< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/05/15

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: قد تتغيّر سيرة المعصومين ع بسبب الفتاوى !!

2 ً ـ لا يعرف الناسُ سيرةَ المتشرّعة رحمهم الله تعالى في مسألة تجفيف مواضع المسح في الوضوء، ولكن يجب أن يعرفوا أنهم ما كانوا يجفّفون رؤوسهم وأرجلهم قبل المسح عليها، حتى وإن كانت السيرة اليوم هي التجفيف .
بل لم تَرِدْ هذه المسألة في كلمات أحدٍ من الفقهاء ـ رغم التحقيق جداً ـ قبل ابن إدريس الحلّي (وفاته 598 هـ) ! ممّا يعني مسلَّميّة عدم وجوب التجفيف عند الفقهاء القدماء، ولعلّه لذلك قال ابنُ إدريس بعدم وجوب تجفيف مواضع المسح أصلاً، لا، بل قال في السرائر أكثر من ذلك قال : ( إنّ مَن كان قائماً بالماء وتوضّأ ثم أخرج رجليه من الماء ومسح عليهما من غير أن يُدخِل يديه في الماء فلا حرج عليه لأنه ماسح بغير خلاف، وظواهرُ الآيات تقتضيه والأخبار شاملة بإطلاقها له )، ومثلُه قال المحقّق في المعتبر، قال : ( إنه لو كان في الماء وغسل وجهَه ويديه ثم مسح برأسه ورجليه جاز لأنّ يديه لم تنفكّ من ماء الوضوء ولم يضرّه ما كان على القدمين من الماء)، ولم يذكر خلافاً ولا إشكالاً في ذلك على خلاف عادته جداً .
ثم بدأت سيرةُ التجفيف من أيام العلاّمة الحلّي، وليس قبل ذلك، وذلك حينما تردّد في صحّة المسح على الرجلين رطبتين، فقال : ( ولو أخرج رجليه من الماء، ومسح عليهما رطبتين، ففي الإجزاء نظر" فهو أوّل مَن تَنَظّرَ في ذلك في العالمين، وكان نظرهم إلى خصوص ما لو كانت الرجلان في الماء، ثم توسّع الفقهاء في ذلك، فاستشكلوا في المسح على مواضع المسح إذا كانت رطبة، بعدما كانت السيرة جاريةً على عدم التجفيف من أيام رسول الله (ص) .
أقول : نحن نقول بعدم لزوم التجفيف، لكن لا إلى حدّ أن تكون رجلا الشخص في الماء وتقطران ماءً، وإنما نقتصر في ذلك على سيرة المعصومين (عليهم السلام) وهو ما لو كانت مواضع المسح رطبة بشكل طبيعي وإعتيادي من الوضوء .
فلاحِظْ كيف تتغيّر سيرةُ المعصومين (عليهم السلام) بسبب فتاوى العلماء[1] .

3 ً ـ كانت السيرة جارية في عصر المعصومين (عليهم السلام) على عدم وجوب الجهر والإخفات في الجهرية والإخفاتية، وإنما كانت جاريةً على استحباب ذلك، حتى جاءت بعض الفتاوى توجب ذلك .
لاحِظْ بعضَ الكلمات في ذلك :
ـ قال الشهيد السيد مصطفى الخميني ـ في كتابه الخلل في الصلاة / الشبهة الرابعة ـ : ( ثم إنّ الظاهر قوياً أنّ المشهور قديماً إلى زمان الشيخ الطوسي كان استحبابَ الجهر في الجهرية ) .
ـ وقال الشيخ الصدوق ـ في المقنع ـ : ( وإذا أردت الأذان فارفع به صوتك .. ثم كبِّرْ تكبيرتين وقل .. أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم اقرأ فاتحة الكتاب واقرأ أي سورة من القرآن شئت، فإذا ختمت السورة فكبِّرْ واحدة، تجهر بها إن أحببت، ثم اركع، فإذا ركعت فقل : اللهم لك ركعت وبك آمنت .. ولم يتعرّض للجهر في القراءة أصلاً مع أنه حاول ذِكْرَ كلّ المستحبّات وأكثر جداً في ذِكْرِها )[2].
ـ وقال علم الهدى : هو ( من وكيد السنن حتى رُوِيَ أنّ مَن تركه عامداً أعاد ) .
ـ وكذا قال ابن الجنيد مِنّا .
والظاهر من التتبّع في كلمات القدماء قبل زمان الشيخ الطوسي أنّ المشهور عندهم جداً كان القول باستحباب الجهر والإخفات، إلى أن جاء الشيخ الطوسي وأنكر ذلك، وحمل قوله عليه السلام ( السُنَّة في صلاة النهار بالإخفات، والسُنَّةُ في صلاة الليل بالإجهار ) على النافلة دون الفريضة ! فتغيّرت السيرة بعد ذلك، على أنه لو كان الجهر والإخفات واجبين بنحو الإلزام فلماذا لم يتّضح ذلك للسابقِين ؟!!

4 ً ـ كانت السيرة جاريةً في عصر المعصومين (عليهم السلام) على طهارة الإنسان، بما فيهم الكافر ـ كالمكّي من عبدة الأوثان ـ وكافّة العبيد والإماء الذي كانوا يُجلَبون من كافّة العالم القديم، من كافّة الملل والنحل، وكانوا يؤاكلونهم جميعاً، ورغم ذلك لم يرد في نجاستهم روايةٌ واحدة أصلاً إلى زمان الإمام الصادق (عليه السلام)، وكانت السيرة على هذا، إلى أن صدر قول الإمام الصادق (عليهم السلام) : ( وإيّاك أن تغتسل من غسالة الحمّام، ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم، فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب، وإن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه )[3] وفي نسخة اُخرى ( .. وإنّ الناصب أهون على الله من الكلب ) .
المهم هو أنّ السيرة سابقاً كانت على اعتبارهم طاهرين، خاصةً الكتابيين، فإنك تلاحظ في الروايات جواز نكاح الكتابيّة متعةً أو مطلقاً، فإنها على كثرتها واشتهارها وعمل الأصحاب بها لم تتعرّض للتنبيه على نجاستها مع كون الملامسات برطوبة محل ابتلاء جداً ورغم ذلك لم ينبّهنا أئمتنا (عليهم السلام) على لزوم توقّيهنّ .
* ما نريد أن نقوله في هذه الأمثلة هو إمكان تغيّر السيرة القديمة طبقاً لبعض الفتاوى .


[1] ضجّ العالَمُ كلّه ـ وأنا أكتب هذه الكلمات ـ بتحرير يَبْرُودْ السورية ـ الملاصقة لـ عِرْسال اللبنانية ـ اليومَ من النواصب التكفيريين الذي يَذْبَحون المسلمين بإسم الإسلام، ويقطعون رؤوسهم كلّ يوم، ويفجّرون أنفسهم بالمدنيين الأبرياء في كلّ مكان، في العراق، في سوريا، وفي لبنان، وأهمّ شيء عندهم إيقاع فتنة بين السُنّة والشيعة، ولن تقع إن شاء الله، لأنّ السنّة أيضاً يدركون غايتهم الخبيثة ... هنئياً للمؤمنين هذا الإنتصار الكبير بتحرير يَبْرُودْ في 14 جمادى الاُولى 1435 هـ ق الموافق لـ 16 / 3 / 2014 م، مبروك للسيدة زينب. عليها السلام هذا النصر الكبير، نشكر الله تعالى على ذلك ألف ألف مرّة، مبروك للشهداء والجرحى المؤمنين الذي حرّروا يَبْرُود التي هي من أهمّ معاقل التكفيريين في سوريا، وأظنّ أنّ هذا التبريك الكبير وهذه السعادة العارمة عند المؤمنين في كلّ العالم لن يفهمه الأجيال القادمة من المؤمنين حفظهم الله تعالى، ولن يعرفوا أنّ الإمام الحجّة عج وشيعتَه كلّهم بكوا لشدّة السعادة التي ملأت قلوبَهم، وامتلأت الدنيا بالإحتفالات، يقولون في الإذاعات إنّ مساحة يبرود تبلغ حوالي 580 كلم2، وكان عدد المقاتلين فيها ـ بحسب التقارير الإسرائيلية ـ من سبعة عشر إلى عشرين ألف مقاتل ـ واستشهدتُ بالخبراء الإسرائيليين لأنهم الخبراء بأعدادهم لأنهم يدعمونهم كثيراً حتى بالعلاج في إسرائيل، أي أنهم هم اعترفوا بهذه الأعداد الضخمة ـ قُتِلَ بعضهم واُسر البعض الآخر وفرّ البقية إلى القرى المجاورة السورية واللبنانية ... عشرات أو مئات الدرّاجات تسير احتفالاً منذ ما قبل ظهر اليوم وإلى ساعتنا هذه وهي ما بعد غروب الشمس ومعهم رايات حزب الله يجوبون شوارع الضاحية ...

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo