< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تكملة الكلام في إمكان الترخيص في بعض الأطراف ثبوتاً وإثباتاً
المسألة السادسة : هل يمكن الترخيصُ في بعض الأطراف ثبوتاً أم لا ؟
بناءً على ما ذكرنا سابقاً من عدم المانع ثبوتاً من الترخيص في جميع الأطراف يظهر بالاَولويّة عدمُ المانع ثبوتاً من جريانه في بعض الأطراف، سواءً أفادنا الترخيصُ التخييرَ بين الأطراف أو أفادنا تقديمَ ذي المزيّة، ولوضوح هذا الأمر لا نفضّل الكلام على القول بوجود مانع ثبوتي من جريان الاُصول الترخيصية في جميع أو في بعض الأطراف .
وعليه فنحن نقول بالإقتضاء لا بالعِليّة، بمعنى أننا نقول بأنّ العلم الإجمالي يقتضي بنفسه لزوم الموافقة القطعيّة ـ أي إلاّ إذا جاءنا ترخيص شرعي ـ سواءً في بحث الترخيص في تمام الأطراف أو في بعض الأطراف بطريق اَولى، فيكون الترخيص هو المانع عن عمل المقتضي عملَه . ذهب إلى هذا القول جماعة من العلماء منهم المحقّق النائيني على ما هو المنقول عنه في فوائد الاُصول[1] .
وأمّا إن قلنا بعدم إمكان ورود ترخيص ثبوتاً وعقلاً، وذلك لأنّ العلم الإجمالي بوجود إناءٍ نجس بين الإناءين هو علّةٌ تامّةٌ للزوم الموافقة القطعيّة على نحو استدعاء العلّة لمعلولها، فيستحيل جريان الأصل المؤمّن ولو في بعض الأطراف، أو قُلْ لأنّ العلم هنا متعلّق بالواقع لا بالجامع . قال السيد الشهيد[2]: ( وقد ذهب إلى هذا القول جماعةٌ، منهم المحقّق العراقي).
وعرفتَ الردّ عليهم سابقاً وهو أنه قد يرخّص المولى في بعض أطراف العلم الإجمالي لأهميّة ملاكات الترخيص ـ كالتسهيل على الناس ـ على ملاكات الإلزام ..

المسألة السابعة : هل يمكن الترخيصُ في بعض الأطراف إثباتاً أم لا ؟
لا شكّ في أنّ العرفَ لا يفهمون من أدلّة الاُصول الترخيصيّة ـ كأحاديث الحلّ ـ جريانَها ولو في بعض الأطراف ـ طبعاً بنحو التخيير ـ إن كانت الأطراف قليلةً عرفاً، وإنما يحصرونها في سوق المسلمين ونحوه ...
ولذلك لا نقول بجريان الاُصول الترخيصيّة فيها ثم إذا تكاذبت تساقطت، وإنما لا تجري الاُصول الترخيصيّة من الأصل . وذلك لأننا يجب أن نتصوّر كلّ طرف بكلّ متعلّقاته ـ أي بما هو طرف للعلم الإجمالي ـ ففي هكذا حالة لا يجري العرفُ الاُصولَ الترخيصيّة في أيّ طرف .

ورغم وضوح ما قلناه ترى المحقّقَ القمّي يقول في قوانينه بجواز جريان الاُصول المؤمّنة فيما عدا مقدار الجامع، وقالها من بعده المحقّق العراقي[3]، لكنْ بناءً على قول مخالفيه القائلين بأنّ العلم الإجمالي ليس علّةً تامّةً لوجوب الموافقة القطعيّة، وإنما هو مقتضٍ لذلك بحيث يمكن الترخيص ثبوتاً في كلّ الأطراف أو بعضها . إذن قال المحقّق القمّي بأنّ الجامع يفيدنا حرمة ارتكاب كلا الإناءين، ويجوز ارتكاب أحدهما فقط، بمعنى أنك إذا ارتكبت هذا الطرف فلا ترتكب الطرف الآخر، وأمّا إذا لم ترتكب هذا الطرف فَلَكَ أن ترتكب الطرف الآخر، وذلك تمسّكاً بقاعدة الحِلّ فيما عدا مقدار الجامع، أو قُلْ جمعاً بين قاعدة الحِلّ وعلمنا بالجامع .
وأجاب السيد الخوئي بأنّ كلام المحقّق القمّي يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة الواقعيّة، وذلك إذا نَوَيْنا ترك كلا الطرفين، أي إذا جمعنا بين الترخيصين المشروطين، فإنّ هذا يؤدّي إلى جريان الاُصول الترخيصيّة في كلا الطرفين مع أننا نعلم بأنّ أحدهما متنجّس !! ولهذا السبب لا يُجري العرفُ أصالةَ الحِلّ في أحد الطرفين .
وقال المحقّق العراقي بأنّ لنا أن نرفع اليد عن الإطلاق الأحوالي لدليل الأصل المؤمّن في كلّ طرف، بمعنى أننا لا نجري الأصلَ المؤمّن في كلّ طرف على كلّ حال ـ أي سواءً ارتكبنا الطرف الآخر أم تركناه ـ وإنما نجري الأصلَ المؤمّن في أحد الطرفين بشرط نيّة ترك الطرف الآخر.
أقول : لا يفهم العرفُ أدلّةَ الحِلّ بهذا الشكل المقترَح، لأنهم يرَون في هكذا تقييدٍ مقترحٍ ترخيصاً في القبيح والمنكر إن كانت الأطراف قليلةً عرفاً، ولذلك هم يستبعدونه جدّاً، ولذلك هم يحملون روايات الحلّ على معنى معقول، وهو مثلاً تطبيقُ أدلّة الحلّ على مثل سوق المسلمين، فإنه أمْرٌ معقول جداً .
والصحيح أن يقال :
إنه في موارد الدماء والأعراض والأموال الخطيرة لا شكّ في عدم جريان الاُصول الترخيصيّة ولو في بعض الأطراف، وكذا لا تجري فيما لو كانت الأطراف قليلةً، بحيث يستهجن العرفُ من جريان الاُصول المؤمّنة في بعض أطرافها .
أمّا في بعض الحالات المقبولة عرفاً ـ كما لو كانت الأطراف كثيرةً عرفاً أو كما لو كانت بعض الأطراف لا قيمة لها عند العرف، كما لو وقعت قطرة ماء متنجّسة إمّا على ثوبك وإمّا في البحر ـ بحيث لا يستهجن العرفُ من جريان الاُصول المؤمّنة في بعض الأطراف ـ أو في كلّها أحياناً، كما في سوق المسلمين ـ بحيث لا يرى العرفُ تناقضاً بين الترخيص في بعضها والحرمة في بعضها، فلا مانع من أن يعمل المقتضي عملَه، فنتمسّك بإطلاقات الأدلّة المؤمّنة قطعاً، ونجري الاُصول الترخيصية في البعض أو في الكلّ، كما سيأتينا تفصيلُه في الأبحاث الآتية .
قولنا هذا ليس شاذّاً، إذ أنّ هناك مَن يقول بحليّة كلّ الأطراف مطلقاً، ولم يقيّد بالموارد الغير مهمّة في نظر الشارع المقدّس، وبكثرة الأطراف، قال السيد المروّج في حاشيته على الكفاية ج 4 ص 161 : "الثالث : إنه كالشكّ البدوي، وهو ظاهر أربعين العلاّمة المجلسي على ما حكاه المحقّق القمّي عنه في قانون البراءة، حيث قال ـ أي العلاّمة المجلسي ـ فيه (وقيل يحلّ له الجميع لما ورد في الأخبار الصحيحة إذا اشتبه عليك الحلال والحرام فأنت على حلّ حتى تعرف الحرام بعينه، وهذا أقوى عقلاً ونقلاً)، والظاهر اختيار العلاّمة المجلسي له . إنتهى كلام السيد المروّج .
وقد يقول بهذا صاحب الكفاية أيضاً إذ قال: ( لا يبعد أن يقال (ربّما يقال) إن التكليف حيث لم ينكشف بالعلم الإجمالي تمام الإنكشاف، وكانت مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة، جاز الإذنُ من الشارع بمخالفته، اِحتمالاً بل قطعاً . ومحذورُ مناقضته مع المقطوع إجمالاً إنما هو محذور مناقضة الحكم الظاهري مع الواقعي في الشبهة غير المحصورة، بل الشبهة البدويّة، ضرورة عدم تفاوت في المناقضة بين التكليف الواقعي والإذن بالإقتحام في مخالفته بين الشبهات أصلاً، فما به التفصّي عن المحذور فيهما كان به التفصّي عنه في القطع به في الأطراف المحصورة أيضاً كما لا يخفى)[4] (إنتهى) .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo