< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/01/18

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان : الكلامُ في حجيّة إخبار الثقة في الموضوعات

* وكذلك الروايات تُفَصّلُ بين الاُمور الخطيرة كالإخبار عن الغَير بالزنا أو اللواط، والاُمور الحقيرة كعَزْلِ الموكِّلِ عن الوكالة، والمتوسّطة الخطورة كدخول شهر رمضان وكما في الدعاوَى العاديّة بالمال ونحوه، وهي على طائفتين :
أمّا الطائفة الاُولى التي ادّعي إفادتها الحجيّةَ لخبر الثقة فهي :
1 ـ ما رواه في الكافي عن محمد بن عبد الله الحِمْيَري ومحمد بن يحيى جميعاً عن عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن إسحاق(الرازي ثقة رضيَ اللهُ عنه) عن أبي الحسن(الهادي) (عليه السلام)قال : سألتُه وقلتُ : مَن أعامل ؟ وعمَّنْ آخذ ؟ وقولَ مَن أَقبَلُ ؟ فقال : ( العَمْري ثقتي، فما أدَّى إليك عنّي فعَنّي يؤدي، وما قال لك عني فعَنّي يقول، فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون )، قال : وسألت أبا محمد (عليه السلام) عن مثل ذلك فقال : ( العَمْرِيُّ وابنُه ثقتان، فما أدَّيا إليك عَنّي فعَنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان )[1] (صحيحة من الصحيح الأعلائي)، وذلك بتقريب استخدام العلّة في تصديق إخبار العَمْري وابنه ـ وهي الوثاقة ـ، فلأجل هذه العلّة قُبِلَ ادّعاؤهما بأنّ هذه الرسائل هي رسائل الإمام (عج) .
فإن قلتَ : لكن يحصل العلم الوجداني بصدق ادّعاء هذين الثقتين المأمونين، فلا تدلّ هذه الرواية على ما نريد، وهو حجيّة خبر الثقة في الموضوعات تعبّداً وشرعاً مع عدم حصول العلم أو الإطمئنان .
قلتُ : ما ذكرتَه مِن حصول العلم الوجداني أمر صحيح، لكنّ الإمام يعرف ماذا يقول، فلم يقل بأنّ العلّة هي حصول العلم، وإنما قال بأنّ العلّة في تصديقهم هي الوثاقة، فقد فرّع حجيّةَ قوله على الوثاقة، وبالتالي نحن نتمسّك بالتعليل والتفريع الواضحَين مِن حرفِ الفاء في قوله(عليه السلام)( العَمْري ثقتي، فما أدَّى إليك عنّي فعَنّي يؤدي ) أو ( ثقتان، فما ) فمن كان ثقة نقول إذن ما أدّاه إلينا عنهم (عليهم السلام) فَعَنْهُم يُؤَدّي .. تمسّكاً بالتعليل والتفريع الواضحين .
2 ـ وروى في التهذيب بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن عيسى بن عبيد عن (الفقيه) محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم(ثقة ثقة) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل وكَّلَ آخرَ على وكالةٍ في إمضاء أمْرٍ من الأمور واَشهَدَ له بذلك شاهدين، فقام الوكيلُ فخرج لإمضاء الأمر، فقال ـ أي الموكّلُ ـ اشهدوا أني قد عزلت فلاناً عن الوكالة ! فقال : ( إنْ كان الوكيل أمضَى الأمْرَ الذي وُكِّلَ فيه قبل العزل عن الوكالة فإنّ الأمْرَ واقِعٌ ماضٍ على إمضاء الوكيل، كره الموكِّلُ أم رَضِيَ )، قلتُ : فإنّ الوكيلَ أمضَى الأمْرَ قبْل أن يعلم بالعزل أو يَبْلُغَهُ أنه قد عُزِلَ عن الوكالة فالأمْرُ على ما أمضاه ؟ قال : ( نعم )، قلت له : فإنْ بَلَغَهُ العزْلُ قبل أن يُمْضِيَ الأمْرَ ثم ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشيء ؟ قال : (نعم، إنّ الوكيل إذا وُكِّلَ ثم قام عن المجلس فأمْرُهُ ماضٍ أبداً، والوكالةُ ثابتةٌ حتى يَبْلُغَهُ العزْلُ عن الوكالة، بِثِقَةٍ يُبَلِّغُه أو يُشافَه بالعزْل عن الوكالة )[2] صحيحة السند، وذلك ببيان عدم وجود فرق بين أن يبلّغه بالعزل أو بأمر آخر، إذ لا ميزة في العزل، على أنّ تقديمَ خبرِ الثقة على العِلْم من خلال المشافهة تنبيه على حجيّة خبر الثقة .
أقول : في التقريب المذكورِ تأمّلٌ واضح، وذلك لاحتمال وجود فرق بين قضيّة العزل وبين غيره، إذ أنّ العقلاء ـ حتى البسطاء منهم ـ يَمنعون الوكيلَ عن التصرّف بالوكالة طالما جاءه ثقةٌ بالعزل، ولو من باب الإحتياط العقلي، خاصّةً في الاُمور المهمّة والخطيرة كالتوكيل بالطلاق أو ببيع أو شراء بضاعة غالية الثمن .
3 ـ وروى في يب أيضاً بإسناده عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن عبد الله بن جبلة عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن رجل كانت له عندي دنانير وكان مريضاً، فقال لي ( اِنْ حَدَثَ بي حدَثٌ فاَعْطِ فلاناً عشرين ديناراً، واَعْطِ أخي بقية الدنانير ) فمات ولم اَشهَدْ موتَه، فأتاني رجلٌ مسلِمٌ صادقٌ فقال لي : إنه أمرني اَنْ أقول لك "اُنظُرْ الدنانيرَ التي أمرتُك اَن تدفعها إلى أخي، فتصدقْ منها بعشرة دنانير، اُقْسُمْها في المسلمين" ولم يعلم أخوه اَنّ عندي شيئاً ؟ فقال : ( أرى أن تصدق منها بعشرة دنانير )[3] موثّقة السند، ورواها الكليني عن محمد بن يحيى، ورواها الصدوق باسناده عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن عبد الله بن حبيب عن إسحاق بن عمار .
أقول : قد يطمئنّ الإنسانُ العادي من إخبار هذا المؤمن الصادق، إذ لا ناقَةَ له في هذا الإخبارِ ولا جَمَل، فيَبْعُدُ كَذِبُ هذا (المسلم الصادق)، خاصةً مع قول السائل "صادق" فإنها إشارة إلى وجود أمارة الصدق في كلامه .
4 ـ وروى في الكافي عن عدة من أصحابنا(فيهم الثقات كـ عليّ بن ابراهيم) عن أحمد بن محمد(مردّد بين ابن خالد وابن عيسى وكلاهما ثقتان) عن الحسن بن علي بن يقطين(ثقة فقيه) عن أخيه الحسين(ثقة) عن علي بن يقطين(ثقة جليل القدر) قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام)عمَّنْ يَلِي صدقةَ العُشْر، على مَن لا بأس به ؟ فقال : (إن كان ثقة فمُرْهُ أن يضعها في مواضعها، وإن لم يكن ثقة فخذها أنت وضعها في مواضعها )[4] صحيحة السند، وذلك بتقريب الملازمة بين الوثاقة والأمانة، أو لوحدة معنييهما في هكذا مورد .
فإن قلتَ : يحصل عادةً وثوقٌ واطمئنان بأنّ هذا الصادق لن يسرق مال الزكاة، وإنما سيضعها في مواضعها، على أنّ إعطاء الزكاة لثقة ليضعها في موضعها الشرعي أمْرٌ مقبولٌ عقلائياً، ومثلُها ما بَعدَها .
قلتُ : لكنْ قطعاً الأولويةُ واضحة، فإنّ مَن كان أميناً، مع وجود المقتضي لسرقة المال فقطعاً لن يكذب في الإخبار التي يَضْعُفُ فيها عادةً مقتضي الكذب، على أنّ الرادع النفسي والوازع الديني الموجود عند الأمين علّةٌ كافية في الصدق، فإذا كان الإعطاء للأمين كاف شرعاً، فقول الصادق كافٍ شرعاً أي حجّة . ومثلُها ما بعدها .
5 ـ وأيضاً في الكافي عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن محبوب عن صالح بن رزين(مجهول) عن شهاب بن عبد ربه(ثقة) ـ في حديث ـ قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إني إذا وجبت زكاتي أخرجتها فأدفع منها إلى من أثق به يقسمها ؟ قال : ( نعم، لا بأس بذلك، أما إنّه أحد المعطِين )[5]، قد تصحّح من باب أنّ راويها أحد أصحاب الإجماع وهو ابن محبوب .

* وقد يُستدَلّ بروايات وَرَدَت في مورد ذي اليد من قبيل :
6 ـ ما رواه في التهذيبين بإسناده عن علي بن إسماعيل عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام)في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول إني لم أطأها ؟ فقال : ( إنْ وَثِقَ به فلا بأس أن يأتيها )[6] صحيحة السند، ورواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير مثله .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo