< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/07/29

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الشهرة الروائية والفتوائية

والسؤال الآن : هل الشهرة الروائية حجّةٌ أم لا ؟
الجواب هو عدم حجيّة الشهرة الروائية بحسب العنوان الأوّلي، إلاّ أنّ الظاهر أنها تورث الإطمئنان دائماً أو غالباً، وهذا ما تصرّح به مقبولة عمر بن حنظلة التالية :
روى في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث فتحاكما .. إلى أن قال : فإن كان كل واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرَين في حقهما واختلف فيما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم ؟ فقال : ( الحكمُ ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يُلتفَت إلى ما يحكم به الآخر ) قال فقلت : فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه ؟ قال فقال : ( يُنظَرُ إلى ما كان مِن روايتهما عنّا في ذلك الذي حَكَما به المجمعِ عليه عند أصحابك فيُؤخَذُ به مِن حُكْمِنا ويُترَكُ الشاذُّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه، وإنما الأمورُ ثلاثةٌ : أمْرٌ بيِّنٌ رُشْدُهُ فيُتَّبَعُ، وأمْرٌ بيِّنٌ غَيُّهُ فيُجتنَبُ، وأمْرٌ مشْكِلٌ يُرَدُّ عِلْمُهُ إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : "حلالٌ بيِّنٌ، وحرامٌ بيِّنٌ، وشبُهاتٌ بين ذلك، فمَن ترَكَ الشبهاتِ نجا من المحرمات، ومَن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يَعلم .. )[1] وهي مقبولة السند، ولا يخفى عليك أنّ المراد من هذا الإجماع المذكور هو الإجماع الروائي بصريح الرواية . ثم لاحِظ استدلالَ الإمام (عليه السلام) بأمر بديهي إرتكازي ـ وهو أنه ( لا ريب فيه) ـ على حجيّة الشهرة الروائية، فاستعمل لبيان بديهيّة عدم الريب حرْفَ الفاء للإستدلال على بداهة حجيّة الشهرة الروائية، فقال ( فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ) أي لا ريبَ فيه تكويناً .
الثالث : في (حجيّة الشهرة العمليّة) أي الفتوائية، فقد يقال بأنها حجّة، وذلك لاستحالة أن تشتهر فتوى معيّنة عند فقهائنا المعروفين بالدقّة والتتبّع والورع والإجتهاد من دون اعتماد منهم على دليل واضح الحجيّة، إذ أننا لا نحتمل فيهم أن يعتمدوا على الظنّ أو القياس ونحو ذلك، ولذلك قالوا بأنّ الشهرة العملية تجبر ضعف سند الرواية التي استندوا إليها فتوائياً، وإعراضُهم عن رواية صحيحةٍ كاشفٌ عن وجود بعض نقاط الضعف التي لم تظهر لنا نحن المتأخّرين جداً عن زمانهم المتاخم لعصر النصّ .
وجواب ذلك واضح، إذ أنّ الشهرة العملية لا دليل على حجيّتها، والروايةُ الضعيفة لا دليل على حجيّتها، كلاهما ظلمات بعضها فوق بعض، ونحن نشكّك جداً في صحّة إجماعاتهم المدّعاة، فكيف لنا أن نعمل بما اشتهرت الفتوى عندهم ولم يجمعوا كلّهم عليها ؟! وكيف لهم أن يعرفوا فتوى المشهور مع كلّ ما ذكرناه قبل قليل من عدم إمكان ذلك عملياً ! نعم لو أورثت الشهرةُ الفتوائيةُ الإطمئنانَ لكانت حجّة، لكن لا من باب حجيّة نفس الشهرة العملية بعنوانها، وإنما من باب حجيّة الإطمئنان وتراكم الإحتمالات .
وكذا لا ينبغي لنا إسقاطُ الروايةِ الصحيحة عن الحجيّة طالما لم يتّضح لنا وجهُ إعراضِ المشهور عنها، وطالما لم تقيّد أدلّةُ حجيّة خبر الثقة حجيّةَ خبر الثقة بالوثوق به، أو بعدم إعراض المشهور عنه .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo