< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/12/26

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: لا يزال الكلامُ في الأدلّةَ على حجيّة خبر الواحد من السنّة الشريفة

لا يزال الكلامُ في الأدلّةَ على حجيّة خبر الواحد من السنّة الشريفة، ووصلنا إلى الحديث الثامن وهو :
8 ـ وفي الإحتجاج عن الحسن بن الجهم(ثقة) عن الرضا (عليه السلام) قال قلت له : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيهما الحقُّ ؟ قال : ( فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت)[1] مرسلة السند، وذلك بتقريب وضوح الإرتكاز عند المتشرّعة في حجيّة خبر الثقة .
9 ـ وأيضاً في الإحتجاج عن الحارث بن المغيرة(ثقة ثقة) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم عليه السلام فترد إليه )[2] مرسلة السند، وذلك بتقريب تصريح الإمام بحجيّة أخبار الثقات، أو على الأقلّ هذه الرواية توهمُ إفادة الحجيّة لخبر الثقة، فلو لم يكن خبره حجّة شرعاً لما كان من الحكمة استعمال هكذا اسلوب موهم للحجيّة .
10 ـ وفي يب بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن ذبيان بن حكيم عن موسى بن أكيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سئل عن رجل يكون بينه وبين أخٍ له منازعة في حقّ، فيتفقان على رجلين يكونان بينهما، فحكما فاختلفا فيما حكما ؟ قال : ( وكيف يختلفان ؟ ) قال : حكم كل واحد منهما للذي اختاره الخصمان ! فقال : ( ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله فيمضى حكمه )[3] .
11 ـ وروى الشيخ الطوسي في كتابه العدّة عن الصادق (عليه السلام) قال : ( إذا نزلت بكم حادثة لا تعلمون حكمها فيما ورد عَنّا فانظروا إلى ما رووه عن عليّ (عليه السلام) فاعملوا به )[4] أي إذا كانوا ثقات .
12 ـ ومنها ما رواه الفيض الكاشاني في الوافي عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته فقلت : جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان، فبأيهما آخذ ؟ فقال (عليه السلام): (يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر )، فقلت : يا سيدي إنهما معاً مشهوران مرويان مأثوران عنكم ! فقال : ( خُذْ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك )، فقلت : إنهما معاً عدلان مرضيان موثّقان ! فقال : ( اُنظُرْ إلى ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه وخذ بما خالفهم، فإنّ الحق فيما خالفهم )، قلت : ربما كانا معاً موافقين لها أو مخالفين، فكيف أصنع ؟ فقال : (إذن فخذ فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الإحتياط )[5]، ورواها أيضاً في عوالي اللآلئ قال : وروى العلامة قدست نفسه مرفوعاً إلى زرارة قال : سألت الباقر (عليه السلام) فقلت ..[6] مرسلة السند .
13 ـ ومنها : حديث عبد الله بن أبي يعفور، وقد رُوِيَ بسندين إلى أحمد بن محمّد بن عيسى :
أحدهما : ما رواه الكشّي في رجاله عن محمّد بن قولويه(من خيار أصحاب سعد بن عبد الله) قال حدّثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمّي قال حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى،
والثاني : ما روي في الإختصاص المنسوب إلى الشيخ المفيد قال : حدّثنا محمّد بن الحسن(بن الوليد) عن محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبد الله عن أحمد بن محمّد بن عيسى .
ثمّ إنّ أحمد بن محمّد بن عيسى يروي هذا الحديث عن عبد الله بن محمّد الحجّال(ثقة ثبت وجه) عن العلاء بن رزين عن عبد الله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إنّه ليس كلّ ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم ويجيء الرّجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كلّ ما يسألني عنه فقال : ( ما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفي، فإنّه سمع من أبي وكان عنده وجيهاً (مَرْضيّاً ـ الإختصاص) )[7] لا تبعد صحّة السند .
وعلى أيّ حال فهذا الحديث قد ورد سنده في كتاب الإختصاص المنسوب إلى الشيخ المفيد هكذا : ( حدّثنا محمّد بن الحسن(بن الوليد) عن محمّد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبد الله عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عبد الله بن محمّد الحجال عن العلاء بن رزين عن عبد الله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)... إلخ ) . قال اُستاذنا السيد كاظم الحائري : (ومن البعيد جداً افتراض كون القائل لعبارة ( حدّثنا محمّد بن الحسن ... ) هو الشيخ المفيد، لأنّ محمّد بن الحسن بن الوليد توفي في سنة ثلاثمئة وثلاث وأربعين حسب نقل النجاشي، والشيخ المفيد وُلِدَ في سنة ثلاثمئة وست وثلاثين حسب نقل النجاشي، أو في سنة ثلاثمئة وثمان وثلاثين حسب نقل الشيخ الطوسي، وهذا يعني أنّ الشيخ المفيد كان عمره عند وفاة محمّد بن الحسن بن الوليد ما يقارب سبع سنين أو خمس سنين . إذن فعبارة ( حدّثنا محمّد بن الحسن ... ) هي على الأكثرللشيخ أبي علي أحمد بن الحسين بن أحمد بن عمران، وهو غير معروف لدينا)[8].
أقول : من يراجع الإختصاص يجد أنّ المراد من فاعل حدّثنا هو محمد بن الحسين بن سفيان البزوفري بلا شكّ .
والمراد من ( وجيهاً ) أو ( مَرْضيّاً ) هنا ـ أي في مقام الأخبار ـ الوثاقة .
14 ـ ومنها : ما عن غيبة الشيخ الطوسي قال أبو الحسين بن تمام حدّثني عبد الله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح قال : سئل الشيخ يعني أبا القاسم عن كتب ابن أبي الغراقر بعدما ذُمّ وخرجت فيه اللَّعنة، فقيل له : فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملآء ؟ فقال : أقول فيها ما قاله أبو محمّد الحسن بن عليّ صلوات الله عليهما وقد سئل عن كتب بني فضّال فقالوا كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملآء ؟ فقال صلوات الله عليه : ( خذوا بما رووا وذروا ما رأوا )[9]، وذلك بتقريب أنّ علّة الرجوع إليهم ـ رغم أنهم فطحيّون ـ ليست إلاّ لوثاقتهم .
15 ـ ومنها : ما رواه الكشّي عن محمّد بن قولويه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عبد الله بن محمّد الحجّال عن يونس بن يعقوب قال : كنّا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال : (أما لكم من مفزع، أما لكم من مستراح تستريحون إليه ! ما يمنعكم من الحرث بن المغيرة النضري ؟! )[10] صحيحة السند، وكأنّ الإمام يقول (ما يمنعكم من فلان ! أليس هو ثقة ؟! ) .
ـ ومنها : ما رواه الشيخ في كتاب الغيبة عن جماعة عن جعفر بن محمّد بن قولويه وأبي غالب الزّراري وغيرهما كلّهم عن محمّد بن يعقوب(بن إسحق الرازي الكليني البغدادي) عن إسحق بن يعقوب(بن إسحق الكليني البغدادي) قال : إنّي سألت العَمْري(محمّد بن عثمان) رضِيَ اللهُ عنه أن يوصل إلى الصاحب عجّل الله فرجه الشريف كتاباً فيه تلك المسائل التي قد أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخطّه عليه آلاف الصلاة والسلام، فورد التوقيع بخطّه (عليه السلام): ( أمّا ما سألت عنه أرشدَك اللهُ وثبَّتَك .. )[11] ـ إلى أن قال ـ : ( وأمّا الحوادثُ الواقعةُ فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّةُ اللهِ عليهم ... والسلام عليك يا إسحق بن يعقوب الكليني وعلى من اتّبع الهدى )[12] .
قال النجاشي : (محمد يعقوب بن إسحق الرازي الكليني) وقبرُه الشريف في سوق بغداد قرب جسر مشهور ويزوره الناس .
وأمّا إسحق بن يعقوب فهو ـ كما قال عنه الشيخ علي النمازي الشاهرودي قدس سره في كتابه مستدرك علم رجال الحديث ـ : (إسحق بن يعقوب بن إسحق البغدادي)[13].
وفي كمال الدين للصدوق قال : حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه ... وفي نهاية التوقيع ( والسلام عليك يا إسحق بن يعقوب الكليني وعلى من اتّبع الهدى) ...
من جميع القرائن المشتركة في إسم الأب والجدّ والنسبة بلحاظ المكانَين ـ كُلَين وبغداد ـ والزمان ـ الغيبة الصغرى ـ وو .. يحصل ظنّ قويّ بأنه أخ محمد بن يعقوب بن إسحق الكليني، لا بل ادّعى فعلاً الشيخُ التستري في قاموس الرجال بأنه أخوه .
يبقى الكلام في وثاقته فأقول :
عندنا عدّة قرائن على وثاقته وهي :
ـ روى الصدوق في الإكمال
قال : حدثني أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله عن إسحق بن يعقوب قال : سمعت الشيخ العمري رضي الله عنه يقول : صحبت رجلاً من أهل السواد ومعه مالٌ للغريم (عليه السلام) فأنفذه فرد عليه، وقيل له : أخرج حق ولد عمك منه وهو أربعمئة درهم، فبقي الرجل متحيراً باهتاً متعجباً، ونظر في حساب المال وكانت في يده ضيعة لولد عمه قد كان رد عليهم بعضَها وزَوَى عنهم بعضَها، فإذا الذي نض لهم من ذلك المال أربعمئة درهم، كما قال (عليه السلام)، فأخرجه وأنفذ الباقي فقَبِلَ ...
ـ ومنها قول الشيخ الطوسي إنّ "التوقيعات مِن قِبَلِ صاحب الزمان (عج) كانت لا ترد إلاّ إلى المتّقين الورعين" وذلك لشدّة التقيّة بحيث كان يحرم ذِكْرُ الإسمِ أيضاً، على ما قرأتَ في الرواية الاُولى، وقد نقل الشيخ الخبير ـ الشيخ الكليني ـ هذه الروايةَ في عصر الغيبة عن هكذا شخص، في ذلك الزمان .
بل كيف ينقل الشيخ الكليني هذه الرواية عنه وهو يدّعي ويقول بخطِّ صاحب الزمان،
وكيف ينقلها الصدوق أيضاً من دون اعتبار إسحق عنده ؟!
من مجموع القرائن يحصل ظنّ قويّ بوثاقة إسحق بن يعقوب، بل كونه من المراتب العالية جداً من الوثاقة والأمانة .
ولك أن تقول : إنه لا يبعد الإطمئنان بصدور هذه الرواية .
وأمّا تقريب الإستدلال بها فهو احتمال إرادة إعطاء الحجيّة لرواة الأحاديث من حيث هم رواة، واستفادة خصوص الثقات منهم أو خصوص العدول منهم يكون من ارتكاز المتشرّعة في قضيّة الإرجاع وفي صاحب الرواية الحجّة.


[8] هذه العبارة هي للسيد كاظم الحائري في كتابه مباحث الاُصول، ج2، ص510، من القسم الثاني، وإن كنّا نشكّ في صحّة استظهار استاذنا، وذلك لرواية المفيد عن الشيخ الصدوق عن ابن الوليد عن الصفّار، ولرواية المفيد عن أبي محمد الحسن بن حمزة عن ابن الوليد، ولروايته ـ في أوائل الإختصاص ص 5 ـ عن جعفر بن الحسين المؤمن عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى، وفيه أيضاً، أحمد بن محمد بن يحيى عن الحميري عن محمد بن الوليد ... كما أننا نظن قوياً أنّ أحمد بن الحسين بن أحمد هو أحد اثنين وكلاهما ثقتان، راجع جامع الرواة ج 1 ص 46، مادّة أحمد بن الحسين بن أحمد.
[11] هذا الدعاء قرينةٌ على حُسْنِ إسحق بن يعقوب، بل كلّ ألفاظ هذا التوقيع، ومعرفته بالنائب يالخاصّ قرائن على صدور هذا التوقيع.
[13] في كتاب مستدرك علم رجال الحديث للشيخ علي النمازي الشاهرودي قدس سرُّه/الجزء الأول، "148 / 2021 ـ إسحاق بن يعقوب بن إسحاق أبو محمد البغدادي، لم يذكروه . روى محمد بن يعقوب الكليني عنه عن محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه، كما في كمال الدين باب 49 عن الكليني عنه قال، سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام، أما ما سألت عنه ـ أرشدك الله وثبتك ـ من أمر المنكرين لي ... إلى آخره ... وفيه دلالة على جلالة الرجل وعلو شأنه .إنتهى

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo