< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/02/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : البراءة والإحتياط العقليّان

1 ـ البراءة العقليّة
والكلام فيها يقع في بحثين :

الأوّل في نظريّة قبح العقاب بلا بيان، والثاني في نظرية حقّ الطاعة،

تكملة الكلام في قبح العقاب بلا بيان وحقّ الطاعة :

... أقول : ذكرنا كلامنا كلّه في هذا المجال في تعليقتنا على شرح الحلقة الثالثة للشهيد الصدر ونختصر هنا فنقول :
قبل عرض كلامنا في الموضوع ينبغي تقديم المقدّمتين التاليتين :

الاُولى : لا شكّ أنك تعلم أنّ كلامنا إنما هو بعد الفحص التامّ في الأدلّة الشرعية وعدمِ إيجادنا لدليل محرِز على المسألة، وإلاّ فقبْل الفحصِ لا شكّ في وجوب الإحتياط عقلاً وبالإجماع .

والثانية : تقدّم الكلام عن مشكلة وجود علم إجمالي بوجود تكاليف إلزامية بين الروايات، وأننا برهنّا على انحلاله بالروايات الصحيحة، فلا نُدخِلْ هذه المسألةَ في بحثنا .

إذا عرفت محلّ البحث نقول بأن العقل يحكم بوجوب أن يبيّن المولى تعالى لعبيده موارد إلزاماته، إذا كان قادراً على بيان ذلك، وإذا كان مهتمّاً بها، ولا شكّ في أنّ المعصومين (عليهم السلام) ـ الذين هم خلفاء الله تعالى ولسانه الناطق ـ بقوا بين أيدينا تتبرّك الدنيا بظهورهم من قبل هجرة رسول الله إلى سنة 329 هـ ق حيث انتهت بذلك الغيبة الصغرى، وأظلمت الدنيا، وصرنا يتامى أهل بيت رسول الله (عليهم السلام)، وقد كانوا قادرين على إيصال ما يشاؤون من أحكام إلينا بآلاف الروايات، لا فقط بمئات الروايات، وها هي كتب الناس ورواياتهم قد وصل الكثير منها إلينا، وها هو كتاب الكافي وكتاب فقه الرضا وو .. قد وصلت إلينا بشكل طبيعي جداً، وها هي روايات السواك الغير واجب شرعاً قد وصل منها إلينا أكثر من مئة رواية !! وكذا روايات تحريم القياس ونحوه .. فلو شاء أئمّتنا (عليهم السلام) أن يقولوا لنا بوجوب الأمر الفلاني وحرمة الأمر الفلاني لكان ذلك عليهم من السهولة بمكان، وعبر مئات الرواة الثقات . فعدمُ إبلاغنا لحكمٍ ما دليل واضح ـ كالشمس في رابعة النهار ـ على عدم أهميّته، أو على عدم إلزاميّته، بحيث صار لنا أن نجري أصالة براءة الذمّة ـ عقلاً ـ في الحكم المشكوك الإلزام .

وقد تقول بوجوب الإحتياط وذلك لأنّ مولويّة المولى تعالى ليست محدودةً بالأمور المعلومة فقط، وإنما دائرتها شاملةٌ للمحتمَلات أيضاً . هذا أوّلاً،

وثانياً : بدليل أهميّة المحتمَل، فإنّ أمامنا يومَ القيامة وناراً وجحيماً، وأنت إذا احتملتَ أنّ في هذه الغابة أسداً فلن تدخلها، فكيف وأنت تعلم أنّ في القضيّة احتمالَ الخلود في النار ؟! فيجب دفْعُ هذا الضررِ المحتمَل عقلاً، قطعاً، وذلك بالإحتياط والعملِ بما يُعلم معه رضا الله سبحانه وتعالى .

خاصّةً وأنه كان يصف نفس الموضوعات بالوجوب أو الحرمة، فكان يقول بحرمة الخمر، لا بحرمة مقطوع الخمريّة، ممّا يستوجب ترك ما نحتمل خمريته، حِرْصاً على الملاكات الواقعية . هذا كلّ ما يمكن أن يقوله الشهيد السيد الصدر .

أقول : ما ذُكِرَ لا يستوجب لزومَ الإحتياط، فإنّ أهميّة المحتمل قد تستوجب الإحتياط في بعض الاُمور الخارجية ـ كما لو احتملنا وجودَ سمّ في الطعام أو أسد في الغابة ـ لا في الأحكام الكليّة، فلو احتملتَ نجاسةَ الخمر مثلاً ولم يبيّن ذلك الشرعُ، وكان الشارع المقدّس قادراً على بيان ذلك بسهولة، والفرض أنّ دور الأنبياء والأوصياء هو تبليغ أحكام الله إلى الناس، والفَرْضُ أيضاً أنك بحثتَ كثيراً في مظانّ الوجود فلم تجد دليلاً على النجاسة فإنّ عقلك ـ من حيث إنك عاقل وفقيهٌ خبير ـ يحكم بجواز أن تُجري أصالةَ الطهارة قطعاً، ولا تعودُ تَحتمل الضررَ والخطر يوم القيامة، لأنّ لك أن تقول لمولانا في الآخرة بأن يا ربّ لو شئتَ لبلّغْتَ بمئات الروايات، لا برواية وروايتين، وقد كنتَ قادراً على ذلك، فلم يَصِلْنا شيءٌ، حتى مع تلف بعض الروايات أو الكثير منها لو شئتَ أن تُوصل هذه الأحكام الفلانية لأوصلتَ قطعاً، وأنت العالم بالغَيب أنّ أيّ الروايات ستصل وأيّها لن يَصِلَ، ولو بسبب قلّة رواياتها .. كلّ هذا دليل عقلي قطعي على عدم النجاسة أو على الأقلّ على جواز التمسّك بحكم العقل بأصالة الطهارة، ولذلك فنحن ندّعي بأنّ من يتمسّك بأصالة الطهارة والبراءة والحلّيّة العقليّة لا يستحقّ العقاب ولا اللوم قطعاً .
والعلماءُ حينما يستدلّون بالمولى العرفي لا يقيسون المولى الحقيقي على المولى العرفي، معاذ الله، ولكنهم يريدون أن يبيّنوا وضوح هذا الأمر بأمثلة وجدانية، فقالوا : لو كان المولى أمامك، وكان قادراً على أن يأمرك أن تصنع له الشاي مثلاً، ومع ذلك لم يأمرك، فبالوجدان لا يجب على العبدِ الإحتياطُ وصناعةُ الشاي، حتى ولو احتمل أنه يريد ذلك ويوجبُه عليه .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo