< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/03/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : بقية الروايات في البراءة الشرعية
4 ـ وفي الكافي عن محمد بن يحيى وغيره عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن حمزة(بن محمد)بن الطيار(الكوفي ثقة عندي) عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : ( إنّ الله احتجَّ على الناس بما آتاهم وعَرَّفَهُم )[1] مصحّحة السند، ومفهومها أنه لا يحتجّ عليهم ولا يحاسبهم بما لم يؤتهم ولم يعرّفهم ..
ثم ذكرها في نفس كتاب الكافي في الصفحة الثانية عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن علي بن الحكم(ثقة جليل القدر) عن أبان(بن عثمان الأحمر ثقة) عن حمزة بن الطيار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال :( اُكْتُبْ )، فأملَى علَيَّ : ( إنّ مِنْ قولنا إنَّ اللهَ يَحْتَجُّ على العبادِ بما آتاهم وعَرَّفَهُم، ثم أرسل إليهم رسولاً، واَنْزَلَ عليهم الكتابَ فأمَرَ فيه ونهَى، أمَرَ فيه بالصلاة والصيام، فنام رسولُ اللهِ (ص) عن الصلاة، فقال "أنا اُنِيْمُك وأنا اُوقِظُك، فإذا قمتَ فصَلِّ ليعلموا إذا أصابهم ذلك كيف يصنعون، ليس كما يقولون (إذا نام عنها هلك) وكذلك الصيام، أنا اُمَرِّضُك وأنا اُصِحُّك، فإذا شَفَيتُك فاقْضِه")، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): ( وكذلك إذا نظرتَ في جميع الأشياء لم تَجِدْ أحداً في ضيق، ولم تجد أحداً إلا ولله عليه الحجةُ، ولله فيه المشيئةُ، ولا أقول "إنهم ما شاؤوا صنعوا)، ثم قال (عليه السلام) : ( إنّ الله يهدي ويُضِلّ )، وقال : ( وما اُمِروا إلا بدون سَعَتِهم، وكلُّ شيءٍ اُمِرَ الناسُ به فهم يسَعُون له، وكل شيء لا يسَعون له فهو موضوع عنهم، ولكنَّ الناسَ لا خيرَ فيهم )، ثم تلا (عليه السلام): ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى المَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ ) فوضع عنهم ( .. مَا عَلَى المُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ، وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (91) وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ .. )[2] قال : ( فوُضِعَ عنهم لأنهم لا يجدون )[3] .

5 ـ روى في عوالي اللآلئ قال : وقال النبيّ (ص) : ( الناسُ في سَعَةٍ ما لم يَعْلَموا )[4] .
أقول : لعلّ هذه الرواية مأخوذةٌ ممّا رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) سُئِلَ عن سفرة وُجِدَتْ في الطريق مطروحةً كثيرٌ لحمُها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين ؟ فقال : أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( يُقَوَّمُ ما فيها ثم يُؤْكَلُ، لأنه يَفْسَدُ وليس له بقاءٌ، فإذا جاء طالبُها غُرِّموا له الثمَنَ )، قيل له : يا أمير المؤمنين : لا يُدْرَى سفرةُ مسلمٍ أو سفرةُ مجوسي ؟ فقال : ( هُمْ في سَعةٍ حتى يَعْلَموا )[5] موثّقة السند .

6 ـ وقال الشيخ الصدوق في الفقيه : (يجوز الدعاء بالفارسية لقول أبي جعفر الثاني(عليه السلام)(لا بأس أن يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شيء يناجي به ربَّهُ عز وجل) ، ولو لَمْ يَرِدْ هذا الخبرُ لَكُنْتُ اُجِيزُهُ بالخبرِ الذي رُوِيَ عن الصادق (عليه السلام)أنه قال : (كلُّ شيءٍ مطلَقٌ حتى يَرِدَ فيه نهيٌ )[6]والنهيُ عن الدعاء بالفارسية في الصلاة غيرُ موجود )[7] (إنتهى) .
أقول : وهذا يعني أنّ الشيخ الصدوق كان يَعلم بصدور رواية ( كلُّ شيءٍ مطلَقٌ .. ) لأنه يستدلّ بها على صحّة الدعاء بالفارسية، وخبرُ الثقة فيما يُحتمَلُ الإعتمادُ فيه على الحسّ حجّةٌ، وهو أقربُ من النجاشي والطوسي إلى عصر النصّ، فيجب أن يُحكَمَ بحجيّة رواية ( كلُّ شيءٍ مطلَقٌ .. ) ... ورَوَى روايةَ ( كلُّ شيءٍ مطلَقٌ .. ) بِعَيْنِها في عوالي اللآلئ، لكنْ عن النبيّ (ص) .
وأمّا مِن ناحية دَلالتها فدلالتُها على البراءة موقوفةٌ على فَهْمِ معنى "كلُّ شيءٍ مطلَقٌ ـ أي غير منجّز عليك ـ ما لم يَصِلْكَ فيه نَهْيٌ" .
ولا نستفيدُ من هذه الرواية معنى البراءة إنْ فَهِمْنا معنى "كلّ شيء مطلق ـ أي لا نَهْيَ فيه ـ ما لم يَصْدُرْ فيه نَهْيٌ، فإذا صَدَرَ فيه نَهْيٌ فقد صَدَرَ فيه نَهْيٌ ولم يَعُدْ مطلَقاً"، وهو كلامٌ لا يقولُه عاقلٌ، لأنها تكون بمثابة قولك "الماءُ لا لونَ له حتى تُلَوّنَه، فإذا لَوَّنْتَه فقد تَلَوَّنَ" فهو تكرار محض وبلا أيّ فائدة .
وممّا يزيد في اطمئناننا بإرادة معنى (الوصول) ـ دون معنى (الصدور) ـ ما رواه الشيخ الطوسي في أماليه عن الحسين بن إبراهيم القزويني عن محمد بن وهبان عن علي بن الحبشي عن العباس بن محمد بن الحسين(مهمل) عن أبيه(مردّد بين حوالي ثلاثين رجلاً بعضهم ضعاف جداً وبعضهم مهملين فهو مهمل) عن صفوان بن يحيى عن الحسين بن أبي غندر(ثقة عندي لرواية صفوان عنه بسند صحيح) عن أبيه(مجهول) عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : (الأشياء مطلقةٌ ما لم يَرِدْ عليك أمرٌ ونهي، وكل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً ما لم تعرف الحرام منه فتدعه )[8] ضعيفة السند .

* وهناك بعضُ الروايات تؤيّد ذلك حتى ولو كانت ضعيفةَ السند، وهاك ما رأيتُه منها :
1 ـ قال في ئل : رُوِيَ ( اَنّ اللهَ لا يخاطب الخلقَ بما لا يَعلمون )[9] .
2 ـ وفي الكافي أيضاً عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد الله بن محمّد الحجّال(ثقة ثبت وجه) عن ثعلبة بن ميمون(كان وجهاً في أصحابنا فقيهاً كثير العبادة والزهد ثقة خيّر) عن عبد الأعلى بن أعين(مولى آل سام ويروي عنه في الفقيه مباشرةً وهو أمارة الوثاقة) قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام): مَن لم يَعْرِفْ شيئاً هل عليه شيءٌ ؟ قال : ( لا )[10] . أقول : الأظهر من هكذا سؤال وجواب أنهما ناظران إلى مَن لا يعرف شيئاً، من قبيل اليهود والنصارى وسائر الفرق الإسلامية والكافرة المنحرفة ـ لا إلى ما نحن فيه ـ فمِنَ الطبيعي، وبمقتضى العدالة الإلهية أن يحاسبهم اللهُ تعالى على قدر معرفتهم.


[10] الكافي، الكليني، ج1، ص164، باب حجج الله على خلقه، ح5
نَظْرَةٌ إلى عبد الأعلى بن أعين : هو عبد الأعلى بن أعيَن مولَى آل سام، فقد رووا في الكافي ج 5 كتاب النكاح 3 باب فضل الأبكار ح 1، وفي يب ج 7 باب اختيار الأزواج ح 1598 (عن علي بن رئاب عن عبد الأعلى بن أعيَن مولَى آل سام عن أبي عبد الله عليه السلام) . ويظهر من الكثير من علمائنا توثيقُه كالشيخ المفيد والسيد بحر العلوم في الفوائد الرجالية والسيد الخوئي في معجم رجاله، بل نفس رواياته العالية المضامين تدلّ على علوّ مقامه الولائي، ورواية أجلاء أصحابنا عنه كحمّاد بن عثمان وعبد الله بن مسكان وثعلبة بن ميمون .. بل يظهر من الشيخ المفيد أنه فوق درجة الوثاقة .. كلّ هذا يُطَمْئِنُ الإنسانَ بوثاقته.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo