< قائمة الدروس

بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/05/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : من شرائط الوضوء إباحةُ الماء
الرابع من شرائط الوضوء : أن يكون الماء مباحاً، فلو كان مغصوباً كان الوضوء به باطلاً، لأنه لا يمكن عقلاً أن يكون الحرامُ المبغوضُ عبادةً ومحبوباً ومقرِّباً إلى الله تعالى، حتى ولو أخرج ماءً من بئر عام بإناء مغصوبٍ وكان الماء له فإنه لا يصحّ وضوؤه به، حتى ولو صار يغترف من هذا الإناء اغترافاً وكان الماءُ في يده له، وذلك لأنه مكلّف حينئذٍ بالتيمّم لا بالوضوء . نعم، لو أفرغ ماءَه بإنائه أوّلاً ثم توضّأ من مائه وإنائه لصحّ وضوؤُه بلا شكّ، حتى وإن كان قد فعل حراماً بالتصرّف بإناء الغَير . بل يجب إفراغُ مائه من إناء الغير إلى إنائه ليتخلّص من زيادة التصرّف بإناء غيره . أمّا مكان الوضوء ومصبُّ ماءِ الوضوء فيجب أن يكونا مباحَين أيضاً على الأحوط وجوباً .
ذكرنا أمس هذه المسألة وقلنا إنّ استعمال الظروف المغصوبة والماء المغصوب وكلّ مغصوب لا يجوز مطلقاً، عقلاً ونقلاً، حتى وإن توضّأ بالإغتراف منها ـ مع انحصار الأواني بهذا الإناء المغصوب ـ لكان وضوؤه باطلاً لأنه فعلاً هو مكلّف بالتيمّم، ولا أقلّ لجريان أصالة الإشتغال في هذا المورد . وبتعبيرٍ آخر : إنه لو أخذ الغُرفةَ الاُولى بيده ـ والمفروض أنها لا تكفي لكلّ وضوئهـ لقلنا له أنت الآن مطالَبٌ بالتيمّم بسبب انحصار الإناء بالمغصوب، وهذه الغُرفة التي بيده لا تكفي لوضوئه، أي هو لا يجد شرعاً ماءً كافياً لوضوئه، فلا يمكن له أن ينوي الوضوء، لأنّ هذه الغرفة لا تكفي لكلّ وضوئه، فهو مكلّفٌ بالتيمّم حتى ولو أخَذَ غُرفةً بيده، بل حتى ولو كان جاهلاً بالحكم هو غير مكلّف بالوضوء، وإنما هو مكلّف واقعاً بالتيمّم، ولا أقلّ من الشكّ الكبير في ذلك، ولذلك يُشْكَلُ جدّاً القولُ بصحّة وضوئه وبأنه مكلّف بالوضوء إن كان جاهلاً بالحكمِ، ولا إطلاق ليُتمسّك به لإثبات وجود أمر بالوضوء، ولو على مستوى الملاك فقط، لذلك يصعب تصحيح وضوئه إن كان جاهلاً بالحكم، ولا دليل على وجود أمْرٍ أو مَلاكٍ بالوضوء بذريعة أنه جاهل، والمرجع ـ كما قلنا ـ هي أصالة الإشتغال .
نعم، لو وجد إناء آخر مباحاً لقلنا هو مأمور بالوضوء قطعاً وبالإجماع، فلو كان يغترف من الماء المباح الموجود في الإناء المغصوب ـ رغم وجود إناء مباح، فيه ماءٌ مباح ـ لكان وضوؤه صحيحاً بلا شكّ، لأنه مأمورٌ بالوضوء .
وكذا الإشكال لو توضّأ بالإرتماس منه، لأنه تصرّفٌ بالإناء المغصوب، ولأنّ الوضوء مقدّمة توليديّة لزيادة التصرّف بالإناء، والمقدّمة التوليديّة للحرام حرام، وإن كان يحتمل الصحّة لكونه يتصرّف بالماء المباح، واهتزازُ الماء بهذا الإرتماس مغايِرٌ للتوضّي بالماء المباح، وإن كانا متلازمين خارجاً، لكن مع ذلك يجب الإحتياط لأصالة الإشتغال .
نعم، إذا أفْرَغَ الماءَ منه في ظرف مباح فتَوَضّأ أو اغتسل فإنهما يصحّان بلا شكّ ولا خلاف، حتى وإن كان عاصياً من جهة تصرفه في المغصوب .
أمّا مكان الوضوء فقد لا يشترط أن يكون مباحاً، وذلك لعدم اشتراط صحّة الوضوء شرعاً بإباحة المكان، وإنما نفهم حرمة التصرّف بمال الغير من العمومات، إذن فيجب أن يكون الوضوء صحيحاً وإن كان يرتكب حراماً بالتصرّف في المغصوب، وذلك لتغايرهما ماهيّةً تماماً، فإنّ الوضوء بالماء المباح محبوب في ذاته، وإن كان وجودُ المتوضّي في هذا المكان المغصوب مبغوضاً، لكن إن حصلت من المتوضّئ نيّةُ القربة فيجب أن يكون الوضوء صحيحاً، لأنه لم يُشترَطُ في صحّة الوضوء أن يكون المكان مباحاً، ولكن الإباحة شرط عامّ في كلّ شيء ومُفادُه حرمة التصرّف بمال الغير بغير إذنه، لكنه غير داخل في ماهيّة الوضوء، لا جزءً ولا شرطاً، ولذلك ذهب بعض علمائنا إلى عدم اشتراط إباحة مكان الوضوء، مثل المحقّق الحلّي في المعتبر . لكن مع ذلك الأحوط وجوباً أن يكون المكان مباحاً لأنّ في الوضوء تصرّفاً زائداً عن أصل الكون في المكان المغصوب، فهو إذن مقدّمة توليديّةٌ للحرام الذي هو التصرّف الزائد، على أننا إن فرضنا أنّ الماء المباح في أرض مغصوبة فأنت مكلّف بالتيمّم في هكذا حالة لا بالوضوء، وذلك لعدم قدرتك شرعاً على الماء .
ومِثْلُه تماماً قضيّةُ مَصَبّ ماءِ الوضوء، فإنه يجب أن يكون مباحاً على الأحوط وجوباً، لأنّ الوضوء ـ بالدقّة العقليّة أو بالنظر العرفي ـ هو مقدّمةٌ توليديّةٌ لِصَبّ الماءِ في مُلك الغَير، والمقدّمة التوليديّة للحرام ـ كما قلنا ـ حرام بلا شكّ، وذلك كإلقاء الغَير مِن شاهق، فإنّ المنهيّ عنه ليس هو نتيجة الإلقاء، لأنه ليس منجّزاً عليه، لأنّ الإنقاذَ فعلاً ـ بعد الإلقاء ـ غيرُ مقدورٍ عليه، وإنما الحرامُ المنهيّ عنه فِعْلاً وبنحو التنجيز هو المقدّمة التوليديّة للإلقاء، وكذا الوضوء تماماً، إن كان مقدّمةً توليديّة لِصَبّ الماء في مُلك الغَير .



BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo