< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

38/01/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : في الجبائر

بحث استدلالي حول أنّ حكم الجبـيرة هو الوضوء فقط دون التيمّم

تعقّد بابُ الجبـيرة في الرسائل العملية ـ كما في الكتب الإستدلالية ـ رغم بساطته شرعاً حتى يكاد يعرفه العامّي بفطرته ، فكان لا بُدّ من عرْضِ هذا الموضوع لإعادته الى بساطته فأقول :

قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبـينِ ، وَإِن كُنـتمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ، وَإِن كُنـتم مَّرْضَى أو عَلَى سَفَرٍ أو جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أو لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيـِّـباً ، فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ، مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[1] .

وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنـتمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ، وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبـيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا، وَإِن كُنـتم مَّرْضَى أو عَلَى سَفَرٍ أو جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أو لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيـِّـباً ، فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ، إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُواًّ غَفُوراً )[2] .

بـيانُ بعض النكات في الآية : قولُه تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) خطابٌ تكليفي للمؤمنين لأنهم هم الذين يطيعون الله بخلاف الكفّار فإنهم ليسوا بصدد طاعته تعالى ولذلك لن ينـتـفعوا من هكذا أمر .

وليس المرادُ من قوله تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إخراجَ الكفار من التكاليف الإلهية كهذا الأمر الآتي ، وإلاّ لما وردت أوامرُ قرآنية عديدة تشمل كل الناس من قبـيل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ )[3] وقولِه ( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البـيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبـيلاً )[4] وقولِه ( وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً )[5] وقولِه ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْـقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ )[6] وقولِه ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ )[7] وقولِه (وَمَن يَقْـتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً )[8] وقوله تعالى ( قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ )[9] وقوله ( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى )[10] وقوله)وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ([11] وكقول رسوله الأكرم) ص) ( إذا التقَى الختانان فقد وجب الغسل ) ، وهذا أمْرٌ فطريّ جدًّا ، ولعلّ هذا هو المشهور عند فقهاء الشيعة ، بل أكثر الشافعية والحنفية عليه ...

أمّا ما لا يرجع إلى التكليف ممّا يرجع إلى الأحكام الوضعية كضمان التلف وترتب العقود فأمرٌ متّفق عليه .

قوله تعالى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ)[12] أي قيام تهيّؤ ، أي إذا أردتم إقامة الصلاة ، فهو من قبـيل قوله تعالى(فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ)[13] أي إذا أردتم قراءة القرآن ، وهو أسلوب عرفيّ وجميل عند العرب ، ويستفيد الإنسان منها ـ عقلاًـ إذا أردتم الصلاة وكنـتم محدِثين فاغسلوا وجوهكم ..

قوله تعالى ( وَإِن كُنـتم مَّرْضَى ... فَـتَيَمَّمُوا ... مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ...)[14] صريح في كون العلّة من التيمّم للمريض وغيره هو لرفع الحرج ، فلا تيمّم مع عدم الحرج كما لو وُجد حاجب لاصقٌ على مواضع الوضوء ويُحرَج الإنسانُ مِن رفْعِه .

ومن عدم تقيـيد الوضوء والغُسل في الآيتين ـ بخلاف التيمم ـ تعرفُ أنّ الأصل في الشرع ـ سواء في الجنابة أو في الحدث الأصغر ـ هو الغُسل والوضوء للإطلاق في آيتَي الوضوء والغُسل لهكذا حالات ، ولا يُتـنـزّل الى التيمّم إلاّ في حالات خاصة وهي التي ذكرها القرآن الكريم والروايات الشريفة .

وبتعبـير آخر ، إنّ المولى تعالى قيّدَ الأمرَ بالتيمّم بالمرض وعدم وجدان الماء ونحو ذلك ، ولم يقيّد الأمرَ بالوضوء ، وعليه فإذا كان المورد خارجاً عن موارد التيمم المذكورة فلا مقتضي ولا دليل على جواز التيمم وصحته بل الأصلُ عدمُ صحته، وإنما يُرجع فيه ـ أي في الموارد المشكوكة ـ إلى إطلاق الأمر بالوضوء والغسل فهو الأصل الأوّلي المأمور به لقوله تعالى( إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .. ) ولم يقل إذا قمتم إلى الصلاة ولم يوجد حاجب فاغسلوا وجوهكم .

ومن هنا ترى أئمتـَنا (عليهم السلام) يأمروننا بالوضوء فقط في شتّى الحالات مهما أمكن فانظرْ الى كل ما وردنا من روايات :

1 ـ روى الشيخ في تهذيـبـيه بإسناده ـ الصحيح ـ عن احمد بن محمد (بن عيسى) عن (الحسن) بن محبوب عن علي بن الحسن بن رباط عن عبد الأعلى مولى آل سام قال قلت لأبـي عبد الله (عليهم السلام) : عثرتُ فانقطع ظفري ، فجعلتُ على إصبعي مرارةً ، فكيف أصنع بالوضوء ؟ قال (عليهم السلام) : ( يُعرف هذا واشباهه من كتاب الله عزّ وجل ، قال الله تعالى( مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) اِمسحْ عليه )[15] معتبرة السند ، ومن أوضح تطبـيقات هذا التعليل حالات وجود حاجب لاصق يُحرج الإنسان من قلْعِه وحالةُ وجود رمَدٍ في العَين إذا أمكن غسل ما حولها من دون ضرر ولا حرج . والمراد هنا هو إصبع اليد .

2 ـ وعن الكافي أيضاً عن علي بن ابراهيم عن أبـيه عن ابن ابـي عمير عن حمّاد بن عثمان عن (عبـيد الله بن علي) الحلبـي عن أبي عبد الله (عليهم السلام) أنه سأل عن الرجل تكون به القرحةُ في ذراعه أو نحو ذلك من الوضوء فيعصبها بالخرقة ويتوضأ ويمسح عليها إذا توضأ ؟ فقال(عليهم السلام) : ( إذا كان يؤذيه الماءُ فليمسحْ على الخرقة ، وإن كان لا يؤذيه الماءُ فلينزعِ الخرقةَ ثم ليغسلها ) ، قال وسألته عن الجرح كيف أصنع به في غسله ؟ قال : ( إغسل ما حوله ) صحيحة السند ...

 


[15] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج1، ب39 من أبواب الوضوء، ح5، ص327، الاسلامية. .ملاحظة رجالية : قد يُستشكل في وثاقة عبد الأعلى مولى آل سام، فأقول : هو ثقة لوجوه : منها : ان الشيخ المفيد وثّقه، ومنها : أنه يروي عنه في الفقيه مباشرة بسند صحيح، وقد قال الصدوق في أول فقيهه إنه أخذ رواياته من الكتب التي اليها المرجع وعليها المعوّل، فعلى الأقل يجب أن يكون صاحب الكتاب ثقة وإلا فكيف يكون كتابُه الروائي مرجعاً للشيعة ؟! ومنها : انه يروي عنه محمدُ بنُ أبـي عمير بسند صحيح، وقد شهد الطوسي أنّ ابن أبـي عمير وأضرابَه لا يَروون إلاّ عمّن يوثَقُ به، وهناك قرائن أخرى تفيد وثاقته أيضاً

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo