاً ، ومن شاء مسح مدبِراً فإنه من الأمر الموسَّع إن شاء الله )[8] ضعيفة السند .

وقد يقال بوجوب استيعاب المسح لكلّ ظاهر القدم وذلك لقوله تعالى [ وامسَحوا برؤوسِكم وأرجلَكم إلى الكعبين ] ولظواهر الروايات الآمرة بمسح القدمين ، فإنها ظاهرة في وجوب مسحها كلّها .

أقول : أمّا الآية الكريمة فيُحتمل أن يكون المراد منها تحديد محلّ المسح لا تحديد مقدار المسح ، خاصّةً وأننا نعلم بعدم وجوب مسح كلّ ظهر القدم ، وإلاّ كان أمراً غريباً ، وهذا يستوجب كثرة الأسئلة والأجوبة والتنبيهات ، فعدم وجودها يعني عدم وجوب استيعاب مسح كلّ ظهر القدم ، ولا أقلّ نقول : مع احتمال أن لا تكون الآية الكريمة في محلّ بيان مقدار المسح يَبطُلُ الإستدلالُ بها .

بل المظنون قوياً هو ما احتملناه من كون ذِكْرِ الكعبين هو لتحديد محلّ المسح فقد روى زرارة ـ في الصحيحة السابقة ـ قال قلت لأبي جعفرt : ألا تخبرُني مِن أين علمتَ وقلتَ إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين ؟ فضحكt وقال : (ثم فَصَلَ بين الكلام فقال [ وامسَحوا برؤوسِكم ] فعرفنا حين قال [ برؤوسِكم ] أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء ، ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال [ وأرجلَكم إلى الكعبين ] فعرفنا حين وصلها بالرأس أن المسح على بعضها ) وهي صريحة فيما ندّعي ، فإنها تقول بكفاية المسح على بعض الرجلين ولا ضرورة للإستيعاب من الأصابع إلى الكعبين .

وأمّا الروايات الشريفة فلم يتّضح منها التصريح بوجوب استيعاب المسح لكلّ ظاهر القدم ، وإن وُجد فإنه يحتمل أن يكون مسح كلّ ظاهر القدم من باب الاَولى والأفضل جمعاً بين طائفتَي الروايات ، لاحظ ما وجدتُه من روايات في هذا المجال :

روى في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضاt قال : سألته عن المسح على القدمين كيف هو ؟ فوضع كفَّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم ، فقلت : جُعلتُ فداك ، لو أن رجلاً قال بإصبعين من أصابعه هكذا ؟ فقال : ( لا ، إلاّ بكفَّيه (بكفّه) كلّها )[9] صحيحة السند ، وقد حَمَلَ أصحابُنا كونَ المسْحِ بكلا الكفّين على الإستحباب ، إذ لا يجب المسح بكلّ الكفّ قطعاً ، وإلاّ لكثرت فيه رواياتنا . أمّا دلالة هذه الرواية على وجوب المسح من رؤوس الأصابع إلى المفصل فغير موجودة ، وذلك لأنّ الفعل أعمّ من الوجوب ، ومِثلُها تماماً ما بَعدها .

والنتيجةُ ـ عِلْمِيّاً ـ كفايةُ مسحِ بعض ظاهر القدمين كما ذهب إليه صاحب الحدائق والمحقّق الكاشاني صاحب مفاتيح الشرائع ، والسيد السبزواري في مهذب أحكامه ، فإنه بعدما استدلّ بصحيحة الأخوين وصحيحة زرارة قال : ( وقد اشتهر الخلاف في هذه المسألة ، ويشهد لإجزاء المسمّى إطلاقُ ما دلّ على كفاية إدخال اليد في الخفّ المخرّق ، وما دلّ على أخذ البلّة من الحاجب وأشفار العينين لمسح الرأس والرجلين فإنّ بلّتهما لا تبلغ المسح إلا القليل من ظهر القدمين) إنتهى ، وتردّد الشهيد الأوّل في الذكرى فقال إن "عليه عمل الأصحاب" وهو يشير إلى نحو تردّد ، وكذا تردّد السيد محمد صاحب المدارك .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo