< قائمة الدروس

بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/02/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : آخر الكلام في بيان الكعب
والمراد بالكعب هو أعلى ظهر القدم الملاصق تماماً بالمَفْصِل .
الظاهر أنّ الكعب هو أعلى ظهر القدم الملاصِق تماماً بالمَفْصِل، فكلمة (كعبة) تعني المكان المرتفع، و ( كواعب أتراباً) أي اللواتي ثديُهنّ مرتفع أي الشابّة، ولذلك هو ـ عملياً ـ المَفْصِل من جهة ظهر القدم لا من جهة جانبَي الساق، فهو أعلى مِنطَقة في ظهر القدم، وقلنا (عملياً) لأنّ مَن يريدُ أن يمسح إلى الكعبين عليه أن يمسح إلى المَفْصِل قطعاً، لا من باب المقدّمة العلميّة، وإنما من باب أنهما متلاصقان تماماً، واستدللنا على ذلك في الدروس السابقة من قبيل ما رواه زرارة وبكير ـ في صحيحتهما السالفة الذكر ص 827 ـ ( ... إن الله تعالى يقول[ يا أيها الذين آمنوا إذ أقمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم ] فليس له أن يدع شيئاً من وجهه إلا غسله، وأمَرَ بغسل اليدين إلى المرفقين فليس له اَنْ يدع من يديه إلى المرفقين شيئاً إلا غسله، لأنّ الله تعالى يقول[ فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق] ثم قال [ وامسحوا برؤوسكم وأرجلَكم إلى الكعبين ] فإذا مسح بشي من رأسه، أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه )، قال : فقلنا أين الكعبان ؟ قال : ( هاهنا، يعني المَفْصِل ـ أي عَمَليّاً ـ دون عظم الساق )، فقلنا : هذا ما هو ؟ فقال : ( هذا ـ أي أسفل الساق الملاصق للمفصل ـ من عظم الساق، والكَعْبُ أسفلُ مِن ذلك )[1] أي أنّ الكعْبَ هو أسفل من الساق مباشرةً، وهو يعني أنّ الكعب والساق متلاصقان، أي أنّ الكعبَ هو آخِرُ نقطةٍ من ظاهر القدم الملاصقة للمفصل .
ورددنا على ما رويناه قبل قليل عن الكافي عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد(بن يحيى بن عمران الأشعري) عن محمد بن عيسى عن يونس(بن عبد الرحمن) قال ( أخبَرَني مَن رأى أبا الحسنt بمِنى يمسح ظهر القدمين، من أعلى القدم إلى الكعب، ومن الكعب إلى أعلى القدم)[2] ضعيفة السند، وذلك بتقريب التفريق بين الكعب وأعلى القدم .
وقلنا بأنه لا يمكن الركون إلى ما ذُكِرَ بَعد ضعف الرواية وبعد صحيحةِ زرارة وبكير السالفة الذكر، وبَعد الوضوءات البيانية التي يأمر فيها أئمّتُناi أو يمسحون فيها كل ظاهر القدم .
ولذلك ترى بعض علمائنا يذكرون أن الكعب هو عند المَفْصِل ومتّصلٌ به عرفاً .
ثم أننا قلنا إنه بناءً على وجوب أن يكون المسح من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، ومع التردّد في تحديد الكعب، لا شكّ ـ عند كلّ العلماء ـ في وجوب الرجوع إلى أصالة الإشتغال، ولا يقول أحدٌ بالرجوع إلى أصالة البراءة ـ بذريعة أنه شكّ في التكليف الزائد ـ وإنما يرَون أنّ التكليف معلوم، وأنه إلى الكعبين، إلاّ أننا ـ فرَضاً ـ لا نعرف محلَّ الكعبين، فيكون الموردُ ـ لا محالةَ ـ موردَ الشكّ في امتثال المكلّف به . وبتعبير آخر : لا شكّ في أنّ المسح يجب أن يكون إلى الكعب، فمع الشكّ في أننا هل مسحنا إلى الكعب، أو قُلْ هل حقّقنا الطهارةَ المأمورَ بها بهذا المسح إلى ما قبل المَفْصِل بـ 2 ـ 3 سنتم أم لا، فالأصل العدمي يقتضي أننا لم نحقّقه بعدُ، وذلك كما لو قال لك المولى (اَكْرِمْ زيداً) فأعطيتَ زيداً رغيفَ خُبْزٍ فقط، فشككتَ في تحقّق الإمتثال بإعطائه رغيف خبز، فهنا يجب عليك عقلاً أن تعمل عملاً تعلم من خلاله أنك أكرمتَه قطعاً، وإلاّ فلن تكون بريءَ الذمّة عقلاً .
ويكفي المسَمّى عرْضاً ولو بعرْضِ إصبعٍ أو أقل، على ما قلنا وروينا قبل قليل من قبيل ما رواه في التهذيبين بإسناده عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن الحسين بن سعيد وأبيه محمد بن عيسى(شيخ القميين ووجه الأشاعرة) عن محمد بن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة وبكير ابنَي أعين عن أبي جعفرt أنه قال في المسح ( .. وإذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك )[3] صحيحة السند، وما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى(العطّار) عن علي بن إسماعيل (مجهول) عن علي بن النعمان(ثقة) عن القاسم بن محمد(بن سليمان، مهمل) عن جعفر بن سليمان عمه(مهمل) قال : سألت أبا الحسن موسىt قلت : جعلت فداك، يكون خفُّ الرجل مُخَرّقاً فيُدخل يدَه فيمسح ظهر قدميه أيُجزيه ذلك ؟ قال : ( نعم )[4] في سندها عدّة مشاكل وإن كانت من مسانيد الكافي، وأنت تعلم أنّك إن مسحت من خلال الخرق والثقب فإنك ـ عادةً ـ لن تمسح كلّ ظهر قدمك .. فراجع .
ولذلك لم نأخذ بما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضاt قال : سألته عن المسح على القدمين كيف هو ؟ فوضع كفَّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم، فقلت : جُعلتُ فداك، لو أن رجلاً قال بإصبعين من أصابعه هكذا ؟ فقال : ( لا، إلاّ بكفَّيه (بكفّه) كلّها ) صحيحة السند، وإنما حملناها على الإستحباب للإجماع على عدم وجوب المسح بكلا الكفّين، ولأنّ المسح بكلّ الكفّ أمرٌ غريب وفيه كلفة، فلو كان واجباً لكثرت فيه الروايات، ولهذا هجرها فقهاونا . وعلى هذا أيضاً حَمَلْنا ما رواه في الكافي أيضاً عن عدّةٍ من أصحابنا عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن شاذان بن الخليل النيسابوري عن معمر بن عمر(مجهول) عن أبي جعفرt قال : ( يُجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع، وكذلك الرِجل ( الرجلين ـ خ) )، ويمكن تصحيحها من باب أنها من مسانيد الكافي الذي وصف صاحبُه رواياتِ كتابه بأنها صحيحة عن الصادقينi، إضافةً إلى أنّه لو كان الواجب مسح تمام ظهر القدم بتمام الكفّ لبان ذلك بوضوح في الكثير من الروايات، لأنّ الأمر ابتلائي جدّاً، ولذلك اشتهر هذا الحكم، بل ادّعي عليه الإجماع .
والأفضل أن يكون بمقدار عرض ثلاث أصابع، لرواية معمّر السالفة الذكر، وأفضل من ذلك مسح تمام ظهر القدم، لصحيحة البزنطي السالفة الذكر أيضاً، نحمله على الإستحباب للإجماع على عدم وجوب المسح بكلا الكفّين، ولأنّ المسح بكلّ الكفّ أمرٌ غريب وفيه كلفة، فلو كان واجباً لكثرت فيه الروايات .
ويجزي الإبتداء بالأصابع وبالكعبين، وذلك لعدّة روايات منها :
1 ـ ما رواه في التهذيب بإسناده الصحيح عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن العباس بن معروف عن (محمد) ابن أبي عمير عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللهt قال : ( لا بأس بمسح القدمين مقبِلاً ومدبِراً )، ورُوِيت أيضاً بنفس السند بالنصّ التالي : (لا بأس بمسح الوضوء مقبِلاً ومدبِراً ) صحيحة السند .
2 ـ وروى في الكافي عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد (بن يحيى بن عمران الأشعري) عن محمد بن عيسى عن يونس (بن عبد الرحمن) قال : أخبَرَني مَن رأى أبا الحسنt بمِنى يمسح ظهر القدمين من أعلى القدم إلى الكعب، ومن الكعب إلى أعلى القدم، ويقول : ( الأمرُ في مسح الرجلين موسَّع، مَن شاء مَسَحَ مقبِلاً، ومن شاء مسح مدبِراً فإنه من الأمر الموسَّع إنشاء الله ) ضعيفة السند .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo