< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/06/17

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الموقف عند احتمال وجود قرائن متصلة أو منفصلة

بعض الفوائد في بيان المراد من الظهور

جَعَلَ صاحبُ الكفاية بيانَ المراد من الظهور والظاهر بعد بحث كبرى (حجيّة الظهور ) وهذا من الأخطاء الكبيرة، ونحن كنّا قد ذكرنا المراد من الظهور والظاهر في المقام الأوّل، ولكن لأننا نبحث على طبق فهرست كتاب الكفاية رأينا أن نتعرّض إلى المهمّ ممّا ذكروه في هذا الباب فأقول : قال صاحب الكفاية : (قد عرفتَ حجيةَ ظهور الكلام في تعيين المراد، فإن اُحرِز المعنى المراد بالقطع وأن المفهوم منه جزماً ـ بحسب متفاهم أهل العرف ـ هو هذا فلا كلام، وإلا فإن كان الشكّ في المعنى المراد لأجل احتمال وجود قرينة فلا خلاف في أن الأصل عدمها، لكن الظاهر أنه مع احتمال وجود قرينة فإنه يُبنَى على المعنى الظاهر، لا أنه بعد البناء على عدم القرينة يُبنَى على المعنى الظاهر ...)[1] (إنتهى بتصرّف قليل للتوضيح)، ثم طَرَحَ حالةَ ما لو فُرِضَ الشكّ في المعنى من قرينية ما هو موجود، أو للشكّ في المعنى الموضوع له اللفظُ، فالصورُ ثلاثة :
الصورة الاُولى : لا شكّ في أنّ المتشرّعة حينما يقرؤون روايةً ما فإنهم يبحثون عن وجود قرائن متصلة أو منفصلة أو تقييد أو تخصيص .. ليتأكّدوا من صحّة متن الرواية وليتأكّدوا من المعنى الظاهر أنه هو المراد حقّاً، وبعد هذا البحث تراهم يجرون أصالة عدم القرينة المتّصلة ـ لغلبة عدم الغفلة أو قُلْ لأصالة عدم الغفلة ـ والمنفصلة، ثم ـ بعد وضوح الصغرى ـ يُجرون حجيّةَ الظهور، أي يتمسّكون بالوضع العرفي للكلام، أي أنّ المتكلّم يريد العموم أو الخصوص أو الإطلاق أو التقييد ..
الصورة الثانية : وهي حالةُ ما لو فُرِضَ الشكّ في المعنى المراد بسبب وجود قرينة قد تكون دخيلة في المراد، فالشكّ إذن في أصل الظهور، أي في الصغرى، ومن الطبيعي ح أن لا نتمسّك بحجيّة مشكوك الظهور . فمثلاً لو سألوا الإمام عن الرجل كيف يقوم في صلاته وكيف يجلس وكيف يسجد ويركع، فأجابه الإمام بأنه يقف هكذا ويركع هكذا ويفعل هكذا .. واحتملنا أن يكون الجواب ناظراً إلى خصوص الرجل، لا إلى الأعمّ منه ومن المرأة، فح يجب أن نقتصر في الإفتاء على خصوص الرجل، لشكّنا في شمول الجواب للمرأة أيضاً، أو قُلْ لشكّنا بأصل الظهور والشمول للمرأة مع وجود قرينة محتملة التقييد بالرجل، ومثلها ما لو حصل لنا الشكّ في أصل الظهور في أيّ كلمة ككلمة الفاسق مثلاً في قول المولى ( اَكرِمِ العالِمَ إلاّ الفاسقَ منهم ) ولم نعرف المراد بالدقّة من الفاسق، هل هو مرتكب الكبائر فقط، أم مطلق العاصي ـ أي الشامل لمرتكب الصغائر أيضاً ـ فالشكّ هنا في أصل الظهور، ففي هكذا حالة لا يمكن لنا التمسّك بحجيّة الظهور، وذلك لعدم وضوح الظهور أصلاً، وإنما هنا يوجد إجمال، ولذلك ترى كلّ العلماء في مثل حالة الإجمال هذه يرجعون إلى الاُصول العملية، لأنّ الإجمال في الفاسق يسري إلى كلّ موضوع الحكم، فلا نعرف واجبَ الإكرام مِن غيرِه . وكذلك الأمر تماماً في مثال الرجل السابق كيف يركع ويسجد، أي فيما لو عرفنا بوجود قرينة، ولم نعرف بدخالتها في الموضوع أم بالإتيان بها من باب المثال .
أمّا في حالة احتمال وجود قرينة منفصلة، فإنّ العلماء أجمعوا على وجوب البحث أوّلاً عن وجودها، فإن لم يجدوا فإنهم بأجمعهم يجرون حجيّة ظهور الكلام في المعنى الموضوع له اللفظ، ويبنون على وثاقة الراوي في إيراده لكلّ ما هو دخيل في موضوع الحكم . أو قُلْ يَبنون على أنّ الظهور محرَز، فيتمسّكون بالظهور ـ أي يبنون على حجيّته ـ ما لم يُعلم عدمُ إرادته .
أمّا لو شككنا في قرينيّة المنفصل بحيث لم يتّضحِ الظهورُ عرفاً، فهنا لا يمكن البناء على حجيّة الظهور، وذلك لعدم وضوح المعنى عرفاً، أي أنّ المشكلة صغروية لا كبروية .
نعم، لو فرضنا أنّ القرينة المنفصلة لم تؤثّر على ظهور المعنى الأوّل فلا شكّ ح في لزوم التمسّك بالظهور، أي البناء على حجيّته .
ثم لا شكّ في أنّ موضوع الحجيّة هو شخص الكلام، لا مجموع الكلام ـ أي بما فيها المقيّدات والمخصّصات المنفصلة ـ وهذا من بديهيّات الاُمور عند العرف، فإنّ الإمام حينما يكلّم السائل الذي يسأله عن مسألة معيّنة فيجيبه بجواب معيّن، فالإمام حتماً في مقام إفادة كامل الجواب، لا نصفه أو ربعه . مثلاً : لو سأل السائلُ الإمامَ عليه السلام عن كيفية الغسل فأجابه بأنه يغسل رأسه ورقبته أوّلاً ثم يُفيض الماءَ على سائر بدنه، ثم بعد سنة أجاب الإمامُ شخصاً آخر وقال له ـ فرَضاً ـ بالترتيب بين الجانبين، اليمين ثم اليسار، فإنّ كلّ الناس يحملون الجواب الثاني على الإستحباب، وذلك لأنّ الإمام كان في العام الماضي في مقام البيان، وفي مقام الجواب للسائل للعمل، ولا يريد السائلُ الأوّلُ جواباً مهملاً من ناحية الترتيب بين اليمين واليسار، وإلاّ لكانت صلواته كلّ السنة باطلة . وكذا لو سأله سائل عن مدّة عدّة المتمتّع بها فأجابه بأنها حيضة واحدة، ثم رأينا في رواية صحيحةٍ اُخرى بأنها حيضتان، فإننا بلا شكّ نحمل الرواية الاُولى على الجديّة، والثانية على الإستحباب، وإلاّ لوقعت المرأةُ ـ لو تزوّجت بعد الحيضة الواحدة مباشرةً ـ في الزنا .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo