< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/08/04

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الكلام حول حجيّة الإجماع المركّب، والتواتر
أوّلاً يجبُ أن يُعلم أنّ للإجماع المركّب حالتين :
الاُولى : أن يكون الرأيان ـ اللذان أجمعت الطائفةُ عليهما ـ ينفيان الإحتمالَ الثالث بحدّ ذاته، كما في مثال غسل الجمعة، فقد انقسمت الطائفة إلى قسمين في ذلك، فمنهم من ادّعى وجوبه، ومنهم من ادّعى استحبابه، ولكن لا يوجد من ادّعى الحرمة أو الكراهة أو الإباحة، ففي هكذا حالةٍ يَطمئنّ الإنسانُ عادةً إلى نفي الإحتمال الثالث، وذلك للإطباق عليه في الطائفة .
الحالةُ الثانية : أن تنقسم الطائفةُ إلى رأيين، ولكن لم يكونوا يمانعون من رأيٍ ثالث في المقام، أي لم يجمعوا على نفيِ الرأي الثالث، ففي هكذا حالة لا دليل عقلي ولا شرعي على لزوم نفي الرأي الثالث، ولكن مع ذلك الرأيُ الثالثُ محتمَلٌ واقعاً، ويكفي أن نقول هنا بأنّ إجماعهم المركّبَ المذكور لا يكشف عن نفي الرأي الثالث لا على أساس قاعدة اللطف ولا على أساس دخول المعصوم في المجمعين ولا على أساس كاشفية هكذا إجماع عن رأي المعصومين (عليهم السلام).
المهم هو أنّ المقياس والمعيار في لزوم نفي الرأي الثالث هو احتمال وجود رأي آخر في الواقع، أو استحالته كما في اعتقادنا بعدم حرمة غسل الجمعة .

* تعرَّضَ علماؤنا لاحتمال ما لو أجمع فقهاؤنا الأقدمون على فهم معنى معيّنٍ من روايةٍ معيّنة، ونحن لم نستظهره، فهل نأخذ بما فهموه أم نأخذ بما نفهمه نحن ؟
الجواب : في المسألة تفاصيل وحالات، ويكفي أن نقول : إنّ المسألة متوقّفة على حصول شكّ أو اطمئنان بصحّة ما فهموه، فإن شككنا بصحّة ما فهموه ـ كما هو فرْضُ المسألة ـ فإنه لا يمكن لأيّ فقيه أن يأخذ بما أجمعوا عليه، لكن لا شكّ أنّ فقهاءنا يحتاطون بين ما يفهمونه هم وبين ما فهمه الأقدمون، إذا كان المتأخّرون يحتملون صحّةَ ما فهمه الأقدمون، وذلك لأنّ الأقدمين أقربُ إلى عصر صدور الروايات، ويُحتمَلُ أن يوجد قرائن عندهم، قد خفيت عنّا، هذا فيما لو فُرِض حصولُ مثل هكذا حالة .

إذن نخرج ـ في آخر بحث (حجيّة الإجماع) ـ بالنتيجة التالية وهي : إننا لا نستطيع أن نقول بحجيّة الإجماع ونضعه في عرض القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وإنما نجعله كاشفاً عن القرآن والسنّة، إن استكشفنا ذلك


فَصْلٌ
[ في حجيّة التواتر ]
لا يزالُ الكلام حول حجيّة الأمارات الظنيّة، وقد تعرّضنا حتى الآن إلى بعض مصاديق الأمارات الظنيّة، فبحثنا أوّلاً عن حجيّة الظنّ وعدمها، ثم تعرّضنا إلى حجيّة السيرة، ثم إلى حجيّة الظهور، ثم إلى حجيّة الإجماع، والآن نتعرّض إلى حجيّة التواتر .
والسؤال في هذا الفصل هو : هل التواتر حجّة أم لا، فنقول :

* هل التواتر في الروايات حجّةٌ شرعاً أم لا ؟
الجواب هو أننا يجب أن نقول بحجيّته عقلاً بلا شكّ، طبعاً بعد استيفاء شرائط حصول الإطمئنان الآتية، وليس ذلك إلاّ لحصول الإطمئنان بالصدور، لا لحجيّة تواتر الروايات مطلقاً، ولذلك لو تواترت الرواياتُ بإيمان معاوية بن أبي سفيان مثلاً لما أخذنا بهذا التواتر، وذلك لوجود تواتر أكبر منه في فسقه وفجوره .
ومن شرائط التواتر الذي يوجب الإطمئنان :
ـ أمّا كمّاً : فأن يتمتّع التواتر بمقوّي كمّي، أي أن تكثر الأخبار إلى حدّ يزول احتمالُ الخلاف .
ـ وأمّا كيفاً : فأن يكون الأمر المتواتر قريباً في نفسه، كإيمان سلمان الفارسي، بمعنى أن لا يوجد معارِض للمعنى المتواتر كإيمان معاوية لعنه الله المعارَض بروايات كثيرة أنه كان محارباً لله ولرسوله ولوليّه وو ..، ولا يفرق الأمر بين أن تكون ألفاظ الروايات واحدةً أو مختلفة، طالما أنها تصبّ في معنى واحد، وهو إيمان سلمان المحمّدي وفسق معاوية .
وبتعبير آخر : أن لا يكون للمعنى المتواتر مضعّف خارجي، أي أن لا يكون له معارض، أمّا لو وُجِد له معارِض فلن يحصل اطمئنان بصحّة المعنى الذي تواترت فيه الروايات وكَثُرَتْ، وذلك كما لو وُجِدت نجاسة في إناء ضائع بين ألف إناء، فاحتمال أن يكون الإناء (ألف) هو المتنجّس واحِدٌ على ألف، لكن رغم شدّة ضعف هذا الإحتمال لن يحصل عندنا علم عرفي واطمئنان بطهارة هذا الإناء، وقد لا يجرؤ بعض الناس المتديّنين على شرب واحد من هذه الآنية، وذلك لأنه إن شرب شخصٌ واحداً منها لقال "وأستطيع أن أشربها كلّها أيضاً بالتسلسل لاحتمال أن يكون كلّ إناء أشربه فيه احتمال واحد على ألف أن يكون هو النجس الواقعي" وهذا قد يرفضه بعض المتديّنين .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo