< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/03/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تكملة الكلام في حديث الرفع


1 ـ حديث الرفع :

ب ) النقطة الثانية في البحث هي في صحّة متن الحديث، فقد تقول هو قبيحٌ عقلاً وبالتالي باطل، إذ لا يمكن أن يَمُنّ المولَى على عبده برفع الخطأ والنسيان، بعدما كانا مرفوعين عقلاً، إذ مِنَ الظلمِ أن يعاقب المولى عبدَه على خطأ ارتكبه أو نسيان حصل معه، فكيف بالله تعالى، وهو العدل المطلق ؟!
وكذلك يقبحُ عقلاً أنْ يعاقِبَ المولى العادي عبدَه على ما فَعَلَه مكرَهاً ـ كما لو اُكره على شرب الخمر ورُفِعَ على رأسه السلاحُ ليشربه وإلاّ لقتلوه ـ وكما لو رَفَضَ امتثالَ أمْرِه الذي لا يطيقُه ـ كرفْعِ أثقالٍ يَصْعُبُ جداً حَمْلُها عليه ـ وكما فيما لو أَكَلَ المَيتةَ لاضطراره لذلك، خوفاً من أن يموت ..
والجوابُ على هذا أنّ المراد من المرفوعات في الحديث هو (الخطأ عن تقصير) فإنّ الإنسان يستحقّ العقابَ عقلاً على الخطأ الذي يصدر منه بسبب التقصير في الرعاية والإهتمام، نعم (الخطأ عن قصور) مرفوع بمقتضى العدل .
وكذلك المرفوع في حديث الرفع هو (النسيان عن تقصير) كما لو بقي يحضرُ بعضَ الأفلام وكان يَحتمل أن ينسى صلاتَه فنَسِيَها، وإلاّ فإنّ (النسيان عن قصور) مرفوعٌ بمقتضى العدل .
وكذلك في (ما اُكرِهوا عليه)، فهناك موارد في الإكراه لا يجب فيها إطاعةُ المكرِه، كما لو أكرهوه على قتل مسلمٍ بريء، فقتَلَه، ففي هكذا حالة هو يستحقّ العقاب قطعاً، لأنه لا تقية في الدماء، لكن يمكن للمولى تعالى أن يرحمه إلى حدّ ما في الآخرة ولو لشدّة خوفه .
وكذلك الأمر في (ما لا يطيقون)، فهناك بعض الموارد ـ كصيام الشيخ الكبير ـ يمكن التكليف فيها، لكن المولى تعالى رفَعَهُ، مَنّاً مِنْهُ ورحمة .
وكذا في (ما اضطُّروا إليه)، ففي بعض موارد الإضطرار يمكن التكليف، كما فيما لو اضطُرّ في مورد الجوع أن يأكل، وكان يمكن له أن يصبر أكثر ممّا صبر، لكنه صبر بشكل طبيعي فقط، لا بشكل جهادي، فيمكن معاقبته لأنه لم يصبر أكثر، لكن الله تعالى رفع عنه العقاب في هكذا حالة .
فإن قلتَ : آمنّا بذلك، لكنْ مع ذلك لا يمكن رَفْعُ الخطأ والنسيانِ من جهةٍ اُخرى، حتى ولو كانا عن تقصير، إذ هما، وكلُّ المذكورات، موجودةٌ في الخارج، ففي الخارج خطأ ونسيان وإكراه وو .. فكيف تكون مرفوعة ؟!
قلتُ : المراد بالمرفوع في الرواية هو الحكم التنجيزي ـ لا الوجود التكويني للخطأ والنسيان ونحوهما ـ وبالتالي لا مؤاخذةَ على المخطئ والناسي والجاهل والمكرَه ... هكذا، وبكلّ بساطة، وهكذا يَفهمُ كلّ الناس .
وقد يُحتمَلُ عند بعضهم أن يكون المرفوع هو نفسُ الأشياء ولكن بنظر الشارع، فـ شرب الخمر المضطرّ إليه مرفوع شرعاً، فهو لم يشربِ الخمرَ شرعاً، والمراد من هذا الرفع هو رَفْعُ الحرمة، أو قُلْ رفْعُ الحكم .
وهذا الإحتمال باطل لأنّ الأحاديث نَزَلَتْ على الناس، وهذا الإحتمال لا يتصوّره أحدٌ في العالمين .
وقد يَحتمِلُ البعضُ أن يكون المرفوعُ هو (شرب الخمر تكويناً) في حال الخطأ والنسيان والإضطرار والإكراه ... فهو لم يَشرب تكويناً، لكنْ تنزيلاً واعتباراً، والأثرُ لهذا التنزيل هو عدم الحرمة وعدم الحدّ .
وهذا الإحتمال كصاحبه في البطلان، أيضاً لما ذكرنا، وهو أنّ كلّ الشعوب العالمية لا تفهم هذا التنزيل التكويني .
والخلاصة هي أنّ المرفوع هو الحكم التنجيزي، وكأنّ رسول الله (ص) قال ( رُفِعَ عن اُمّتي الحكمُ الذي لا يعلمونه )، فلا إشكالَ إذَنْ في متن هذا الحديث .

ج ) النقطة الثالثة في دلالة فقرة ( رُفِعَ عن أمتي ما لا يعلمون ) على البراءة
عرفتَ في الأسطر السابقة أنّ المرفوع هو الحكم التنجيزي، وهذا ما يعبَّرُ عنه بـ الرفع الظاهري، ولذلك نقول الرفْعُ ظاهريٌّ لا واقعي، إذ ليس مِن شأن الجهل أن يَرفع الأحكامَ الواقعية الجعلية، بل ليس من اللازم والضرورة أن تُرفع الأحكامُ الواقعيةُ الجعلية مِن عالَم الجعل، بل من بديهيّات الاُمور عند الشيعة عدمُ رفْعِ الأحكام الجعلية عند الجهل بها، وذلك لأكثر من سبب، كإطلاق الأدلّة من التقيّد بالعِلْمِ بها، كما في ﴿ اَقيموا الصلاةَ وآتُوا الزكاةَ[1] و ﴿ كُتِبَ عليكُمُ الصيامُ[2] و ﴿ وللهِ على الناسِ حِجُّ البَيتِ[3] وغيرها .. فإنها غير مقيَّدةٍ بالعِلْمِ بالجعل، وإنما هي ـ بمقتضى إطلاقها ـ شامِلَةٌ للعالِم والجاهل .
وأمّا ما رواه في يب بإسناده الصحيح عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن (عبد الرحمن)ابن أبي نجران عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا : قلنا لأبي جعفر (عليه السلام): رجل صَلَّى في السفر أربعاً، أيُعِيدُ أم لا ؟ قال : ( إن كان قُرِئَتْ عليه آيةُ التقصير وفُسِّرَتْ له فصلَّى أربعاً أعاد، وإن لم يكن قُرِئَتْ عليه ولم يعلَمْها فلا إعادة عليه )[4] ورواها الصدوق في الفقيه بإسناده الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم، وهي صحيحة السند في كلا الكتابَين،
فهي تفيد أنّ الجعل قد تمّ في عالم الجعل بالطريقة التالية "الصلاةُ في السفر قَصْرٌ" و "مَن عَلِمَ بوجوب تقصير الصلاة في السفر فقد تفعّلَ عليه هذا الوجوبُ، أي صار الجعلُ عليه فِعْلِيّاً، أمّا مَن لم يعلم فغيرُ مخاطَبٍ بالتقصير في الصلاة" وهذا يعني أنّ الجهل بوجوب التقصير لا يُلْغِي الجعلَ مِن عالَمِ الجعل أصلاً .
المهم هو أنّ الجعولات غير مقيّدة بالعِلْمِ بها أصلاً، وإلاّ لصار الجعلُ موقوفاً على العِلم بالجعل، ومن الواضح أنّ العِلْمَ بالجعل موقوفٌ على وجود الجعل، فصار الجعلُ موقوفاً على نفسه واقعاً، وهو عين الدور الباطل .
ولذلك أجمعت الطائفةُ على أنّ الأحكام الشرعية شاملةٌ للعالِمين والجاهلين بها، لكن بالبيان التفصيلي الذي عرفتَه الآن .
وببيان آخر : ليس من اللازم والضرورة أن ترفع الأحكام الفعلية عن الجاهل بها، وإنما المراد من رفع التكاليف عن الجاهلين ـ في الآيات السابقة والروايات ـ هو المَنّ عليهم برفْعِها، ويكفي في المنّ رفعُ مرتبة التنجيز فقط دون رفع نفس الجعل، ولا دليل على رَفْعِ فعلية الحكم عن الجاهل به، أي لا دليل على تقيّد فعلية الحكمِ بالعِلْمِ بجعلها، كما في الإستطاعة إلى الحجّ، فالثابتُ في الحجّ هو ( إذا استطعت إلى الحجّ فقد صار عليك الحجّ واجباً فعلاً )، وليس عندنا دليلٌ على التقييد الزائد وذلك بأن نقول ( إذا استطعت إلى الحجّ وعلمت بالإستطاعة فقد صار عليك الحجّ واجباً فعلاً )، والأصلُ عدمُ تقييد الفعلية بالعِلْم بالجعل .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo