< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/12/13

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الإستدلال بآية النفر على حجيّة خبر الثقة
ومنها : آية النفر، قال الله تبارك وتعالى﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [1][2] .
بيان كيفية الإستدلال بهذه الآية الكريمة على حجيّة خبر العادل من وجهين :
الأوّل : إنّ قولَه تعالى﴿ وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً، فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ يفيد الحضّ الكفائي على طلب العلوم الدينية، وإلاّ يختلّ نظام الحياة، لأنّ العلم ركن أساسي في الحياة . أو قُلْ : إنّ الآية الكريمة تفيد التحضيض على نفْرِ بعض الناس لدراسة العلوم الدينية بنحو الحضّ الكفائي، والحضّ الكفائي يفيد وجوب القبول والإتّباع، كأنه يبلّغُ نفسَ الحكم الواقعي تماماً، مع العلم بأنّ المتفقّه لا يتفقّه فقط بالأحكام الواقعية، وإنما يتفقّه بالأحكام الظاهرية أيضاً وبمؤدّياتها، كالناشئة من أخبار الثقات ـ خاصّةً في زماننا ـ أو من الاُصول العملية، وأنت تعلم أنّ آيةَ النفر تأمرنا بالنفر لطلب العلوم الدينية في ذاك الزمان وفي كلّ زمان . المهمّ هو أنّ هذا الحضَّ الكفائي يفيد حجيّةَ قولِ هذا البعض ـ طبعاً إذا كان ثقة، وذلك لأنه أمْرٌ مفروغٌ منه أو قُلْ لأنه أمر عقلائي مركوز في الأذهان ـ وإلاّ لما كان هناك أيّ فائدة من بعث البعض دون الكلّ ولو بالترتيب، ولأنّ الإحتياط التامّ والدائم من قبل سائر القبيلة لا يمكن، وعدمُ حجيّة قول المبلّغ الثقةِ سوف يوقع المتديّنين في الحرج والضرر، لأنّ قوله لن يفيد العلم دائماً .
فأنت إذا اتّصلت بخادمك وقلتَ له "إنّي بعثت لك ولدي لإخبارك باُمور" فهذا يعني أنّ تبليغه للخادم حجّة، أي يجب قبوله، وإلاّ للغا قولك لخادمك، وهذا أمر بديهي .
والثاني : قولُه سبحانه﴿ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ ﴾ يفيد السببَ الثاني في النفر الكفائي وهو ـ إضافةً إلى السبب الأوّل والذي هو استفادة نفس الدارس للعلوم الدينية ـ إنذارُ سائرِ الفرقة التي خرج منها . وهذا وجه آخر يفيد حجيّة خبر العالِم الديني الثقة، وإلاّ للغا الإنذار والإعلام، ولعدم إمكان الإحتياط التامّ والدائم من قبل المتديّنين، لحصول الحرج والضرر عليهم، وذلك لعدم حصول العلم دائماً مِن نقل المبلّغ الفتاوى للناس، لأنه في أغلب الأحيان يكون كلّ مبلّغ في مكان لوحده في القرية أو في المدينة حين التعليم .
ثم لعلّك تعلم أنّ معنى الإنذار هو الإعلام بأمر مهمّ، من قبيل قوله تعالى﴿يُنَزِّلُ المَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (2)﴾ [3] أي أن اَعلِموا أنه لا إله إلاّ الله ..، وكقوله سبحانه﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ، إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)﴾ [4] أي إنما أنت معلّم للشريعة ومعرّف عليها .. ومثلُها قولُه تعالى ﴿بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)﴾ [5] أي معلّم .
و﴿ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون ﴾ تفيد محبوبية الحَذَر، فإنّ ربّنا يرجو من عبيده أن يطيعوه لمصلحتهم، رجاءَ محبوبية، لا رجاء توسّل واستعطاف، فرَبُّنا تعالى لا يجبر عبيدَه على الطاعة عنوةً، وإنما يحبّ ويتمنّى مِنْ عبيده الحَذَر، ولذلك نستفيد من هذا الرجاء الربوبي محبوبيةَ الحذَرِ ومطلوبيتَه، إذن كلمة ﴿ لعلَّهُمْ ﴾ مستعملةٌ في معناها الحقيقي تماماً . فإنّ الباري تعالى حينما يُرسل الرسلَ يَتمنّى لعبيده التوفيقَ لنيل مراضيه ويرجو لهم الهدايةَ وكلّ خير، وليس في هذا أدنى نقص في ساحة عظمة المولى جلّ وعلا، بل هذا عين الشفقة والرحمة والرأفة من الله اتجاه عبيده . ولذلك نقول إنّ قولَه تعالى﴿ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ إشارةٌ إلى اختيار الإنسان، وأنّ أمْرَهُ ليس مفروغاً منه، وهذا يعطي أمَلاً عند الإنسان في احتمال حذَرِهِ وفي احتمال سلوكِ طريق الخير والصلاح كما صرّح أئمتنا (عليهم السلام) بذلك في عدة روايات صحيحة .
لكنْ قولُه تعالى﴿ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون ﴾ لا يفيد أنّ خبر الثقة ـ الذي لا يفيد عِلْماً ـ هو حجّة، لأنّ الحذر يشمل الإحتياطَ العقلي أيضاً بوضوح، فلعلّ المراد (لعلّهم يحتاطون في الأحكام الإلزامية التي يسمعونها من العالِم الديني) كما يحتاط الشخصُ أنْ يَمشِيَ في الطريق الفلانية إذا احتمل وجودَ خطرٍ فيها، حَذَراً من أن يقع في قبضة قطّاع الطرق مثلاً أو الوحوش ونحو ذلك . فالحذر والإحتياط العقلي واجب، ولكن هذا لا يعني إفادةَ حجيّةِ خبر الثقة .
وقد تَستشكل على الإستدلال بهذه الآية المباركة فتقول : يُحتمَلُ أن يكون مراد الآية أن الحجيّة مقتصرة على تعليم خصوص ما تعلّمه المتفقّه، فمع شكّ الناس في ذلك لا يجب الإتّباع .
والجواب : إذن بناءً على هذا تبطل الفائدة من تبليغهم، إذ قد يشكّ المبلَغُ في كلّ حكم أو في بعض الأحكام أن يكون المبلِغ قد درَسَ هذه المسألةَ الفلانية، وح يبطل تبليغ المبلِغ عملياً .


[1] قال الله تعالى﴿ مَا كَانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ، إِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ (120) وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ، لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121) وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ـ أي إلى الجهاد بدليل السياق ـ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ـ إذَنْ قِسْمٌ إلى الجهاد وقِسْمٌ إلى طلب العلوم الدينية ـ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ .(123) ﴾ سورة التوبة

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo