< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/07/26

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: * الكلام حول حجيّة الإجماع المنقول :
حتى الآن كان الكلام حول حجيّة الإجماع المحصّل، والآن نتحدّث عن حجيّة الإجماع المنقول بواسطة الثقة ـ وذلك للمفروغية عن عدم حجيّة نقْلِ غيرِ معلوم الوثاقة ـ فنقول :
ينبغي البحث في المقام في نقطتين :
الاُولى : هل خبر الثقة في نقل الإجماعات حجّةٌ أم لا ؟ وهو بحث كبروي .
والثانية : هل هناك دقّة في نقل الإجماع ؟ هو بحث صغروي .

أمّا الجواب على السؤال الأوّل فسَلْبِيّ لأنّنا نعلم أنه إجماع حدسي أو يغلب عليه الحدس .
توضيح ذلك : لعلّك تعلم أنّ معتمَدَنا في حجيّة قول الثقة في الموضوعات كان على آية النبأ، فهي تفيد حجيّة نبأ العادل في الموضوعات، واعتبره الله تعالى بياناً وليس جهالة، فلا داعي بعد ذلك للإحتياط بالسؤال للتأكّد، والنبأ هو الخبر الناشئ عن حسّ، لا عن حدس، وكذلك اعتمدنا في حجيّة خبر الثقة في الموضوعات على الروايات المعروفة كروايات عزل الوكيل بخبر ثقة وروايات أذان الثقة، فإنها كلّها ناشئة عن حسّ، وهو القدر المتيقّن أيضاً، والباقي مشكوك، والأصل عدم حجيّته . وأنت تعلم أنّ العلماء كانوا في أوائل عصر الغيبة الكبرى منتشرين في الآفاق، وكان الوصول إلى جميع الأنحاء أمراً مستحيلاً عادةً، فضلاً عن معرفة آراء جميع العلماء بما فيهم الأموات مستحيل أيضاً، وفضلاً عن معرفة آراء من لم يكتب آراءه أصلاً !!! .. ومدّعي الإجماع لم يكن بصدد جمع جميع آراء الناس، فإنهم كانوا في بيوتهم فقط، بدليل معرفتنا لحياتهم وسَفَرِهم ولو بنحو الإجمال وبدليل كثرة ما كتبوا، فلم يكُنِ السيد المرتضى ولا الشيخ الطوسي كالرحّالة إبن بطوطة ... ونحن اليوم مع كلّ وسائل التواصل الهاتفي الذي جعل العالَم كلّه أصغر من قرية صغيرة، لا يمكن لنا أن نجمع آراء جميع فقهاء العالَم ـ حيّهم وميّتهم ومن لم يكتب في المسألة أصلاً ـ في مسألة خلافية واحدة فقط !!! فكيف تصدّق ادّعاءَ الشيخ الطوسي مثلاً الإجماع في الكثير من المسائل ؟!! وها أنت ترى نقلهم عن السيد المرتضى أنه ادّعى الإجماع على جواز الوضوء بالمائع المضاف استناداً إلى أصالة البراءة مع عدم وجود قائل بذلك ظاهراً !!
ولا وجه للإعتماد في حجيّة خبر الثقة في الموضوعات على بناء العقلاء، فإنهم مع الشكّ في اعتماده على الحسّ أو على الحدس بحيث يحصل عندهم شكّ في صدقه لا يعملون بالتعبّديات أصلاً، وإنما يعملون بخصوص الإطمئنانيات .
وعليه يصعب القول بحجيّة خبر الثقة في نقل الإجماع، وذلك للظنّ القويّ جداً بكون ادّعائهم هذا حدسيّاً لا حسيّاً، يعرف هذا كلّ الخبراء، ممّا يبعد معه شمول آية النبأ والروايات لمثل هكذا حالة، والأصلُ عدمُ الحجيّة . ولك أن تقول : إجماعاتهم المنقولة هذه لأنّ المظنون قوياً أنها ناشئة عن حدس هي لا تكشف عن رأي المعصومين (عليهم السلام) .

والجواب على السؤال الثاني أيضاً سلبي، والسبب هو أنّ كلّ الخبراء والمتتبّعين يعلمون بعدم دقّة ناقلي الإجماع، وإنما يَعْرِفُون فيهم التساهلَ، لا لقلّة دينهم أو دقّتهم ـ معاذَ الله ـ ولكنهم كانوا يَرَون تماميّةَ الدليل أو كثرةَ القائلين بما يقولونه، فيطمئنّون بلزوم وجود إجماع على ذلك، وأنّ مَن لا يعتقد بما يقولون فهو غير محقّق وهو مخطئ لا محالة .. إذن مشكلتنا في صحّة نقلهم للإجماع أيضاً، ومن هنا أيضاً لا يطمئنّ الإنسان بكاشفيّة إجماعهم عن رأي المعصومين (عليهم السلام) .
ويكفي أن نذكر بعض ما ذكره الشهيد الثاني في رسائله[1]، وذلك لتعلم عدمَ دقّتِهم في نقلهم الإجماع، إذ لو كان هناك إجماع حقيقي فمحال أن يخالفوه، لأنه سيكون بديهياً ومتسالماً عليه، وخاصةً عند الشيخ الطوسي الذي يؤمن بالإجماع جداً من باب قاعدة اللطف العقلية، إذ يقول الشهيد الثاني : (هذه رسالة تشتمل على مسائلَ ادّعى فيها الشيخُ الإجماعَ مع أنّه نفسَه خالف في حكم ما ادّعى الإجماعَ فيه، أفردناها للتنبيه على أنْ لا يَغْترّ الفقيه بدعوى الإجماع، فقد وقع فيه الخطأُ والمجازفةُ كثيراً من كلّ واحدٍ من الفقهاء سيّما من الشيخِ والمرتضى رحمهما الله) .
وقال في المعالِم : (إختلف الناس في ثبوت الإجماع بخبر الواحد ـ بناءً على كونه حجّةً ـ فصار إليه قوم، وأنكره آخرون، والأقرب الأوّل) (إنتهى)[2].
وقال صاحب الكفاية : (.. لكن الإجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب غالباً مبنيّة على حدس الناقل، أو اعتقاد الملازمة عقلاً ـ أي بين اتّفاق الفتاوى وبين رأي المعصوم كما هو مقتضى الإعتقاد بقاعدة اللطف ـ فلا اعتبار لها ما لم ينكشف أنّ نقل السبب كان مستنداً إلى الحسّ، فلا بدّ في الإجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة من استظهار مقدار ألفاظها، ولو بملاحظة حال الناقل وخصوص موضع النقل، فيؤخذ بذلك المقدار ويعامل معه كأنه محصّل ..) (إنتهى)[3].
وقال السيد الخوئي في كتابه التنقيح ج 3/ كتاب الطهارة ص 333 : ( أمّا الإجماع فلأنه من المنقول، ولا اعتبار عندنا بالإجماعات المنقولة، ولا سيما إجماعات السيِّد المرتضى قدس سره) (إنتهى) .
وقال السيد كمال الحيدري في شرحه على الحلقة الثانية ج 2 ص 240 : (نعم، في خصوص إجماعات السيّد المرتضى والشيخ الطوسي توجد مشكلة، وهي : أنّ السيّد المرتضى كثيراً ما يدّعي الإجماع ويخالفه الشيخ الطوسي، بل يدّعي الإجماع في قباله مع أنّهما في زمن واحد، كما في مسألة حجّية خبر الواحد، فقد ادّعى السيّد المرتضى أنّ إجماع الطائفة قائم على عدم حجّيته، بينما ادّعى الشيخ الإجماعَ على حجّيته)(إنتهى) .
أقول : لا شكّ عندنا في حجيّة خبر الثقة في الموضوعات، نعم هناك مشكلة في خصوص نقل الثقة للإجماع، فإنه وإن كان خبرَ ثقةٍ في مجال الموضوعات، إلاّ أنّ المظنون قوياً ـ في خصوص نقْلِ الإجماع ـ اعتمادُهم على الحدس ... فإنهم كانوا يدّعون الإجماعَ على كلّ مسألة لهم فيها دليل اعتقدوا بقطعيّة صحّته، بحيث لو اطّلع أيّ فقيه على دليلهم لحَكَمَ بما حكم به مدّعي الإجماع، طبعاً مع وجود بعض المؤيّدين له من الفقهاء، فهو حين يدّعي الإجماع كان يعني بذلك ـ ظاهراً ـ الإجماعَ الإقتضائي، وذلك لأنهم كانوا يخالفون إجماعات أنفسهم التي ادّعوها في كتبهم الاُخرى، كما رأيت قبل قليل، ولهذا حصل عندنا مشكلة في الصغرى أيضاً ـ أي في صحّة نقلهم للإجماع ـ وخاصّة كما رأيت من ادّعاء السيد المرتضى(وفاتُه 436 هـ) الإجماعَ على عدم حجيّة خبر الثقة، وادّعاء الشيخ الطوسي(وفاته 460 هـ) الإجماعَ على حجيّة خبر الثقة، وهما في نفس المكان والزمان، وكلاهما كانا تلميذين للشيخ المفيد !!!
ويكفي هذا التشكيكُ الكبير والمعروف عندنا ـ في الصغرى والكبرى ـ في الردّ على حجيّة الإجماع المنقول، لا، بل قلنا قبل قليل بعدم الدليل على حجيّة الإجماع المحصّل، لا من باب اللطف ولا من باب دخول الإمام بين المجمعين ولا من باب الملازمة ولا من باب كاشفيته عن رأي المعصومين (عليهم السلام)... فكيف نقول بحجيّة الإجماع المنقول ؟! نعم، يصعب جداً على الفقيه أن يخالف الإجماع المنقول المدّعَى إن لم يرَ مخالفاً لهذا الإجماع المدّعَى، بل قد يورّث الإطمئنان أو الظنّ بصحّة ما ذهبوا إليه . وخلافُ مَن لا يُعتدّ بخلافه قد لا يقدح في حصول الإطمئنان عندنا أو الظنّ .
وبعد وضوح الأمر لا يحسن أن نتكلّم بتفاصيلَ تُمِيتُ القلبَ مبنيّةً على اعتقادات فاسدة كما في الفروع المبنيّة على الإعتقاد بالإجماع اللطفي والإجماع الدخولي وهي معروفة تراها في كلّ كتب بحث الخارج، من أراد فليراجعها، أعتقد أنّ ذِكْرها بعد ذكر كلّ ما قلناه خطأ .
يبقى هناك ملاحظة وهي وجود اختلاف في تعابير الإجماع، كما في (أجمع أصحابنا) أو (اتّفقت الاُمّة) ونحو ذلك، لكن هناك أسلوب معروف عند العلماء هو قولهم مثلاً (ذهب إلى ذلك أساطين العلماء) ولا يُفهم من ذلك الإجماع، إذ الظاهر من قوله هذا هو خصوص الأساطين، ولم يُعرَف منه قصْدُ الإجماعِ أصلاً .
إذن نخرج ـ في آخر بحث (حجيّة الإجماع) ـ بالنتيجة التالية وهي : إننا لا نستطيع أن نقول بحجيّة الإجماع ونضعه في عرض القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وإنما نجعله كاشفاً عن القرآن والسنّة، إن استكشفنا ذلك منه .




[1] رسائل الشهيد الثاني/ الجزء الثاني/ جعلها تحت رقم 31 بعنوان إجماعات ادّعاها الشيخ الطوسي ص 847 ..
[2] منتهى الدراية ج 5 بحث الإجماع المنقول ص 158 ..
[3] نفس المصدر ص 175 ..

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo