< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/04/11

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الدرس الأخير في تنزيل الأمارات والأصول منزلة القطع

ومن الطبيعي أنّ الأصول العملية التنزيلية لا تُثبِتُ لوازمَها، أيضاً لعدم الدليل على ذلك، أو قُلْ يُقتصَرُ في التنزيل على القدر المتيقّن من نظر المنزّل، فلا ينبغي أن يُدّعَى الإطلاقُ في التنزيل حتى للمداليل الإلتزامية لقاعدتَي الطهارة والحلّيّة، بل يستبعد ذلك في نفسه، راجع الروايتين السابقتين . فلو أجرينا قاعدة الطهارة مثلاً في رَوث الحيوان المشكوك حليّة لحمه فلا ينبغي أن ندّعي الملازمة للتعبّد بكونه مأكول اللحم أيضاً، وكذا لو أجرينا الحلّيّة في الجبن المشكوك وضع الميتة فيه فلا ينبغي أن نقول ح بتديّن البائع والتزامه بالشريعة فنصلّي خلفه جماعة ... إلى ما هنالك من آثار إلتزامية .

نعم، فقط الأصول العملية البحتة لا تقوم مقام القطع الوجداني، وذلك لعدم وجود وجه لذلك أصلاً .

لكن أعود واُكرّر أنّ بحث قيام الأمارات والأصول مقام القطع الوجداني هو بحث لا طائل تحته، وذلك لعدم وجود قطع وجداني في الشريعة السمحاء أصلاً، ولعله من أحسن الأمثلة على ادّعاء وجود قطع وجداني في الشرع ما ورد في روايات الإستصحاب ـ وذلك لكثرة ما ورد فيها من تكرار للفظة يقين ومن تأكيد عليه ـ وما ورد في قوله (عليه السلام) ( كلّ شيء نظيف حتى تعلم .. فإذا علمتَ .. وما لم تعلم ..)[1]، فلننظر إليهما فنقول :
حينما يقول الإمام الصادق (عليه السلام) لزرارة ( .. لا، حتى يستيقن أنه قد نام، حتى يجيئ من ذلك أمرٌ بَيِّنٌ، وإلا فإنه على يقين من وضوئه ولا تنقضِ اليقينَ أبداً بالشك وإنما تنقضه بيقين آخر )[2] فقد تقول ـ بالنظرة البدْوية ـ باشتراط أن تكون الحالةُ السابقة ثابتةً باليقين، أي يُشترَطُ اليقينُ الوجداني، فتقول بأنّ الركن الاوّل من أركان الإستصحاب هو اليقين الوجداني بثبوت الحالة السابقة .
لكن فكّرْ قليلاً فسترى أنّ اليقين هنا منظور إليه بنحو الطريقية والآليّة، أي أنّ المراد من اليقين هنا هو مجرّد ثبوت الحالة السابقة ولو بأمارة أو بأصل عملي، والكاشفُ عن هذا أنك إن جاءتك أمارةٌ حجّةٌ وأخبرتك أنّ الحالة السابقة للإناء كانت كذا فإنك ترى أنّ الركن الأوّل للإستصحاب قد تحقّق بوضوح ولا تتردّد في ذلك .
وكذا إن أجريت قاعدةَ الطهارة فأثبتّ الطهارة الظاهرية، فإنك لا تتردّد في ثبوت الحالة السابقة، أي في القول بثبوت الركن الأوّل للإستصحاب .
ولذلك نحن نقول بأنّ الصحيح هو أنّ الركن الأوّل من أركان الإستصحاب هو ثبوت الحالة السابقة ـ بأيّ منجّز كان ـ لا اليقين بها .
وكذا الأمر في قاعدة الطهارة تماماً، فلو فرضنا أنّ الأمارة أخبرَتْكَ بنجاسة شيء معيّن، فإنّ الأمارة تقوم مقام العِلْم الوارد في موثّقة عمّار السابقة، وكذا لو ثبتت النجاسةُ بأصل عملي، كما لو ثبتت النجاسة باستصحابها، فإنك ترى نفسك عالماً شرعاً بنجاسة الشيء، وتُقَدِّمُ استصحابَ النجاسة على قاعدة الطهارة بالإجماع .

ثم إنّ من اللغو أن نذكّر الإخوةَ الأعزّاء أنّ التنزيلات الظاهرية الواردة في الروايات لا تخلق جعولات شرعية في عالم الجعل الواقعي، وإنما تفيدنا أحكاماً ظاهريّة فقط، أو قُلْ وظائف عمليّة فقط، وذلك بمقدار نظر المنزِّل فقط .

وأمّا في النقطة الثالثة ـ وهي تقسيم القطع بلحاظ متعلّقه ـ
فنقول :
ينقسم القطع الموضوعي بلحاظ متعلّقه وبحسب الإمكان الخارجي أي الإثباتي ـ لا الإمكان التصوّري العقلي ـ إلى قسمَين : (1) أن يكون متعلِّقاً بموضوع الحكم كما لو فُرِضَ القطعُ بخمريّة المائع موضوعاً لحرمة شربه مثلاً، وهذا لا إشكال في إمكانه ولا كلام فيه .
و(2) أن يكون متعلَّقاً بحكمٍ، وهذا العلم بالحكم هو موضوع لحكم آخر نحو "إن علمت بوجوب إكرام زيد فافعل كذا وكذا " .
ولن نطيل في الفروض التي لم أو لن تصدر عن المولى تعالى، إمّا لاستحالتها عقلاً أو بنظر المعتقِد أو للغوِيَّتِها[3]،
ـ كما لو فرضنا أنّ المولى قال "إن علمتَ بوجوب إكرام زيد فلا تكرمْه أو فَقَدْ جعلتُه مستحبّاً مثلاً أو مكروهاً أو مباحاً" فإنّ القطع ـ كما قلنا سابقاً ـ منجّز ومعذّر عند القاطع، فلا يمكن بنظر القاطع أن يَصدر هكذا حكمٌ له، بل ولن يصدّقه فلن يكون له أيّ أثر، فسيكون جعلُه ح لغواً محضاً، وحاشا لساحة الحكمة المتعالية أن يصدر منها خلاف الحكمة .



[3]وقد تركنا الأبحاثَ اللغويّةَ لطويلي الأعمار وللذين لا يهتمّون بالأهمّ ..

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo