< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/07/14

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: بقيه الكلام في حجية قول اللغوي و أصالة عدم النقل في اللغة

... هذا ولكنْ عدمُ حصول الإطمئنان بالمعنى من خلال كتب اللغة وكثرة الإستعمالات أمْرٌ نادر، يَعرف ذلك المتتبّعُ الخبير، خاصةً في مِثل كتاب (لسان العرب) وغيره من الموسوعات اللُغَوية المطوّلة، وغالباً ما، يعرف الفقيه الخبير ما كان العرب ـ في زمان ورود النصّ الفلاني ـ يفهمونه وتتبادر إليه أذهانهم من الكلام، ولو من قرائن خارجية .. فالرجوعُ إلى الاُصول العملية ـ بالتالي ـ أمْرٌ نادر أيضاً، على أننا لا نريد أن نعرف المعنى الحقيقي من المجازي، إنما نريد أن نعرف بما كانوا يستعملون اللفظ في أيام المعصومين (عليهم السلام)، على أنّ فرض كلامنا إنما هو في اللغوي الثقة، ونحن نقول بحجيّة قول الثقة في الموضوعات، بناءً على قوله تعالى[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ][1] فهي تعتبر خبر العادل في الأخبار ـ أي الثقة ـ بيّناً أو قُلْ بياناً وعِلْماً، لأنه لا يحتاج إلى تبيّن وتأكّد، بخلاف خبر الفاسق، ولذلك فإذا اعتمدت على خبر العادل فإن اللوازم الأخرى تترتّب، فمثلاً : لك أن تتّهم قوماً بناءً على قول العادل رغم خطورة هذا اللازم ..



[ أصالةُ الثبات في اللغة وعدمِ النقل ]

وممّا قد يُدّعَى إفادتُه الظهورَ إستصحابُ بقاءِ المعنى السابق عند الشكّ في تغيّره، وقد يُدّعَى أنه أصل عقلائيّ معترَفٌ به عند كلّ الناس، وذلك لوجود ارتكاز نسبي للغة يشعر به الإنسان في حياته، فتغيّرُ اللغةِ أمْرٌ صعبٌ وليس بتلك السهولة في جميع البلاد والأقطار .. ولذلك كان الفقهاء في العصور المتأخّرة للمعصومين (عليهم السلام) يأخذون بما يفهمونه من القرآن الكريم ومن كلام المعصومين المتقدّمين (عليهم السلام) هذا الإرتكاز المذكور، ولم يكن أئمّتنا (عليهم السلام) نبّهونهم على خطأ تصرفهم هذا وعلى احتمال تغيّر اللغة، ولو لدخول آلاف الأعاجم إلى بلاد المسلمين واختلاطهم بهم كثيراً .. هذه السيرة تفيد الفقيه وتجعله يرتاح إلى وجود أصل عقلائي هو (أصالة الثبات في اللغة وعدم النقل) ..
أقول : إنِ اطمأنّ الفقيهُ ـ الذي هو دائماً محور كلامنا ـ ببقاء الكلام على ما كان عليه سابقاً ـ أي في عصر الجاهلية ـ فبها، والفقيه عادةً يحاول معرفةَ ما كان يفهمه الرواة من القرآن الكريم ومن كلام المعصومين(عليهم السلام)، ولو من تجميع القرائن، وإن لم يطمئنّ فهو تلقائياً سيرجع إلى الاُصول العملية . ومع كلّ ذلك ترى الفقيه يجمّع القرائن الداخلية والخارجية ليطمئنّ بما يريد أن يفتي به .
مثال ذلك : قال الله تعالى[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا، وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ][2] [3]، فما هو المراد من قوله تعالى[نجَس] ؟
كان معنى [نجس] في عصر الجاهليةِ القذارةَ المعنوية، فكانوا يقولون ـ كما في أقوال رسول الله (ص) ـ ( ... فطهّروا نفوسَكم من كل دنس ونجَس ... ) ( ولا يصيبنا نجَسُ الشرك ولا سفاح الكفر ) و ( ونظَّفَ قلبَه من نجاسة الذنوب ) و ( فأزِلْ نجاسةَ ذنوبِك بالتضرّع ... )[4] وروى أنَس عن النبيّ (ص) أنه نهى عن لحوم الحمر وقال ( إنها نجَس )[5]، كما وكانوا يستعملون لفظة "طاهر" في الطهارة المعنوية أيضاً، قال الله تعالى[ رَسُولٌ مِّنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً ] .. كلّ ذلك لأنّ أحكام الطهارة المعروفة في شريعتنا لم تكن شائعة في أيام الجاهلية، فهم لم يكونوا يهتمّون بالنجاسات الماديّة، ولم يكونوا بالأعمّ الأغلب ذوي شريعة إلهية، إلاّ ما شذّ وندر ـ كبَني هاشم ـ كانوا على مذهب الحنيفية الإبراهيمية، وإلاّ اليهود في المدينة، لكنهم لم يكونوا ملتزمين كثيراً بالشريعة ..
فعَلَى هذا، على ماذا تحمل لفظة [نجَس] الواردة في القرآن الكريم ؟ هل تقول نستصحب بقاءَ الكلمة على ما كانت عليه أيام الجاهلية ؟ أم تقول حَصَلَ النقْلُ خلال فترة النبوّة المباركة لأنّ الآيةَ نزلت في السنة التاسعة للهجرة ؟ بحثٌ ذكرناه بطوله في كتابنا (الطهارة) وقلنا هناك بأنّ المراد من الآية المباركة هي النجاسة المعنوية .. فراجع .



[3] نزلت هذه الآية في مكّة المكرّمة في السنة التاسعة للهجرة، وهي السنة التي أذّنَ فيها أمير المؤمنين عليّ عليه السلام بالبراءة، ومنع طواف البيت عرياناً، ومنع حجّ المشركين، وكان المشركون علَى عتَبة الإستئصال بعد إيذان [براءة] ولم يبق لهم إلا أربعة أشهر، إلا شرذمة قليلة من العرب كان النبيّ .ص عاهدهم عند المسجد الحرام إلى أجل ما بعده من مُهَل، فالجميع كانوا في معرض قبول الإسلام .
[4] راجع شرح الحلقة الثالثة للمؤلّف ج 1، بحث الحقيقة الشرعية ص197 .
[5] الإنتصار للشريف المرتضى ص 411. أقول مع أنها طاهرة بالإجماع !!بل ترى السيد المرتضى يدّعي الإجماع دائماً حتى على خلاف الثابت عند الشيعة كنجاسة لحم الأرنب فقال لحمُ الأرنب حرام عند أهل البيت عليهم السلام وقد وردت روايات كثيرة بذلك ولا خلاف بين الشيعة الإمامية فيه، والأرنب .عندهم نجس لا يستباح صوفهإنتهى وهو عجيب وغريب .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo