< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/08/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : إذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء أنه ترك جزءً منه

مسألة 44 : إذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء أنه ترك جزء منه ولا يدري أنه الجزء الوجوبي أو الجزء الإستحبابي ، فإنه يـَبني على صحة وضوئه ، لقاعدة الفراغ . أمّا لو توضأ لغاية مستحبّة أي غير منذورة ـ كقراءة القرآن مثلاً ـ فقرأ القرآنَ ، ثم أحدث فـتوضأ وضوءً آخر للصلاة الواجبة ، ثم علم بـبطلان أحدِ الوضوئين ، فقد قيل بجريان قاعدة الفراغ هنا لتصحيح الصلاة ـ طبعاً مع احتمال الإلتفات إلى طهارته ـ بلا معارض ، ولا يكون العِلم الإجمالي في هكذا حالةٍ منجِّزاً ، ولكن مع ذلك يجب الإحتياط بإعادة الصلاة ، وذلك لصعوبة التمسّك بأدلّة قاعدة الفراغ في حالة الإقتران بالعلم الإجمالي بـبطلان أحد الوضوئين .

وذلك لعدم لزوم أحد الطرفين ، أي لعدم وجوب إعادة قراءة القرآن ، وهذه الحالة مخالفة لمسألة 42 . بـيانُ ذلك : لو شككنا في وقوع قطرة نجاسة إمّا على ثوبنا وإمّا في مكان الخلاء مثلاً ، فالمعروف بين العلماء هو جريان الإستصحاب في الثوب بلا معارض ، وذلك لأنّ جريانه في مكان الخلاء بلا فائدة ، يعني أنّ قطرة النجاسة إمّا عملت عملها فنجّست وإمّا أنها لم تعمل عمَلَها ، فالعقل لا يحكم في هكذا حالة بنجاسة الثوب ، وهذا يعني أنّ العلم الإجمالي لا ينجّز في هكذا حالة، وكذا ما نحن فيه . ومع الشكّ في تـنجيز العلم الإجمالي وعدمه فالأصلُ ـ عقلاً ـ عدمُ التـنجيز ، وذلك لأنّ التـنجيز هو تكليف زائد ، والأصلُ عدمُه ، كما أنه لا دليل شرعيّ على أصالة تـنجيز العلم الإجمالي ، وبالتالي يجب أن نقول بأنّ الأصلَ هو جريان الطهارة في الثوب ، كما أنّ الأصل عدم حجيّة العلم الإجمالي في الحالة المذكورة في المتن . وعليه فتجري قاعدة الفراغ بلا معارض ، وذلك لعدم جريانها في قراءة القرآن .

لكنْ يَـبقَى في النفس شيءٌ ، وهو صعوبة التمسّك بأدلّة قاعدة الفراغ في حالة اقتران الحالة بالعلم الإجمالي بـبطلان أحد الوضوئين ، فإنها ناظرة إلى حالة الشكّ البسيط ، لا الشكّ المقرون بالعلم الإجمالي ، على أنّ أدلّة الفراغ ظاهرة في أنها أصل عقلائي لا تعبّدي محض . لاحظْ أهمَّ روايات الفراغ : روى في الفقيه بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبـي عبد الله أنه قال : ( إذا شكّ الرجل بعدما صلّى فلم يدرِ أثلاثاً صلّى أم أربعاً وكان يقينُه حين انصرف أنه كان قد أتمّ لم يُعِد الصلاةَ ، وكان حين انصرف أقربَ إلى الحقّ منه بعد ذلك )[1] ، ورواها ابنُ إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبـي عمير عن محمد بن مسلم ، صحيحة السند .

لاحِظْ هذه الرواية ـ ومثلُها ما بعدها ـ تعرف أنّ هذا الشخص الشاكّ كان يعرف كيفية الصلاة ، إلاّ أنه شكّ ـ بعد الفراغ من الصلاة ـ في صحّة عمله ، وحالته غير مقرونة بالعلم الإجمالي ، فهنا من المؤكّد أنّ العقلاء سيقولون له يجب عليك أن تبني على أنك كنـت ملتفتاً حين العمل وأنّ الأصل العقلائي أنك لم تسهو ولم تخطئ ولم تـنسَ ، فيجب عليك أن تبني على صحّة العمل وعدم الوسوسة بعد الفراغ ، وهذا تماماً هو الذي صدر من الشارع المقدّس ، لا أكثر .

وروى في التهذيـب بإسناده ـ الصحيح ـ عن الحسين بن سعيد عن فُضالة (بن أيوب) عن أبان بن عثمان[2] عن بُكَير بن أعيَن (مستقيم جداً ومشكور جداً) قال قلت له : الرجل يشكّ بعدما يتوضّأ ؟ قال : ( هو حين يتوضّأ أذكرُ منه حين يشكّ ) [3] موثّقة السند .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo