< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/04/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : لو ترك التقيةَ في مقام وجوبها ومسح على البشرة

مسألة 36 : لو ترك التقيةَ في مقام وجوبها ومسح على البشرة فإنّ مسْحَه على البشرة يكون حراماً شرعاً ، لأنّ العمل الضرري حرام ، وأمّا إن كانت التقيّة مداراتيّة فلا شكّ في صحّة مسْحِه .

لا شكّ في أنّ مفاد (لا ضرر) هو حرمة العمل الضرري ، فالإنسانُ في حال الضررِ مكلّفٌ بحكمٍ واقعيّ ثانويّ وهو هنا المسح على طبق التقيّة ، فالمسح طبق الحكم الواقعي الأوّلي يرتفع في هكذا حالة ، ولا يبقى ، وهذا ما أجمعت عليه الأمّة ظاهراً ولا أعلم فيه مخالفاً ، وأنت تعلم أنه لا يمكن أن يتّصف الحرامُ بالعبادة ، أي أنه لا يصحّ أن يكون الحرام عبادةً لأنهما متضادّان . ولك أن تقول إنّ مسحه على البشرة مبغوض شرعاً وعقلاً ، فيكون الوضوء باطلاً لمبغوضيّته . ولذلك نقول : إنْ كانت التقيّة معلومةَ الضرر لوجب القول ببطلان وضوئه لأنّ إيقاع النفس بالضرر حرام ، فتكون العبادة باطلة ، كما في غسل الجنابة في الهواء البارد وبالماء البارد الذي نعلم بترتّب الضررِ عليه .

وكذلك الأمْرُ إن كان يحتمل في مخالفة التقيّةِ الضررُ المعتدّ به عقلائيّاً فلا شكّ أيضاً في الحرمة التكليفيّة ، حتى ولو لم يترتّب ضرر واقعاً ، وذلك لأنّ تارك التقيّة كتارك الصلاة ، كما سيأتيك في الرواية بعد قليل ، وحتى مع فرْضِ الإتيانِ بنيّة القربة يظهر أنّ العمل مبغوض مبغوضيّة تامّة ، فأنت تشعرُ في وجدانك أنك لو سألت المعصوم عن المسح على البشرة مع احتمال حصول ضرر معتدّ به عقلائيّاً لقال لك إنّ الله يُـبْغِضُ لك ذلك ، ولذلك يصعب الرجوعُ في هكذا حالة إلى البراءة من تقييد الصلاة بعدم الإتيان بالفعل المخالف للتقيّة .

وأمّا إن كانت التقيّة مداراةً وتحبّباً ـ كما في مساجد أهل العامّة الذين يكرهون هكذا وضوء مخالفاً لهم ، ولكن مع ذلك لا ضرر من مخالفتهم لا على النفس ولا على الإسلام ـ فلا شكّ في عدم رفع الأحكام الواقعيّة الأوليّة وعدمِ تبدّل المصلحة في الوضوء الواقعي إلى مفسدة ومبغوضيّة . ونحن لا نستدلّ هنا باستصحاب بقاء الملاك ، لأنه استصحاب في الشبهات الحكميّة ، وهو استصحابٌ باطل ، وإنما نستدلّ بالعلم ببقاء المصلحة ، وذلك لعدم وجود داعٍ لرفعها ولعدم وجود داعٍ لمبغوضيّة هذا الوضوء الواقعي الأوّلي .

فإن قلتَ : في التقيّة المداراتيّة لا أمر بالعمل المخالف للتقيّة ، وذلك للإطلاق في الروايات التي مفادها ما رويناه قبل قليل عن المعلّى بن خنيس ـ في صحيحته ـ قال قال لي أبو عبد اللهt : ( يا مُعَلَّى ، اُكتم أمرنا ولا تُذِعْهُ ، فإنه مَن كَتَمَ أمْرَنا ولا يُذيعُه أعزه اللهُ في الدنيا ، وجعله نوراً بين عينيه يقوده إلى الجنة ، يا مُعَلَّى ، إن التـقية ديني ودين آبائي ، ولا دين لمن لا تـقية له ، يا مُعَلَّى ، إن الله يحب أن يُعْبَدَ في السر كما يحب أن يعبد في العلانية ، والمذيع لأمرنا كالجاحد له )[1] فيجب أن يكون الوضوء المخالف للتقيّة المداراتيّة باطلاً لأنّ الوضوء الأوّلي ـ في هكذا محلاّت ـ ليس دِيناً ، أي مَن يتوضّأ عندهم بالوضوء الأوّلي لا دين له ، وعمله ليس دين الله في مساجدهم ، وذلك كما كان الحال في التقيّة الضررية حيث قلنا ببطلان المسح على البشرة بلا خلاف فيه .

قلتُ : لم يتّضح أنّ تارك التـقيّة المداراتيّة هو كتارك الصلاة ، وإن كان يحتمل ذلك ، لكن مع ذلك وحتى لو قلنا إنّ تارك التقيّة هو كتارِكِ الصلاةِ فإننا نقول بأنّ تارك إنـقاذ النفس المحترمة أيضاً هو كتارك الصلاة ، لكنْ لو ترك الإنقاذَ وصلّى لكانت صلاته صحيحةً بلا شكّ ، لما ذكرناه في مسألة الترتّب مِن بقاءِ فعليّة الأمر بالصلاة ، ورفْعِ خصوصِ التنجيز لا أكثر ، وذلك لبقاء الملاك والمصلحة التامّة والمحبوبيّة التامّة للصلاة ، وذلك لأنّ وجود الأهمّ هو أمر خارج عن حقيقة الصلاة ، فهو يرفع منجّزيّتها فقط ، ولا يرفع فعليّتها ، ذلك لما قلناه من أنّ وجود الإنقاذ هو أمْرٌ خارج عن الصلاة بالكليّة ، وإنما الأمر به يزاحم الأمر التنجيزي بالصلاة لا أكثر . ولذلك نقول إنه لا دليل على رفع الوجوب الفعلي للصلاة ، لا بل نحن نعلم بعدم تقيّد وجوب الصلاة بعدم المزاحم المساوي أو الأهمّ ، ولذلك تكون الصلاة واجبة فعلاً بنحو الإطلاق ، ويستحقّ العقاب بتركِهِ للأهمّ ، لكن هذا لا يعني أنه يكون قد فعل حراماً وهي الصلاة . وكذا لو ترك المسْحَ على الخفّ ، فإنّ مسْحه على البشرة لا يرتفع وجوبه الفعلي في مقام التقيّة المداراتيّة ، ولا دليل على الإرتفاع ، فنبقى على الإطلاق . ولك أن تقول : إنّ الأمر بالمسح على الخفّين كالأمْرِ بالإنقاذ لا يقتضي القولَ بحرمة ضدّه الخاصّ ـ وهو المسح على البشرة ـ كما قلنا في الأصول في بحث الترتّب ، خاصةً وأنّا لم نَرَ آية أو رواية تنهى عن العمل المخالف للتقيّة . نعم ، نحن نعلم أنّ العمل بالتقيّة المداراتيّة هي دين الله ، وكذلك أيضاً تفيدنا رواياتُ الحثّ على الصلاة في مساجدهم ، لكن هذه الروايات لا تفيدنا سقوطَ الأوامر الواقعيّة الأوليّة .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo