< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الموالاة في الوضوء

الحادي عشر : الموالاة فإنّ للوضوء هيأةً اتصاليّة عرفيّة ، ومن علامات بقاء الموالاة ـ شرعاً ـ بقاءُ الرطوبة في بعض أعضاء الوضوء لكن على أن لا تفوت الموالاة بنظر العرف .

بالإجماع كما ذكرنا في الدرس السابق أمس ، وقلنا إنه قد روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد (بن عثمان) عن (عبيد الله بن علي) الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال : ( اَتْبِعْ وضوءَك بعضَه بعضاً )[1] صحيحة السند، وهي تفيد وجوبَ الموالاةِ العرفيّة حتى ولو جفّت أعضاء الوضوء لشدّة جفاف الهواء ، فالميزان هو المتابعة العرفيّة .

وروى في ئل عن الكافي أيضاً عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد (بن عيسى أو ابن خالد) و(الكليني) عن أبي داود (سليمان بن سفيان المسترقّ ثقة)[2] جميعاً عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن حسين بن عثمان عن سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( إذا توضأت بعض وضوئك وعرضت لك حاجةٌ حتى يَـبِسَ وضوؤُك فأعِدْ وضوءَك ، فإنَّ الوضوء لا يُـبَعَّضُ )[3] صحيحة السند . ورواها في نفس الكافي هكذا ( إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى ينشف وضوؤك فأعد وضوءك فإنَّ الوضوء لا يتبعَّضُ )[4] صحيحة السند . وقوله (عليه السلام) في هذا السياق ( فإنَّ الوضوء لا يُـبَعَّضُ ) يعني وجوب الموالاة العرفيّة .

وروى في يب عن الحسين بن سعيد عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ربما توضأت فنفد الماءُ فدعوت الجاريةَ فأبطأت عليَّ بالماء فيجف وضوئي ؟ فقال : ( أَعِدْ )[5] صحيحة السند . وكلّها ظاهرةٌ في وجوب الموالاة ، لأنّ جفاف الوضوء أمارة عاديّة على فوات الموالاة .

وقوله (عليه السلام) ( حتى يَـبِسَ وضوؤُك ) يعني حتى يَـبِسَت كلّ أعضاءِ وضوئك ، لا بعضها ، أمّا لو يَـبِسَتْ بعضُ أعضاء وضوئه فله أن يأخذ من بلل لحيته أو من حاجبيه وأشفار عينيه ، كما ذكرنا ذلك سابقاً . وبقيّة الدرس قلناه أمس


[2] قال صاحب جامع الرواة نقلاً عن الميرزا محمد : (أبو داود المسترق أو المنشد اسمه سليمان بن سفيان (كتاب الخلاصة)، وقد روى محمد بن يعقوب عن أبي داود عن الحسين بن سعيد وليس بالمسترق قطعاً، وإلى الآن لم يتبين لي مَن هو فتدبر)(إنتهى ما في جامع الرواة) .فردّ عليه المير داماد الإسترآبادي قال ـ في تعليقته على كتاب اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي لشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي ج2 ص606 ـ قال في تعليقته على رواية 577 : 577 ـ قال محمد بن مسعود : سألت علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبي داود المسترق ؟ قال : اسمه سليمان بن سفيان المسترق وهو المنشد، وكان ثقة . قال حمدويه : هو سليمان بن سفيان بن السمط المسترق كوفي، يروى عنه الفضل بن شاذان، أبو داود المسترِقّ ـ مشَدَّدَة ـ مولى بني أعين من كنده، وإنما سُمِّيَ المستَرِقّ لأنه كان راويةً لشعر السيد، وكان يستخفه الناس لإنشاده، يسترق : أي يرق على أفئدتهم وكان يسمى المنشد، وعاش 90 سنة (70 سنة في نسخة جامع الرواة)، ومات سنة 130 هـ . هنا بدأ الميرداماد بتعليقته على الميرزا محمد وغيرِه فقال : "أبو داود المسترق هو الذي يجعله رئيس المحدثين الكليني في جامعه الكافي صدرَ السند من باب التعليق، ويروي عنه كثيراً في طبقة الإسناد بتوسط العدة وبواسطة واحدة، وهو يروي عن الحسين بن سعيد من غير واسطة، ومن ذلك في باب مقدار الماء الذي يجزي للوضوء وللغسل : عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد وأبي داود جميعاً عن الحسين بن سعيد عن فضالة .. الحديث بتمامه . وكذلك أورده الشيخ في التهذيب . والأمر هنالك ملتبس على غير المتمهرين من أهل هذا العصر، قال بعضهم "قد روى محمد بن يعقوب عن أبي داود عن الحسين بن سعيد، وليس بالمسترق قطعاً، وإلى الآن لم يتبين ولم يتضح لي من هو من أصحابنا، والظاهر أنه أبو داود السجستاني سليمان بن الأشعث من أئمة الحديث للعامة الذي يناسبه التاريخ فتأمَّلْ وتدبر" . قلت : هذا من أعاجيب الأوهام، وحسبان أنه "ليس بالمسترق قطعاً " قَطْعٌ على الوهم . أليس الشيخ رحمه الله تعالى قال في الفهرست : أبو داود المسترق له كتاب أنبأ به ابن أبي جيد عن ابن الوليد عن الصفار عن محمد بن الحسين عن أبي داود، فإذن نقول : محمد بن الحسن الصفار يروي عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن أبي داود المسترق، ومحمد بن الحسن الصفار في طبقة الكليني، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب في طبقة العدة الذين يروي عنهم الكليني، فقد استقام رواية الكليني عن أبي داود المسترق بتوسط العدة، وأيضاً من الصحيح الثابت أن الصفار مات 290 هـ، ومحمد بن الحسين أبي الخطاب سنة 262 هـ، وتوفي أبو داود المسترق وهو سليمان بن سفيان سنة 231 هـ، على ما أورده النجاشي رحمه الله في كتابه، وهو الصواب لا سنة 130 هـ كما في كتاب الحسن بن داود وبعض نسخ كتاب الإختيار، هذا وهو خطأ واضح فليتبصر .قوله : (وهو المنشد، وكان ثقة)، وكان ثقة قول أبي عمرو الكشي على ما هو الظاهر، وعلى ما أورده السيد جمال الدين بن طاوس في اختياره، فهو المستـند المعول عليه في توثيق أبي داود المسترق، ولذلك جزم به العلامة في الخلاصة .وربما يقال : إنه من جملة كلام علي بن الحسن بن فضال فلا يصلح مستـنداً للحكم بتوثيق الرجل على الجزم، وليس بذاك، فإنّ علي بن فضال مقبول الشهادة عند الأصحاب في الجرح والتعديل، وإن كان هو فطحياً، وذلك لثقته وجلالته، كما هو المستبين .قوله رحمه الله : المسْتَرِقّ مشددة القاف من الإسترقاق على الإستفعال من الرِّقَّة، كان ينشد شعر السيد فيرقق القلوب ويسترق الأفئدة .قوله رحمه الله تعالى : وكان يستخفه الناس (يستخفه) إمّا بإهمال الحاء قبل الفاء المشددة بمعنى يجتمعون ويستديرون حوله ويحتفون به من جميع جوانبه، أو بمعنى أنهم كانوا يستوفون منه انشاد كل ما عنده من شعر السيد جميعاً، وذلك من قولهم : استحف فلان أموال القوم أي أخذها بأسرها قاله في القاموس وغيره .وإمّا بإعجام الخاء، أي يطلبون منه الخِفَّةَ والرفق معهم والملاينة والتأني بهم، ومنه في التنزيل الكريم [ فاسْتَخَفَّ قومَه ] قاله الراغب في المفردات .قوله : ومات سنه 130 هـ هكذا في أكثر نسخ هذا الكتاب، وكذا نقله الحسن بن داود وغيره، وهو غلط صريح، يَدفَعُه قولُه أوّلاً يروي عنه الفضل بن شاذان، فإنّ الفضل بن شاذان من أصحاب أبي الحسن الهادي وأبي محمد العسكري (عليهما السلام)، وأبوه شاذان بن جبريل من أصحاب يونس بن عبد الرحمن، وولادته بعد 130 هـ بأزيد من 40 سنة .وفي بعض النسخ العتيقة سنة 230 مكان مائة وذلك هو الصحيح الصواب، وهو المطابق لما أورده النجاشي في كتابه فقال : سليمان بن سفيان أبو داود المسترق المنشد مولى كندة ثم بني عدي منهم، روى عن سفيان بن مصعب عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، وعَمَّرَ إلى سنة 230 هـ .ثم قال : قال أبو الفرج محمد بن موسى بن علي القزويني رحمه الله : حدثنا إسماعيل بن علي الدعبلي قال : حدثنا أبي قال : رأيت أبا داود المسترق ـ وإنما سُمِّيَ المسترق لأنه كان يسترق الناسَ بشعر السيد ـ في سنة 225 هـ يحدث عن سفيان بن مصعب عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، ومات سليمان سنة 231 هـ . إنتهى كلام النجاشي) (إنتهى كلام المير داماد) .أقول : لا يوجد عندنا من هو مشهور بـ (أبي داوود) ومعروف بهذه الكنية إلاّ سليمان بن سفيان، وهو مناسب من حيث الطبقة لهذا الرجل أيضاً، فإذن الإنصراف يقتضي أن يكون سليمانَ بنَ سفيان بلا شكّ .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo