< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/03/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : في دلالة ( رُفِعَ عن أمتي ما لا يعلمون ) على البراءة

ج ) النقطة الثالثة في دلالة فقرة ( رُفِعَ عن أمتي ما لا يعلمون ) على البراءة، وفيها بحثان :
الأوّل : هل أنّ الرفع ظاهريّ أم واقعي ؟
فنقول : عرفتَ في الأسطر السابقة أنّ المرفوع هو الحكم التنجيزي، وهذا ما يعبَّرُ عنه بـ الرفع الظاهري، ولذلك نقول الرفْعُ في حديث الرفع وغيره وفي كلّ الآيات الأربعة هو رفعٌ ظاهريٌّ لا واقعي، إذ ليس مِن شأن الجهل أن يَرفع الأحكامَ الواقعية الجعلية، بل ليس من اللازم والضرورة أن تُرفع الأحكامُ الواقعيةُ الجعلية مِن عالَم الجعل، بل من بديهيّات الاُمور عند الشيعة عدمُ رفْعِ الأحكام الجعلية عند الجهل بها، وذلك لأكثر من سبب، كإطلاق الأدلّة من التقيّد بالعِلْمِ بها، كما في ﴿ اَقيموا الصلاةَ وآتُوا الزكاةَ[1]و ﴿ كُتِبَ عليكُمُ الصيامُ[2] و ﴿ وللهِ على الناسِ حِجُّ البَيتِ[3] وغيرها .. فإنها غير مقيَّدةٍ بالعِلْمِ بالجعل، وإنما هي ـ بمقتضى إطلاقها ـ شامِلَةٌ للعالِم والجاهل .
وأمّا ما رواه في يب بإسناده الصحيح عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن (عبد الرحمن)ابن أبي نجران عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا : قلنا لأبي جعفر (عليه السلام): رجل صَلَّى في السفر أربعاً، أيُعِيدُ أم لا ؟ قال : ( إن كان قُرِئَتْ عليه آيةُ التقصير وفُسِّرَتْ له فصلَّى أربعاً أعاد، وإن لم يكن قُرِئَتْ عليه ولم يعلَمْها فلا إعادة عليه )[4] ورواها الصدوق في الفقيه بإسناده الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم، وهي صحيحة السند في كلا الكتابَين،
فهي تفيد أنّ الجعل قد تمّ في عالم الجعل بالطريقة التالية "الصلاةُ في السفر قَصْرٌ" و "مَن عَلِمَ بوجوب تقصير الصلاة في السفر فقد تفعّلَ عليه هذا الوجوبُ، أي صار الجعلُ عليه فِعْلِيّاً، أمّا مَن لم يعلم فغيرُ مخاطَبٍ بالتقصير في الصلاة" وهذا يعني أنّ الجهل بوجوب التقصير لا يُلْغِي الجعلَ مِن عالَمِ الجعل أصلاً .
المهم هو أنّ الجعولات غير مقيّدة بالعِلْمِ بها أصلاً، وإلاّ لصار الجعلُ موقوفاً على العِلم بالجعل، ومن الواضح أنّ العِلْمَ بالجعل موقوفٌ على وجود الجعل، فصار الجعلُ موقوفاً على نفسه واقعاً، وهو عين الدور الباطل .
ولذلك أجمعت الطائفةُ على أنّ الأحكام الشرعية شاملةٌ للعالِمين والجاهلين بها، لكن بالبيان التفصيلي الذي عرفتَه الآن .
وببيان آخر : ليس من اللازم والضرورة أن ترفع الأحكام الفعلية عن الجاهل بها، وإنما المراد من رفع التكاليف عن الجاهلين ـ في الآيات السابقة والروايات ـ هو المَنّ عليهم برفْعِها، ويكفي في المنّ رفعُ مرتبة التنجيز فقط دون رفع نفس الجعل، ولا دليل على رَفْعِ فعلية الحكم عن الجاهل به، أي لا دليل على تقيّد فعلية الحكمِ بالعِلْمِ بجعلها، كما في الإستطاعة إلى الحجّ، فالثابتُ في الحجّ هو "إذا استطعت إلى الحجّ فقد صار عليك الحجّ واجباً فعلاً"، وليس عندنا دليلٌ على التقييد الزائد وذلك بأن نقول "إذا استطعت إلى الحجّ وعلمت بالإستطاعة فقد صار عليك الحجّ واجباً فعلاً "، والأصلُ عدمُ تقييد الفعلية بالعِلْم بالجعل .
ثم اعلمْ أنّ الجهل لا يرفع القبح من العمل القبيح، وبالتالي لا يَرفع ـ تكويناً ـ الحرمةَ الفعلية، وذلك لأنّ الحرمة الفعلية هي نتاج تكويني للعمل القبيح، لكنْ لا يكون هذا العمل القبيح الصادر من الجاهل حراماً بنحو التنجيز، ولذلك هو لا يستحقّ العقابَ عليه . ومعنى رَفْعِ التنجيزِ ومعنى الإمتنان هو عدم وجوب الإحتياط . وهذه الحرمةُ الفعلية ليست حكماً شرعياً، وإنما هي حكم عقليّ، والحكمُ الشرعي هو فقط الجعلُ .

البحث الثاني : في جريان البراءة المستفادة من حديث الرفع في الشبهات الحكمية والموضوعية جميعاً، والكلام عن ذلك يقع في جهتين :
الأولى : في إمكان تصوير جامع بينهما ثبوتاً .
الثانية : في عموم مفاد الحديث إثباتاً .
اَمّا الجهة الأولى، فالإشكال في العموم اِنما ينشأ من ناحية اَنّ المشكوك وما لا يعلمونه في الشبهة الحكمية غير المشكوك في الشبهة الموضوعية فإنه في الأول هو الحكم وفي الثاني الموضوع الخارجي فكيف نتصور الجامع بينهما ؟
سيأتي الكلام غداً إن شاء الله أنّ المرفوع هو الحكم التنجيزي، سواء كان موضوع الحكم كليّاً أو جزئياً .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo