< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/01/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : هل تصحّ الصلاة في جلد السنجاب ؟
كان الكلام أمس حول صحّة الصلاة في السنجاب، وقد استشكلنا في ذلك .
ذهب جماعةٌ إلى جواز الصلاة في السنجاب، بل نُسِبَ هذا القول إلى الأكثر، وإلى المشهور، بل نُقِل عن الشيخ عدمُ الخلاف في ذلك، بل نسب إلى دين الإمامية، ذهب إلى ذلك السيد اليزدي في العروة والإمام الخميني والسيد الخوئي والسيد علي السيستاني والسيد أبو الحسن الإصفهاني والشيخ علي الجواهري والسيد محمد الفيروزآبادي والشيخ عبد الكريم الحائري والآقا ضياء الدين العراقي والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والسيد عبد الهادي الشيرازي والسيد تقي القمّي .
وذهب جماعةٌ إلى عدم الجواز، منهم الصدوق في الفقيه والشيخ الطوسي وابن إدريس الحلّي وبعض المتأخّرين، بل نسب إلى الأكثر، بل نقل عليه الإجماع أيضاً، مستدلّين بقصور ما دلّ على الجواز سنداً، وإمكان حمله على التقيّة، وأنّ السنجاب ذُكِر في عرض السمّور الذي لا تجوز الصلاة فيه، ولمعارضته لموثقة ابن بكير، ولم أرَ مِنَ المعاصرين مَنْ مَنَعَ بنحو الفتوى من الصلاة فيه .
وذهب آخرون إلى وجوب الإحتياط، كالسيد محسن الحكيم والشيخ محمد رضا آل ياسين والسيد حسين البُرُوجُرْدي والسيد أحمد الخوانساري والسيد الگلپايگاني والميرزا حسين النائيني والسيد محمود الشاهرودي والسيد محمد هادي الميلاني والسيد أبو الحسن الرفيعي،
أقول : وهو الحقّ .
قيل وذهب بعض إلى الكراهة .

والعمدةُ هي النصوص، وهي على طائفتين : وقد ذكرناهما في الدروس السابقة فلا نعيد .
المهمّ هو أنّ الملاحِظَ للروايات لا بدّ أن يحتاط، لأنّ الروايات لا تخلو من إشكالات، إمّا سَنَديّة وإمّا مَتْنِيّة، فهي تشتمل على ما ليس بصحيح كالصلاة في الفَنَك والثعالب .

والمناط عدمُ إمكانِ التستُّرِ به عادةً لصغره، مثل العمامة الملفوفة والقلنسوة والحزام والجورب، حتى ولو أمكن التستّر به بتغيير هيأتها، كما لو حُلَّتِ العمامةُ وخرجت عن كونها عمامة، فإنك لا يصحّ أن تلفّها كالملفّ العريض على كلّ بطنك ـ أي بعَرْضِها العَريض ـ وهي متنجّسة، وذلك لأنها في هكذا حالة يمكن تستيرُ العورةِ بها، بخلاف ما لو جعلتَها مرّة ثانية عمامةً أو تكّة رفيعة، فالعبرة إذن بهيأتها الفعلية .

دليلُنا : صحيحة زرارة السابقة عن أحدهما) عليهما السلام)

محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين عن علي بن أسباط، عن علي بن عقبة، عن زرارة، عن أحدهما عليهما السلام قال: كل ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بان يكون عليه الشئ مثل القلنسوة والتكة والجورب. [1]

مع أنّ المذكورات قابلة لستر العورة إذا نَقَضْتَها ثم ربطتها بحبل على العورة وشددتها،

وكذا لروايته السالفة الذكر.
قال قلت لأبي عبد الله )عليه السلام) : إن قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثم صليت ؟ فقال : ( لا بأس )[2]

ولمرسلة حمّاد بن عثمان السابقة عمَّنْ رواه
سعد عن محمد بن الحسين عن أيوب بن نوح عن صفوان ابن يحيى ومحمد بن يحيى الصيرفي عن حماد بن عثمان عمن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي في الخف الذي قد أصابه قذر فقال: إذا كان مما لا يتم فيه الصلاة فلا بأس [3].

وبإسناده عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، وعن محمد بن يحيى الصيرفي، عن حماد بن عثمان، عمن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي في الخف الذي قد أصابه القذر، فقال: إذا كان مما لا تتم فيه الصلاة فلا بأس[4]

ولمرسلة عبد الله بن سنان عمن أخبره عن أبي عبد الله )عليه السلام) أنه قال : ( كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يُصَلّيَ فيه، وإن كان فيه قذَرٌ، مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفين وما أشبه ذلك )[5].
أمّا قضيّة العمامة فهي مسألة خلافية، فقد صرّح الشيخ الصدوق [6] بذلك في المقنع ص14 قال : ( وإن أصاب عمامتك أو قلنسوتك أو تكّتك أو جوربَك أو خفّك مَنِيٌّ أو بول أو دم أو غائط فلا بأس بالصّلاة فيه، وذلك أنّ الصّلاة لا تتمّ في شيء من هذا وحده) (إنتهى)، وقد أخذ هذا الكلامَ من أبيه ـ كعادته ـ فقد قال أبوه في (الفقه الرضويّ) (فإن أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكة أو الجورب أو الخف مَنِيّ أو بول أو دم أو غائط فلا بأس بالصلاة فيه وذلك أن الصلاة لا تتمُّ في شيء من هذا وحده)[7] .
أقول : العمامةُ الملفوفةُ على ما هي عليه فعلاً لا تُستَرُ بها العورةُ ـ حتى وإن كانت لو فُتِحَتْ لسَتَرَتِ العورةَ ـ ويَفهم العرفُ ممّا "لا تتمّ فيه الصلاةُ لوحده" الهيأةَ الفعلية، كما تقول "هذه زوجتي" فيفهم العرف أنها فعلاً زوجتك، وليست بعد الطلاق هي زوجتك، وكذا لو قال لك المولى : أعطني كتاباً، فلا يحقّ لك أن تعطيَه أوراقاً، بحيث لو جمعها لكانت كتاباً !! وهذه فِعْلاً ـ أي طالما هي على هذه الهيأة ـ لا تتمّ فيها الصلاة، وذلك لأنّ كلّ المذكورات في الروايات قابلةٌ لستر العورة بها إن عَمِلْتَ لها طريقةً معيّنة، كما لو خرّبت القلنسوة وأرجعتها خرقة وشددتها بحبل مثلاً وسترت بها العورة، وكذا الجورب والتكّة، فإنّ بعض التكك عريضة وقابلة لستر العورة إذا فككتها من دون تكلّف .
(ملاحظة) المرادُ من قولهم )عليهم السلام) في الروايات السابقة ( كل ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده)[8] هو باعتبار الرجل، لا المرأة، وذلك للإنصراف أوّلاً، وثانياً لكون المرأة عورةً كلّها، فلو كان المراد بلحاظ المرأة لجاز الصلاة في الثوب المتنجّس، ذلك لأنّ الثوب وحده ـ من دون حجاب الرأس ـ لا تجوز الصلاة فيه وحْدَهُ للمرأة !!
* * * * *
الرابع : مما يُعفَى عنه في الصلاة المحمول المتنجّس، مثل النقود المالية، وكما لو كان يحمل في جيبه ثوباً متنجّساً، أو في يده محرمة متنجّسة، أو شيئاً من أجزاء الميتة أو شعر الكلب أو الخنزير .
دليلُنا : بعد أصالة عدم المانعية، خاصةً وأنه محمول وليس ملبوساً، وبالأخصّ إذا كانت لا تتمّ فيه الصلاة، كالقلنسوة والجورب المتنجّسين واللتين تشكّلان جزءً من ثياب المصلّي، فعدمُ المنع عمّا لا يلبس أصلاً كما لو كان ثوباً محمولاً اَولى واَوضح .
وبتعبير آخر، الممنوع عنه في الصلاة هو خصوص الملبوس، كما تلاحظ في الروايات، ومرّ بعضها، والمحمول ليس لباساً أصلاً، فلِمَ المنعُ ؟! غداً نكمل البحث إن شاء الله تعالى.


[8] جامع أحاديث الشيعة، ج4، ص401، أبواب لباس المصلّي، ب10، ح6.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo