< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : قاعدة (من حاز ملك)

كلام الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في قاعدة (من حاز ملك) [1]

المعروف بين العلماء أنّ مَن حاز شيئاً ملكه ، حتى جعلوها قاعدة مستقلة برأسها واستدلوا بها على الملكية في موارد مختلفة ، تحت عنوان ( مَن حاز ملك ) وستعرف إن شاء الله أنه لم يرد بهذا العنوان نص خاص ، بل اصطادوها من نصوص مختلفة واردةٍ في أبواب الفقه ، ولكن لم نَرَ مَن تَعَرَّضَ لهذه القاعدة مستقلاً ، بل وقعت الإشارة منهم إليها في طيات المسائل المختلفة .

قال المحقق قدس سره في (كتاب الشركة) من (الشرائع) : (والأشبه في الحيازة اختصاصُ كل واحد بما حازه) . وقال في آخِرِ (كتاب الشركة) :(التاسعة : إذا استأجر للإحتطاب أو الإحتشاش أو الإصطياد مدة معينة صحت الإجارة ويملك المستأجِرُ ما يحصل من ذلك في تلك المدة) .

ولكنْ عَدَّ الإلتقاطَ والإحتطاب والإحتشاش في (كتاب الوكالة) مما لا تصح النيابةُ فيه .

ولا يخفى التهافت بين كلامَيه في كتابَي الوكالة والإجارة .

وقال في (المسالك) في (كتاب الشركة) : ( والأشبه في الحيازة اختصاصُ كل واحد بما حازه من الحيازة) .

وسيأتي الكلام إن شاء اللهُ مستقصى في معنى الحيازة ، وأنها هل هي مجرد السلطة على شيء من دون الحاجة إلى النية ، أو أنها أمر قصدي مضافاً إلى السلطة لا يصح إلا للمباشر ، أو هي سلطة مع النية ولكن تقبل الوكالة والنيابة ، وتصح مِنَ المباشِر ومن غير المباشر ، أو أنها تابعة لملك المنافع فمَن مَلَكَ منفعةَ إنسانٍ بالإجارة أو غيرها تملك ما حازه ، قصد أم لم يقصد .

[ مَدْرَكُ القاعدة ]

الأول : بناء العقلاء

وهذه القاعدة كغيرها من القواعد الفقهية متَّخَذَةٌ مِن بناء العقلاء ، أمضاها الشارع مع قيود أو بغير قيد ، فلنرجِعْ أوَّلاً إلى بناء العقلاء في ذلك ونقول :

إن اللهَ خلق الإنسان وأودع فيه ودائع قيّمة ليَعْبُدَه ويتقرب اليه ، وبما أنّه مُرَكَّبٌ مِنَ الجسم والروح فقد خلق له في الأرض ما يتقوى به جسمه ، فقال تعالى [ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ] فرخَّصَ له الإنتفاع بمواهبها والتمتع بنِعَمِها . وإذا رجعنا إلى ابتداء خلْقِ الإنسان في الأرض نرى أنه لم يكن مالكاً لشيء ، ثمَّ اختص بأشياء ولم يكن ذلك إلاّ مِن طريق الحيازة . فكل مَن يسيطر على شيء ويحوزه ، من منابع الأرض ومواهبها يرى لنفسه اختصاصاً بها ولها اختصاصاً به ، ومن هنا نشأ عنوان الملكية .

وقد كان كثيرٌ من الأشياء الموجودة على الأرض لا يمكن الإنتفاع بها من دون إصلاحها فكان يعمل فيها بما يصلحها ليُعِدَّها لحوائجه ، فكان العمل جزءَ العلّة للملكية .

ومن هنا يُعلم أن جميع الممتلكات الموجودة للإنسان ترجع إلى (الحيازة) فلولا الحيازةُ ما مَلَكَ ، وهذا أوضح دليل على أن الحيازة من أسباب الملك ، لأنّ جميع ممتلكاته ترجع إلى سبب الحيازة .

ثمَّ بعث اللهُ الرسلَ وأنزل الكتبَ السماوية لهداية الإنسان إلى غاية خلقه ، ولإيصاله إلى كمال مطلوبه وإصلاح أمور معاشه ومعاده ، فأمضوا للأمم على كثير من أمورهم العقلائية، ومنها الحيازة ، ولم يُنْكِرْ أحدٌ منهم سبَـبِـيَّةَ الحيازةِ للملك . نعم ذكروا لها شروطاً وقيوداً اجتناباً مِن مفاسدها ، وحفاظاً على النظام العام .

إلى أن جاء نبينا محمد (ص) وأنزل اللهُ عليه القرآنَ ، وأمضى نـبـيـُّنا لأمَّتِه ما عليه كلّ الاُمم من سببيّة الحيازة للتملّك ، ولم يمنع من ذلك ، بل أثار في نفوسهم الشوقَ إلى إحياء الأرض وما عليها ، وإلى صَرْفِها في المعروف وما يكون فيه رضا الربّ جلّ وعلا .

هذه السيرة العقلائية هي من أقوى السير وأقدمها ، وهي أحرى بالحجية من غيرها .

كما أن إمضاء الشرع لها هو من أوضح الواضحات ، فقد كانت حيازة المباحات في الليل والنهار ، وفي جميع أيام السنة ، بمرأى ومسمع من الشارع المقدّس ، ولم ينكر على أحد في ذلك بل أكَّدَه وجرى في عمله وعمل أصحابه على هذا الأساس ، ولذلك لا يبقَى أيّ شك في كون الحيازة ـ على إجمالها ـ سبباً للتملُّك .

الثاني : السُّنَّة

الحقُّ ـ كما صَرَّح به بعضُهم ـ أنّ التعبير بـ (مَن حاز مَلَكَ) لم يوجد في شيء من روايات العامَّة ولا الخاصة ، وإن كان يظهر من بعض كلمات صاحب الجواهر قدس سره أنّ هذه العبارة هي من أقوال المعصومين (عليهم السلام) !! ولكن قد يمكن حمْلُ عبارتِه ـ بقرينة ما عرفتَ ـ على كون هذه القاعدة الكلية مصطادةً من رواياتهم في شتّى المجالات .

فإذا عرفت هذا فاعلم أن هناك رواياتٍ كثيرةً وَرَدَتْ في هذا المجال ، في أبواب الحيازة وإحياء الموات ، مما يدل عموماً أو خصوصاً على هذا الحكم الكُلّي .

1 ـ فقد روى في الكافي بإسناده عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد(بن عيسى) عن حريز(بن عبد الله) عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وفضيل وبكير وحمران وعبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا قال رسول الله(ص) : ( من أحيا أرضاً مواتاً فهي له )[2] صحيحة السند .

2 ـ وروى في الكافي أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن (الحسن)ابن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( وجدنا في كتاب عليّ (عليه السلام) ( أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبةُ للمتقين)، أنا وأهل بيتي الذين أورَثَنا اللهُ الأرضَ ، ونحن المتقون ، والأرض كلها لنا ، فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمّرها وليؤدّ خَراجَها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها ، فإن تركها أو أخربها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمّرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها ، يؤدي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف ، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها ، كما حواها رسول الله (ص) ومنعها إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنه يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم )[3] صحيحة السند ، فإنّ أبا خالد الكابلي هو ـ على ما في الخرايج ـ كنكر وقد سمّته أمه وردان ، وهو رجل واحد ـ لا رجلين ـ وذلك لكثرة ما روي عنه وتكلّموا حوله بهذه الكنية من دون تعيين ، ولتصريح الفضل بن شاذان بأنّ اسمه (وردان) ولقبُه (كنكر) ، وهو ثقة لعدّة قرائن .

وقد ذكرناها كلّها في كتابنا (الخمس) كتاب الأنفال ، تحت رقم 9 عند قولنا ( ذكرنا أنّ من الأنفال : البحار بما فيها ...) ص 298 فليراجع هناك .

 


[1] كنت قد أخذت هذه القاعدة من كتاب القواعد الفقهية: ج2، ص121. للعلاّمة الشيخ ناصر مكارم الشيرازي دام ظله، لكن بعد كتابتها رأيت أن أزيد فيها أنقص بما أراه صحيحاً، ثم رأيت بعدما نقلتُ عنه ما أخذتُ أنّي كنت قد كتبتُ في كتابي الخُمس هذه القاعدةَ، لكن بتوسعة وتفصيل

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo