< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/04/03

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: أقسام القطع

أمّا في النقطة الاُولى ـ وهي أقسام القطع ـ فنقول :
القطعُ قسمان : طريقي ـ سواء اُخِذ لفظاً في موضوع الحكم أو لا ـ وصِفَتي وهو المأخوذ في موضوع الحكم على نحو دخالة صفة القاطع في موضوع الحكم، أمّا الأوّل فهو المنظور إليه كآلةٍ ومرآة وكاشف عن متعلّقه، كما في قول المولى مثلاً (الخمر حرام) و (مقطوع الخمريّة حرام)، فلو كان القطع المأخوذ في الثاني طريقياً فهو بمثابة ما لو قلتَ (الخمر حرام) تماماً .
ثم اعلم أنه في مثال (الخمر حرام) و(الصلاة الفلانية مستحبّة) يوجد ـ ضِمْناً وارتكازاً ـ إشتراط القطع والعِلْمِ بموضوع الحكم وبنفس الحكم في تنجيز الحكم، فلا يتنجّز الحكم مع عدم العلم بالحكم أو بالموضوع، فلا يستحقّ العقاب من لا يعلم بأنّ ما أمامه خمرٌ، ويستحقّ الثوابَ مَن يعتقد أن ما يصلّيه من صلاة هي مستحبّة شرعاً حتى ولو لم تكن مستحبّة في الواقع . إذن المنجّز والمعذّر هو العلم، أو قُلْ : إنّ موضوع الحجيّة ـ أي التنجيز والتعذير ـ هو العِلْمُ .
إذن معنى (مقطوع الخمريّة حرام) إن قصدتَ بالقطع القطع الطريقي هو نفس معنى (الخمر حرام)، وح يكون قول المولى (الخمرُ حرام) أو قوله (مقطوع الخمريّة حرام) يعني أنّ الخمر الواقعي حرام .
فإذن المراد بالقطع الطريقي هو ثبوت نفس متعلّقه ولو ثبوتاً تعبّديّاً .
أمّا لو قلتَ (مقطوع الخمريّة حرام) وقصدتَ بالقطع فيه القطعَ الصفتي فسيصير المعنى هو (ما تقطع بكونه خمراً) هو الحرام، وليس (الخمر الواقعي) هو الحرام .
توضيح الأمر أكثر : إنه تارةً يكون القطع منظوراً إليه بما هو طريق ومرآة وآلة وكاشف وحاكٍ عن متعلّقه أي لا يكون له موضوعيّة ودخالة في موضوع الحكم حتى ولو ذُكر في لسان الدليل ـ وهو ما يسمّونه بالقطع الموضوعي الطريقي ـ فلا يكون لِذِكْرِهِ أيُّ أهميّةٍ في موضوع الحكم، فيكون قول المولى حينئذٍ (مقطوع الخمريّة حرام) معناه (الخمرُ حرام) تماماً، أيّ الخمرُ الواقعي حرام، فالقطع هنا آلي ومرآة عن متعلّقه، وذلك كما تنظر إلى المرآة لترى نفسك فيها، فلا تلحظُ نفسَ المرآةِ، وإنما تكون المرآةُ طريقاً فقط وكاشفاً وآلةً لرؤية نفسك، ولذلك تكون في هكذا حالة غافلاً عن نفس المرآة .
وتارةً يؤخذُ القطعُ في موضوع الحكم بما له من خصوصيّة صفتية يتّصف بها نفس القاطع، ويسمّى ح بالقطع الموضوعي الصفتي، وذلك كما لو كان نظرُكَ إلى نفس المرآة وطولِها وعرْضِها، ولا تلحظُ فيها نفسَك .
ثم قد يتصوّر أن يؤخذ القطع الموضوعي تمام موضوع الحكم بلا دخالة لإصابة المتيقّن للواقع، وتارةً يكون القطع الموضوعي جزء الموضوع وتكون إصابةُ الواقعِ هي الجزءُ الآخر .
ثم إنّي لم أجد مثالاً على وجود قطع صفتي في الشريعة الإسلامية الحقّة، وما وجدتُه إنما هو طريقي فقط، أي أنّ العرف يفهم منه ـ في الآيات الكريمة والروايات الشريفة ـ أنه منظور إليه على نحو الطريق والكاشف عن متعلّقه فقط، ولذلك ترى كلّ الناس يقيمون الأماراتِ بل والأصول العمليّة ـ خاصّةً الأصول المحرزة كالإستصحاب والفراغ ـ مقامَ القطعِ الوارد في كلّ الآيات الكريمة والروايات الشريفة، مع أنه من المعلوم عدمُ قيام الأصولِ مقامَ القطع الصفتي .
ثم اعلمْ أنّ القطع الموضوعي يكون متعلّقاً دائماً بنفس القاطع وناظراً إليه، كما في قولك (إن كنت قاطعاً بوجود خمر على المائدة فلا تجلس عليها) ولا يمكن أن الشيء الخارجي ـ كالخمر مثلاً ـ هو القاطع، فلو قال المولى (مقطوع الخمريّة حرام) فهو بمثابة قوله (إن كنت قاطعاً بوجود خمر على المائدة فلا تجلس عليها) تماماً، وذلك لأنه لا يُتصوّر تعلّق القطع بنفس الشيء الخارجي إلاّ لفظاً فقط لا واقعاً , إذن قولُنا السابق (مقطوع الخمريّة) النظرُ أيضاً إنما هو إلى القاطع لا إلى الشيء المقطوع به، وذلك لأنه لا يتحقّقُ العلمُ والقطعُ من دون عالم وقاطع، ولا يمكن تعلّقه بنفس الشيء، ذلك لأنّ الجمادات لا تكون عالمة ولا قاطعة[1].



[1] مع غضّ النظر عمّا هو حقّ من أنّ الجمادات عاقلة سواء في الدنيا أو في الآخرة، ولذلك ستشهد علينا في الآخرة، وما ذلك إلاّ لأنها تشهد علينا اليوم .. وأيضاً هي تسبّح الله تعالى على طريقتها، ولذلك يخاطبها الله تعالى بقوله[.وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْـرَ ](سبأ ـ 10) ويقول عزّ وجلّ[وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا ]( سورة الأنبياء ـ 81) ... وصلتُ إلى هذه الكلمات مساءَ السبت في 1 شباط 2014 م وهو اليوم الذي وُلِدتُ فيه منذ 55 سنة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo