< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/04/24

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: حجيّة الدليل العقلي

الأمر الخامس[1]في بحث القطع :
حجيّة الدليل العقلي
تعريف موضوع البحث :
إعلم أنّ كلامنا هنا هو في حجيّة الدليل العقلي، أو قُلْ : إنّ بحثَنا هنا هو في حجيّة القطع الناشئ من العقل، فهل يمكن الإعتمادُ شرعاً على حكم شرعي نشأ من دليل عقلي أم لا ؟ وبتعبير ثالث : هل يوجد دليلٌ شرعي ثالثٌ ـ غير الكتاب والسُنّة ـ يمكن استنباط الأحكام الشرعية منه ـ كما يدّعي الاُصوليون ـ أم لا ـ كما يدّعي الأخباريون ـ ؟ فهل يدرك العقلُ العمليّ ملاكاتِ الأحكامِ الشرعية أو ـ على الأقلّ ـ بعضها أم لا ؟
ومن هنا تعرف أنّ بحثنا إنما هو بيننا وبين الأخباريين الذين يدّعون قصور العقل عن إدراك كامل ملاكات الأحكام وكثرة الأخطاء التي يقع فيها العقل، وليس بيننا وبين العامّة الذين يأخذون بالدليل العقلي الظنّي والذي يسمّونه بالقياس والإستحسان والرأي، فإنك تعرف رفْضَنا لنظريّتهم، فقد كثُرَتِ الرواياتُ الناهية عن الأخذ بالدليل العقلي الظنّي، فإنّ دين الله لا يصاب بالعقول، وإنّ السُنّةَ إذا قِيسَتْ مُحِقَ الدين، واِنّ دِينَ الله عزَّ وجَلَّ لا يصاب بالعقول الناقصة والآراء الباطلة والمقاييس الفاسدة ولا يصاب اِلاّ بالتسليم ... حتى ذَكَرَ في جامع أحاديث الشيعة أكثرَ من 130 روايةً بهذا المعنى[2] [3]، على أنك تعرفُ أصالةَ عدمِ حجيّة الظنّ .
ولا شكّ أنك تعلمُ أنّه ليس بحثنا في حكم العقل النظري المتقدّم رتبةً على الكتاب والسُنّة أي الذي تَثبت به حجيّةُ الكتابِ والسُنّة وصحّةُ ادّعاء نبوّة رسول الله (ص) وخلافة الأئمّة (عليهم السلام) له دون الآخرين ولو من خلال التواتر الذي يورّث القطع ... وليس ناظراً إلى حكم العقل المتأخّر رتبةً عن الحكم الشرعي أي الذي يوجب علينا إطاعةَ المولى لأحكامه وحرمة معصيته جلّ وعلا .
ثم اعلم أنّ الأحكام العقلية يجب أن تكون كلّها قطعية وإلاّ لن تكون عقلية، ويجب أن تعتمد على سلب الإمكان العقلي عن الطرف المخالف .
مثال ذلك : لو مات شخصٌ فالعقل يحكم بكون تركته لورثته وأنها بنحو الإشاعة بين الورثة .. حتى ولو لم يحكم الشارع بذلك .. وذلك لعدم إمكان ترك التركة من دون وارث ولعدم إمكان ترجيح شيء على آخر من دون دليل .. وكجواز المرور بالأراضي الواسعة جداً الغير مسوّرة والغير مزروعة، وذلك بدليل سيرة العقلاء من زمان نبيّ الله آدم (عليه السلام) وإلى قيام الساعة، وذلك لعدم إمكان حرمة ذلك شرعاً مع عدم وصول شيء من النواهي إلينا مع غرابة النهي عن ذلك جداً ممّا يستدعي كثرة الأسئلة والأجوبة عن ذلك .. وكحجيّة الظهورات، فإنه لا يمكن عقلاً أن يكون الإحتمالُ الضعيف هو المراد للمعصومين (عليهم السلام) وأن لا يكون المعنى الأظهر مراداً، مع كونهم في مقام بيان الحكم للعمل ... وككون مقدّمة الواجب واحبة عقلاً، وذلك لعدم إمكان إيجاب فِعْلٍ من دون إيحاب مقدّمته ولو عقلاً .. وكقانون الاَولوية العقلي، فإنه لا يمكن عقلاً تحريمُ كلمة (اُفّ) للاُمّ من دون تحريم ما هو أكثر منها إيذاءً .. ولذلك يرى العقلُ تحريمَ الشرعِ ضرْبَها ونحو ذلك .. وكبعض القوانين العقلية من قبيل حرمة الظلم، فإنّ العقل يرى أنّ ضرب اليتيم بلا سبب حرام شرعاً لأنه ظلم واضح ولا يمكن عقلاً أن يكون الظلم مباحاً .. ومن قبيل أنه لا يمكن أن يصدر القبيح من المولى تعالى، ولذلك لا يمكن عقلاً أن يكون شرب الخمر مرخّصاً به في أكثر حالات العلم الإجمالي ..
طبعاً على أن يكون حكم العقل واضحاً لا شبهة فيه .

التحقيق في الموضوع :
بعد وضوح محلّ كلامنا تعرف لزوم اتّباع أحكام العقل القطعية ووجوبَ القول بحجيّة أحكام العقل القطعية، ولا يمكن سلب الحجيّة عن القطع، فمثلاً : لا يمكن عقلاً أن يكون ضربُ الاُمّ وظلمها جائزاً شرعاً حتى لو جاءنا ألف نبيّ يقول يجوز ظلم الاُمّ وضربها من دون سبب فهذا لا يصدّق أصلاً وأبداً .. ومثلُه ما لو قال لنا نبيّ يجبُ عليك الحجُّ فِعلاً، وجوباً منجّزاً، ومع ذلك يحرم عليك الذهاب إليه ـ هكذا من دون سبب ـ !!
نعم، إن لم يتّضح الحكم الشرعي بنحو القطع لا يجوز الحكم به، خاصةً وأنّ العقل يخطئ كثيراً ولا يحيط غالباً بكامل جهات ملاكات الأحكام .. ولذلك أظنّ أنّ ما يقطع به الإنسان عن طريق العقل هو أقلّ القليل .




[1] كان الأمر الأوّل (حجيّة القطع) والأمر الثاني (التجرّي) والثالث (أقسام القطع) والرابع هو (لزوم الموافقة الإلتزاميّة) . .
[3] وفي جامع احاديث الشيعة.، ج1، ص269، ب 7 .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo