< قائمة الدروس

بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/06/11

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: تكملة الكلام في القراءات
* نظرةٌ إلى قوله تعالى[ مالك يوم الدين ]
يصعب الإعتقادُ بصحّة الكلام السالف الذكر من أنه لا يجوز أو لا يصحّ قراءة [ملك يوم الدين] إذ كان في كلّ مدينة قراءةٌ تُغاير القراءةَ في المدينة الاُخرى ممّا لا يبقى معه تعيين لقراءةٍ واحدة مشهورة، خُذْ مثلاً [ مالك يوم الدين ] و(ملك يوم الدين)، فالاُولى يقرؤها عاصم (في الكوفة ط باقر وصادق) والكسائي (في الكوفة ط كاظم) ويعقوب (في البصرة ط رضا) وخلف (في بغداد ط جواد)، والثانية يقرؤها نافع (ط ظم) ويزيد بن القعقاع (ط قر ق) في المدينة، وابن كثير في مكّة (ط قر ق)، وحمزة بن حبيب (ط ق ظم) وعلي بن حمزة في الكوفة (ط ظم)، وابو عمرو بن العلاء في البصرة (ط ق)، فلِمَ نرجّحُ قراءةَ [ مالك ] على (ملك) ؟! وما وجه الترجيح ؟!
وفي مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني ج 1 ص 266 قال : ( إن الدليل قام والتواتر تم والإجماع انعقد على أن النبيّ قرأ لفظ [مالك يوم الدين] بإثبات الألف وحذفها، وأخَذَ أصحابُه عنه ذلك، فمِمَّنْ قَرَأ بهما : عليّ وابن مسعود وأبي بن كعب، وممَّن قَرَأَ بالقصر أي حذف الألف : أبو الدرداء وابن عباس وابن عمر، وممَّن قَرَأَ بالمد أي إثبات الألف : أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين) (إنتهى) .
وفي الفوائد للرازي ج 1 ص 215 : ( حدثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن محمد بن هاشم البغدادي الوراق ثنا أحمد بن الحسن بن علي بن الحسين الكسائي ثنا محمد بن يحيى الكسائي ثنا الليث بن خالد ثنا يحيى بن المبارك اليزيدي أبو محمد عن أبي عمرو بن العلاء عن الحسن عن أمه عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ [ ملك يوم الدين ] ) (إنتهى) .
أقول : لعلّ التأمّل في كلّ ما ذُكِرَ يَقضي بأرجحيّة [ ملك ] لأنها هي القراءة المتداولة التي كانت أيام أئمّتناi، خاصّةً وأنّ حمزة يظهر أنه كان شيعياً أخذ قراءته من الإمام الصادق (عليه السلام)، ويظهر قوياً أنّ القراءة أيام الإمام الصادق (عليه السلام) وفي المدينة المنوّرة بالذات كانت [ملك يوم الدين] .
وحينما قال الإمام (عليه السلام) في الصحيحة السابقة ( كُفَّ عن هذه القراءة، اِقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم (عليه السلام) ) وفي المصحّحة السابقة ( اِقرؤوا كما عُلِّمْتُم ) ومع عدم وجود قراءة معيّنة هي المشهورة فلا يمكن أن ندّعي نحن ـ من دون دليل ـ قراءةً معيّنة .
لذلك صحّ جواز القراءة بإحدى القراءات المشهورة في زمن الإمام الكاظم ومن قبله عليهم السلام جميعاً .
وكذا يصحّ أن نقرأ في سورة الإخلاص[ كفواً ] على الأوجه الثلاثة المعروفة ـ أي كُفُواً وكفُؤاً وكفْؤاً ـ، ولا يجوز ـ على الأحوط ـ (كفْواً ) وذلك لعدم وجود لغة عند العرب هكذا، ولعدم قراءة أحد من القرّاء العشرة (كفْواً ) .

وهذا لا يعارض قولَنا بأنّ القرآن نزل من عند الله بنحو واحد وعلى حرفٍ واحد وبلهجة أهل الحجاز، بل هو الأصل الذي لا بدّ من الإيمان به ما لم يثبت أنه نزل على أكثر من قراءة، بل لم يثبت أصلاً أنّ رسول الله (ص) كان يقرأ القرآن بأكثر من قراءة، بل يبعد احتمال ذلك كثيراً، وقد صرّح خلق كثير من علماء الفريقين بعدم ثبوت دعوى تواتر القراآت عن النبيّ (ص)[1]، على أنه لو كانت نسبةُ التواتر ثابتةً من عصر النبيّ إلى عصر القرّاء فلِمَ يخطّئ بعضُهم بعضاً ولِمَ يخترعُ اللاحقُ قراءةً اُخرى ؟!
بل يكفي أن تقول بأنه لم تثبت صحّة دعوى تواتر القراآت عن النبيّ (ص).
بل صرّح جمعٌ من النقّاد أنّ الإختلاف بين القرّاء حصل من الإجتهاد والرأي واختلاف المصاحف العثمانية العارية عن الإعراب والنقط مع التباس بعض الكلمات، خاصّةً على القرّاء الذين هم من أولاد الأعاجم الذين لا يستطيعون على التلفّظ بالنحو العربي الصحيح، على أنّه اشتهر عن القرّاء أنّ كلّ واحد منهم كان يخطّئُ الآخرَ ولا يجوِّزُ الرجوعَ إليه، وهذا أيضاً يوهن الإعتمادَ على كلّ منهم .
إضافةً إلى أنه لا يمكن إدّعاء تواتر جواز القراءة بهذه القراآت السبعة عن النبيّ بعد كون نفس القرّاء بعيدين جداً عن عصره (ص)[2] .
كلّ هذا لا يضرّنا لوجود سيرة في أيام المعصومين (عليهم السلام)على جواز القراءة بأيّ واحدة من القراآت السبعة، لا، بل ثبت من خلال الروايات السابقة جوازها .




[1] ممّن أنكر التواترَ عن النبيّ (ص) الشيخُ الطوسي في التبيان والسيد إبن طاووس في سعد السعود والسيد نجم الدين الرضيّ في موضعين من شرح الكافية كما عن السيد نعمة الله الجزائري في نور البراهين ج 1 ص 531 والخونساري والبهائي كما عن السيد العاملي في مفتاح الكرامة ج 2 ص392 والميرزا القمّي في القوانين ص403 والشيخ الآخوند في كفاية الاُصول ص285 والسيد الخوئي في البيان ص 151 وغيرهم . .
[2] القُرّاء السبعة هم :
1 ـ نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني(أصله من إصفهان مات سنة 169 هـ ق) .
2 ـ وعبد الله بن كثير المكي(فارسي الأصل، وُلِد في مكّة سنة 45 هـ وتوفّي سنة 120 هـ)،
3 ـ وأبو عمرو بن العلاء البصري(توفّي 154 أو 155 هـ)
4 ـ وعبد الله بن عامر الدمشقي(توفّي 118 هـ فهو إذن من ط الإمام الباقرt الذي استشهد سنة 114 هـ )،
5 ـ وعاصم ابن أبي النجود الكوفي(كان قارئَ الكوفة، أخذ القراءة عرْضاً عن زر بن حبيش وأبي عبد الرحمن السلمي وأبي عمرو الشيباني . قال أبو بكر بن عيّاش "قال لي عاصم : ما أقرأني أحد حرفاً إلاّ أبو عبد الرحمن السلمي، وكنت أرجع من عنده فأعرض على زرّ" . وقال حفص : "قال لي عاصم : ما كان من القراءة التي أقرأتك بها فهي القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن السلمي عن عليّ، وما كان من القراءة التي أقرأتها أبا بكر بن عيّاش فهي القراءة التي كنت أعرضها على زرّ بن حبيش عن ابن مسعود" . إنتهت إليه رئاسة القرّاء في الكوفة، وكان عثمانياً، توفّي بالكوفة وقيل بالسماوة، ط الباقر والصادق ( عليه السلام) لأنه توفّي 127 أو 128 أو 129 هـ، والمشهور سنة 127 هـ، وهو أستاذ حفص بن سليمان الذي ولد سنة 90 وتوفّي 180 هـ والذي نزل بغداد فأقرأ بها وجاور مكّة وأقرأ بها.) .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo