< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/06/18

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: ما لو شكّ في المعنى المراد بسبب وجود قرائن

الصورة الثانية : وهي حالةُ ما لو فُرِضَ الشكّ في المعنى المراد بسبب وجود قرينة قد تكون دخيلة في المراد، فالشكّ إذن في أصل الظهور، أي في الصغرى، ومن الطبيعي ح أن لا نتمسّك بحجيّة مشكوك الظهور . فمثلاً لو سألوا الإمام عن الرجل كيف يقوم في صلاته وكيف يجلس وكيف يسجد ويركع، فأجابه الإمام بأنه يقف هكذا ويركع هكذا ويفعل هكذا .. واحتملنا أن يكون الجواب ناظراً إلى خصوص الرجل، لا إلى الأعمّ منه ومن المرأة، فح يجب أن نقتصر في الإفتاء على خصوص الرجل، لشكّنا في شمول الجواب للمرأة أيضاً، أو قُلْ لشكّنا بأصل الظهور والشمول للمرأة مع وجود قرينة محتملة التقييد بالرجل، ومثلها ما لو حصل لنا الشكّ في أصل الظهور في أيّ كلمة ككلمة الفاسق مثلاً في قول المولى (اَكرِمِ العالِمَ إلاّ الفاسقَ منهم) ولم نعرف المراد بالدقّة من الفاسق، هل هو مرتكب الكبائر فقط، أم مطلق العاصي ـ أي الشامل لمرتكب الصغائر أيضاً ـ فالشكّ هنا في أصل الظهور، ففي هكذا حالة لا يمكن لنا التمسّك بحجيّة الظهور، وذلك لعدم وضوح الظهور أصلاً، وإنما هنا يوجد إجمال، ولذلك ترى كلّ العلماء في مثل حالة الإجمال هذه يرجعون إلى الاُصول العملية، لأنّ الإجمال في الفاسق يسري إلى كلّ موضوع الحكم، فلا نعرف واجبَ الإكرام مِن غيرِه . وكذلك الأمر تماماً في مثال الرجل السابق كيف يركع ويسجد، أي فيما لو عرفنا بوجود قرينة، ولم نعرف بدخالتها في الموضوع أم بالإتيان بها من باب المثال .
أمّا في حالة احتمال وجود قرينة منفصلة، فإنّ العلماء أجمعوا على وجوب البحث أوّلاً عن وجودها، فإن لم يجدوا فإنهم بأجمعهم يجرون حجيّة ظهور الكلام في المعنى الموضوع له اللفظ، ويعتمدون على وثاقة الراوي في إيراده لكلّ ما هو دخيل في موضوع الحكم . أو قُلْ يَبنون على أنّ الظهور محرَز ولو بعد إجراء أصالة عدم وجود ـ أي عدم صدور ـ قرينة منفصلة، فيتمسّكون بالظهور ـ أي يَبنون على حجيّته ـ ما لم يُعلم عدمُ إرادته .
أمّا لو شككنا في قرينيّة المنفصل بحيث لم يتّضحِ الظهورُ عرفاً، فهنا لا يمكن البناء على حجيّة الظهور، وذلك لعدم وضوح المعنى عرفاً، أي أنّ المشكلة صغروية لا كبروية .
نعم، لو فرضنا أنّ القرينة المنفصلة لم تؤثّر على ظهور المعنى الأوّل فلا شكّ ح في لزوم التمسّك بالظهور، أي البناء على حجيّته .
ثم لا شكّ في أنّ موضوع الحجيّة هو شخص الكلام، لا مجموع الكلام ـ أي بما فيه من المقيّدات والمخصّصات المنفصلة ـ وهذا من بديهيّات الاُمور عند العرف، فإنّ الإمام حينما يكلّم السائل الذي يسأله عن مسألة معيّنة فيجيبه بجواب معيّن، فالإمام حتماً في مقام إفادة كامل الجواب، لا نصفه أو ربعه . مثلاً : لو سأل السائلُ الإمامَ عليه السلام عن كيفية الغسل فأجابه بأنه يغسل رأسه ورقبته أوّلاً ثم يُفيض الماءَ على سائر بدنه، ثم بعد سنة أجاب الإمامُ شخصاً آخر وقال له ـ فرَضاً ـ بالترتيب بين الجانبين، اليمين ثم اليسار، فإنّ كلّ الناس يحملون الجواب الثاني على الإستحباب، وذلك لأنّ الإمام كان في العام الماضي في مقام البيان، وفي مقام الجواب للسائل للعمل، ولا يريد السائلُ الأوّلُ جواباً مهملاً من ناحية الترتيب بين اليمين واليسار، وإلاّ لكانت صلواته كلّ السنة باطلة . وكذا لو سأله سائل عن مدّة عدّة المتمتّع بها فأجابه بأنها حيضة واحدة، ثم رأينا في رواية صحيحةٍ اُخرى بأنها حيضتان، فإننا بلا شكّ نحمل الرواية الاُولى على الجديّة، والثانية على الإستحباب، وإلاّ لوقعت المرأةُ ـ لو تزوّجت بعد الحيضة الواحدة مباشرةً ـ في الزنا .
وكذلك الأمرُ لو قال المولى (اَكرِمِ العالِمَ) ثم بعد مدّة قال (لا تُكْرِمِ الفاسقَ) أو (لا يجبُ إكرامُ الفاسق) وشككنا في معنى (فاسق) هل هو خصوص مرتكب الكبائر، أم هو مطلق العاصي ـ أي حتى مرتكب الصغائر ـ ثم رأينا عالِماً يرتكب الصغائرَ، فهل يجب إكرامه، أي هل يجب التمسّك بإطلاق (العالِم) ليجب القول بلزوم إكرامه، وهو ما يعبّر عنه عادةً ـ ولو تسامحاً ـ بلزوم التمسّك بالعموم الفوقاني أو قُلْ .. بلزوم الرجوع إلى العموم الفوقاني ؟
الجواب : لا شكّ أوّلاً ـ في مثل هكذا حالة ـ في كون العالِمية مقتضيةً للوجوب، وفي كون الفسق مانعاً عن وجوب الإكرام، فعَلَى هذا نقول : إن كان الكلام الأوّل في مقام البيان ـ وهو الأصل في الكلام ـ كما لو فرضنا أنّ المولى قال ـ في الرواية الاُولى ـ (أيها الناس اَكْرِموا العلماءَ) ثم قال في مقام آخر (لا تكرموا الفاسق) فإننا يجب أن نحمل الكلام الثاني على عدم الإلزام، فيُحمَلُ (لا تُكْرِموا الفاسِقَ) على كراهة إكرامه، ويحمل (لا يجب إكرام الفاسق) على عدم وجوب إكرامه، وأمّا إن اتّضح أنّ الكلام الأوّل لم يكن ناظراً إلى الفاسق ـ أي لم يكن الكلام الأوّل في مقام البيان من هذه الجهة ـ كما لو قال (أيها الناس صلّوا وصوموا واكرموا المؤمنين والعلماء) فهو ـ في هكذا سياق ـ ليس في مقام عرض وبيان تمام تفاصيل الموضوع، فمن الطبيعي أننا يجب أن نحمل الكلام الثاني على التقييد وكأنه متّصل، وعليه فسيحصل ح إجمالٌ في حدود موضوع الحكم، لأنه سيكون بمثابة قوله ( اَكْرِموا العالِمَ إلاّ الفاسقَ )، وح يجب الرجوع إلى الاُصول العملية في موضع الشكّ، لا أن نتمسّك بالعموم الفوقاني .
وكذا لو قال المولى ( اَكْرِمِ العالِمَ ) ثم بعد مدّة قال "لا تُكْرِمْ زيداً ( أو ) لا يجب إكرام زيد" وكان يوجد فردان لزيد، أحدهما عالم والآخر جاهل، فما الموقف ؟ هل يجب إكرامُ زيدٍ العالِمِ أم لا ؟
الجواب هنا هو عين الجواب السابق، أي : إن كان الكلام الأوّل في مقام البيان والعمل، وكان زيدٌ العالم تحت الإبتلاء سابقاً فلا شكّ في لزوم حمل الكلام الثاني على عدم الإلزام، أي يلزم التمسّك بالعموم الفوقاني، فيُحمَلُ "لا تكرم زيداً" على كراهة إكرامه ـ جمعاً بين الكلامين ـ ويُحمَلُ (لا يجب إكرامُ زيدٍ) على عدم وجوب إكرامه .
وبهذا لاحظتَ أنّ كلّ كلامنا ومشاكلنا ناتجة من تشخيص الصغرى، وإلاّ فلا شكّ ـ بعد تشخيص الصغرى ـ في حجيّة الظهور .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo