< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/12/19

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: أدلّة حجيّة خبر الواحد من الروايات

لا يزال الكلامُ في البحث الثاني، وهو في أدلَّة حجّيّة الخبر،
وقلنا إنه اُستُدِلّ على حجّية خبر الواحد بوجوه أربعة،
وذكرنا الوجهَ الأوّل الذي كان في الأدلّةَ على حجيّة خبر الواحد من القرآن الكريم،

والآن نذكرُ الوجهَ الثاني وهو : الأدلّةَ على حجيّة خبر الواحد من السنّة الشريفة، فنقول :

اُستُدِلّ على حجيّة خبر الثقة بالروايات التالية :
1 ـ روى الشيخ الكليني في الكافي عن محمد بن عبد الله الحِمْيَري ومحمد بن يحيى جميعاً عن عبد الله بن جعفر الحِمْيَري قال : اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو عند أحمد بن إسحاق(الرازي ثقة رضيَ اللهُ عنه) فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف فقلت له : يا أبا عمرو، إنّي أريد أن أسألك عن شيء، وما أنا بشاكّ فيما أريد أن أسألك عنه، فإنّ اعتقادي وديني أنّ الأرض لا تخلو من حجّة، إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رُفِعَتِ الحجّة، واُغلق باب التوبة، فلم يك ينفع نفساً إيمانُها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً، فأولئك أشرار من خلق الله عزّ وجلّ، وهم الذين تقوم عليهم القيامة . ولكنّي أحببت أن أزداد يقيناً، وإنّ إبراهيم (عليه السلام) سأل ربه عزّ وجلّ أن يريه كيف يحيى الموتى قال أو لم تؤمن، قال بلى، ولكن ليطمئن قلبي . وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن(الهادي) (عليه السلام) قال : سألته وقلت من أعامل ؟ وعمّن آخذ ؟ وقول من أقبل ؟ فقال له : (العَمْرِيّ ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعَنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطِعْ، فإنّه الثّقة المأمون )[1]، وأخبرني أبو علي أنّه سأل أبا محمّد (عليه السلام) عن مثل ذلك فقال له : ( العَمْري وابنُه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك عنّي فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثّقتان المأمونان )[2] فهذا قول إمامين قد مضيا فيك . قال : فخرّ أبو عمرو ساجداً وبكى . ثمّ قال : سل حاجتك، فقلت له :أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمّد (عليه السلام) فقال : أي واللهِ، ورقبَتُهُ مِثْلُ ذا ـ وأومأ بيده ـ فقلت له : فبقيت واحدة، فقال لي : هات . قلت : فالإسم ؟ قال : محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلِّل ولا أحرّم، ولكن عنه (عليه السلام)، فإنّ الأمر عند السلطان أن أبا محمّد مضى ولم يخلِّف ولداً، وقسّم ميراثه، وأخَذَهُ مَن لا حقّ له فيه، وهو ذا عياله يجولون، ليس أحد يجسر أن يتعرّف إليهم أو يُنيلهم شيئاً، وإذا وقع الإسمُ وقع الطلبُ، فاتقوا اللهَ وأمسكوا عن ذلك"(صحيحة من الصحيح الأعلائي) .

2 ـ ومنها : حديث عبد الله بن أبي يعفور، وقد رُوِيَ بسندين إلى أحمد بن محمّد بن عيسى : أحدهما : ما رواه الكشّي في رجاله عن محمّد بن قولويه(من خيار أصحاب سعد بن عبد الله) قال حدّثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمّي قال حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى، والثاني : ما روي في الإختصاص المنسوب إلى الشيخ المفيد قال : حدّثنا محمّد بن الحسن(بن الوليد) عن محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبد الله عن أحمد بن محمّد بن عيسى .
ثمّ إنّ أحمد بن محمّد بن عيسى يروي هذا الحديث عن عبد الله بن محمّد الحجّال(ثقة ثبت وجه) عن العلاء بن رزين عن عبد الله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إنّه ليس كلّ ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم ويجيء الرّجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كلّ ما يسألني عنه فقال : ( ما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفي، فإنّه سمع من أبي (مَرْضيّاً ـ الإختصاص) )[3] لا تبعد صحّة السند .
وعلى أيّ حال فهذا الحديث قد ورد سنده في كتاب الإختصاص المنسوب إلى الشيخ المفيد هكذا : ( حدّثنا محمّد بن الحسن(بن الوليد) عن محمّد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبد الله عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عبد الله بن محمّد الحجال عن العلاء بن رزين عن عبد الله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)... إلخ ) . قال اُستاذنا السيد كاظم الحائري : ( ومن البعيد جداً افتراض كون القائل لعبارة ( حدّثنا محمّد بن الحسن ... ) هو الشيخ المفيد، لأنّ محمّد بن الحسن بن الوليد توفي في سنة ثلاثمئة وثلاث وأربعين حسب نقل النجاشي، والشيخ المفيد وُلِدَ في سنة ثلاثمئة وست وثلاثين حسب نقل النجاشي، أو في سنة ثلاثمئة وثمان وثلاثين حسب نقل الشيخ الطوسي، وهذا يعني أنّ الشيخ المفيد كان عمره عند وفاة محمّد بن الحسن بن الوليد ما يقارب سبع سنين أو خمس سنين . إذن فعبارة ( حدّثنا محمّد بن الحسن ... ) هي على الأكثر للشيخ أبي علي أحمد بن الحسين بن أحمد بن عمران، وهو غير معروف لدينا)([4]) . والمراد من ( وجيهاً ) أو ( مَرْضيّاً) هنا ـ أي في مقام الأخبار ـ الوثاقة .
3 ـ ومنها : ما رواه الكشّي عن محمّد بن قولويه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عبد الله بن محمّد الحجّال عن يونس بن يعقوب قال : كنّا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال : (أما لكم من مفزع، أما لكم من مستراح تستريحون إليه ! ما يمنعكم من الحرث بن المغيرة النضري ؟! ) صحيحة السند، وكأنّ الإمام يقول (ما يمنعكم من فلان ! أليس هو ثقة ؟! ) .
ـ ومنها : ما رواه الشيخ في كتاب الغيبة عن جماعة عن جعفر بن محمّد بن قولويه وأبي غالب الزّراري وغيرهما كلَّهم عن محمّد بن يعقوب عن إسحاق بن يعقوب قال : إنّي سألت العمري(محمّد بن عثمان) رضى الله عنه أن يوصل إلى الصاحب عجّل الله فرجه الشريف كتاباً فيه تلك المسائل التي قد أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخطِّه عليه آلاف الصلاة والسلام، فورد التوقيع بخطَّه (عليه السلام): ( أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك .. ـ إلى أن قال ـ : ( وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة الله)[5] .
لا يبعد الإطمئنان بصدور هذه الرواية، إذ أنّ المشكلة هي في إسحق بن يعقوب فقط، ونحن نظنّ قوياً بوثاقته لأكثر من قرينة، منها قول الشيخ الطوسي إنّ "التوقيعات مِن قِبَلِ صاحب الزمان (عج) كانت لا ترد إلاّ إلى المتّقين الورعين" وذلك لشدّة التقيّة بحيث كان يحرم ذكر الإسم أيضاً، على ما قرأتَ في الرواية الاُولى، وقد نقل الشيخ الخبير ـ الشيخ الكليني ـ هذه الروايةَ في عصر الغيبة عن هكذا شخص، في ذلك الزمان، ممّا يورث الظنّ القويّ بوثاقة إسحق بن يعقوب، بل كونه من المراتب العالية جداً من الوثاقة والأمانة، بل كيف ينقل الشيخ الكليني هذه الرواية عنه وهو يدّعي ويقول بخطَّ صاحب الزمان، وكيف ينقلها الصدوق أيضاً من دون اعتبار إسحق عنده ؟!
على أنك ترى في نهاية التوقيع ـ في كتاب إكمال الدين للصدوق ـ ( والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب الكليني وعلى من اتّبع الهدى) ممّا يورث الظنّ أيضاً بأنه أخ محمد بن يعقوب الكليني، لا بل ادّعى فعلاً الشيخ التستري في قاموس الرجال بأنه أخوه .
وفي كتاب مستدرك علم رجال الحديث للشيخ علي النمازي الشاهرودي قدس سره /الجزء الأول : ( 148 / 2021 ـ إسحاق بن يعقوب بن إسحاق أبو محمد البغدادي : لم يذكروه . روى محمد بن يعقوب الكليني عنه عن محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه، كما في كمال الدين باب 49 عن الكليني عنه قال : سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام : أما ما سألت عنه ـ أرشدك الله وثبتك ـ من أمر المنكرين لي ... إلى آخره ... وفيه دلالة على جلالة الرجل وعلو شأنه)(إنتهى) .
وتقريبها أن وضوح ارتكاز الوثاقة في ( رواة أحاديثنا ) سواء كان المراد من ( رواة أحاديثنا ) هم الفقهاء أم كان المراد منهم مجرّد الرواة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo