< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/04/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تنبيهات العلم الإجمالي
تنبيهات العلم الإجمالي

التنبيه الأوّل : تقيّد كلّ طرف بعدم الطرف الآخر
إذا عَلِم إجمالاً بأنه إمّا يجب عليه الوفاء بالدين ـ وبالتالي لن يبقى معه مالٌ يكفي لأداء الحجّ فلن يجب عليه الحجّ ـ وإمّا لا يجب عليه الوفاء بالدين ـ فيجب عليه ح الحجّ ـ ؟ وبتعبير آخر : إذا وجب عليه الوفاء بالدين لا يجب عليه الحجّ، وإذا لم يجب عليه الوفاء بالدين يجب عليه الحجّ ؟!
مثال آخر : لو نذر أنه لو تبيّن أنه لا يجب عليه الوفاء بالدين لصام شكراً لله، فهو يعلم إجمالاً إمّا بوجوب الوفاء بالدين وإمّا بوجوب الصيام ؟ وبتعبير آخر : إذا وجب عليه الوفاء بالدين لم يجب عليه الصيام، وإذا لم يجب عليه الوفاء بالدين يجب عليه الصيام ؟!
فما الموقفُ في مثل هكذا حالات ؟
والجواب واضح في كلا المثالَين، وهو مشروعيّة التمسّك بالبراءة عن وجوب الوفاء بالدين، فتثبت اللوازم الشرعيّة وهي أنه صار مستطيعاً تعبّداً، وبالتالي يثبت وجوب الحجّ عليه والصيام تلقائياً . وهذا لا يعني أنّ البراءة صارت أصلاً مثبتاً، وذلك لأنّ البراءة أفادتنا عدم وجوب الوفاء بالدين فقط، فهو تلقائياً صار مستطيعاً، والظاهر أنّ هذا الأمر إجماعي بين الفقهاء . المهم هو أنّ العلم الإجمالي ينحلّ تعبّداً في هكذا حالة، وذلك لأنّ الوفاء بالدين يصير غيرَ واجب تعبّداً، وح يقطع بوجوب الحجّ، فلا يبقى للعلم الإجمالي وجود أصلاً .
إذن لا يوجد في المثالين السابقين علم إجمالي أصلاً، كما هو واضح، وذلك لأنّك تشكّ هل يجب عليك الوفاء بالدين أم لا ؟ وهذا شكّ بدْويّ وليس علماً إجمالياً .
* * * * *
التنبيه الثاني : إختصاص الأصل المؤمّنِ ببعض الأطراف
قال السيد الشهيد في هذا التنبيه ما يلي : ( إنّه رتّب على القول بكون العلم الإجماليّ علَّة تامّة لوجوب الموافقة القطعيّة) [1] كما قال به بعضهم ـ أو كون تأثيره في ذلك بمجرد الإقتضاء ـ كما اخترناه ـ أنّه على الأوّل لا يجري الأصل في بعض أطراف العلم الإجماليّ وإنْ لم يكن معارض، وعلى الثاني يجري الأصل عند عدم المعارض، والمحقّق النائيني ذَكَرَ على ما في تقرير بحثهأنّ هذه الثمرة مجرّد ثمرة فرضيّة، ولا تتّفق بحسب الخارج، ونحن عقدنا هذا التنبيه هنا لنذكر أوّلاً ما هو التحقيق في مسألة جريان الأصل في بعض الأطراف بلا معارض في الصور المختلفة التي يتصوّر فيها ذلك، ونتعرّض بعد ذلك لكلام المحقّق النائينيّ رحمه الله ومناقشته، فنقول :
إنّ اختصاص الأصل ببعض أطراف العلم الإجماليّ يكون في ثلاث صور :
الصورة الاُولى : فَرْضُ جريان الأصل المؤمّن في طرف دون الآخر
وذلك كما لو عَلِم الشخصُ إجمالاً بأنّه إمّا لم يُصَلّ صلاتَه الحاضرُ وقتُها، وإمّا أنّ هذا الجبن حرام لوجود الميتة فيه، فالطرف الأوّل ليس مجرى للأصل المؤمّن في نفسه، لأنّ الشكّ فيه شك في أداء الصلاة، فهو إذن مجرى لقاعدة الإشتغال بالإجماع، وأمّا طرف الشكّ في حليّة أو حرمة الجبن فيقول الأصحاب ـ حتى القائلون بعِلَّيّة العلم الإجماليّ لوجوب الموافقة القطعيّة ـ بجريان الأصل المؤمّن في الجبن، وبالتالي ينحلّ عندهم العِلمُ الإجماليّ انحلالاً حُكْمِياً ..) (إنتهى كلام الشهيد الصدربإختصار وتصرّف) .
أقول بتعبير آخر : هو حين يشكّ في إتيانه بالصلاة، فقطعاً الأصلُ العدمي يفيدنا عدمَ الإتيان بها ظاهراً وتعبّداً وشرعاً، فيجب عليه الصلاة بالإجماع، وهو حينما يَشكّ في حرمة الجبن فقاعدة الحليّة تفيدنا حلّيّتَها قطعاً، ظاهراً وتعبّداً وشرعاً، فلا عِلْمَ إجمالي ـ تعبّداً وعمليّاً ـ أصلاً .
الصورة الثانية : حكومة الأصل المثبت في بعض الأطراف
كما لو علمنا بنجاسة أحد هذين الإناءين الأحمر والأبيض، لكنّي كنتُ أعلم بنجاسة هذا الإناء الأحمر سابقاً بنجاسة اُخرى دون الإناء الأبيض مثلاً، ففي هكذا حالة يجب تركُ كلا الإناءين بلا شبهة، ولا يجوز شربُ الإناء الأبيض بذريعة جريان الأصل المؤمّن فيه بلا معارض .
ورغم وضوح ما ذكرناه قال السيد الشهيد هنا ـ في هذه الصورة الثانية ـ : ( أن يكون الأصلُ النافي لو خُلّي ونفسه جارياً في كلا الطرفين، لكنّه كان محكوماً في أحد الطرفين لأصل مثبِتٍ مثلاً، كما لو جرت أصالةُ الحِلّ في نفسها في كلا الطرفين، وكان الإستصحاب في أحدهما مثبتاً للحرمة، فيقال عندئذ : إنّ أصالة الحلّ تجري في الطرف الآخر، لأنّها غير مبتلاة بمشكلة المعارضة، لسقوط ما يعارضها بحكومة الإستصحاب عليه . وهذا الكلام صحيح ..)[2](إنتهى) .
أقول : مِنَ الخطأ الواضحِ جريانُ أصالة الحلّ في الإناء الأبيض ـ بذريعة عدم المعارضة ـ فيجوز ح شربه !!
ثم أعطى السيد الشهيد مثالاً آخر فقال : (لو علم إجمالاً إمّا بنجاسة هذا الشيء ـ مع كون حالته السابقة الطهارة ـ وإمّا بوجوب الإنفاق على هذه المرأة لاحتمال كونها زوجة ـ منشأُ الشكِّ هو أنها كانت مسلمة سابقاً ثم كفَرَتْ، وعَقَدَ عليها الزوجُ، لكنه شَكّ في أنّ عقْد الزواجِ كان حينما كانت لا تزال مسلمة فيكون الزواج صحيحاً قطعاً [3]، أو كان بعدما ارتدّت فيكون فيه عند بعضهم إشكالـ فتعارَضَ استصحابُ طهارة ذاك الشيء مع استصحاب عدم زوجيّة هذه المرأة، وجرى استصحاب الإسلام، فكان حاكماً على استصحاب عدم الزوجيّة، فيجري عندئذٍ استصحابُ الطهارةِ في ذلك الطرف بلا محذور ..)(إنتهى بتصرّف) .
أقول : ما ذكره السيد الشهيد هنا صحيح، فإنه من الواضح هنا أيضاً أننا يجب أن نُنفق على الزوجة ـ لاستصحاب بقائها على الإسلام حين العقد ـ وبالتالي انحلّ العلم الإجمالي، إذن علينا أن نستصحب طهارة الإناء، وذلك لانحلال العلم الإجمالي .


[3] لكن رغم بقاء زواجهما فقد وَرَدَ في التهذيب بإسناده الصحيح عن محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب بن يزيد(ثقة فقيه) عن (محمد)ابن أبي عمير عن حمّاد(بن عثمان ثقة جليل القدر فقيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المرتدَّة عن الإسلام قال : ( لا تُقتَلُ، وتُستخدَم خدمةً شديدة، وتُمنع الطعامَ والشراب إلا ما يُمسِكُ نفْسَها، وتُلبَسُ خَشِنَ الثياب، وتُضرَبُ على الصلوات .)، ورواها الصدوق بإسناده عن حمّاد(بن عثمان) عن (عبيد الله بن علي)الحلبي مثلَه إلا أنه قال ( أخشن الثياب ) .وفي التهذيبين عن محمد بن علي بن محبوب أيضاً عن محمد بن الحسين(بن أبي الخطّاب ثقة فقيه عين) عن محمد بن يحيى(الخثعمي أو الخزّاز وكلاهما ثقتان) عن غياث بن إبراهيم (ثقة بتريّ) عن جعفر عن أبيه عن عليّ (عليه السلام) قال : ( إذا ارتدّت المرأةُ عن الإسلام لم تُقتَل ولكن تُحبَسُ أبداً ) موثّقة السند، وفي التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن محبوب عن عباد بن صهيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( المرتدُّ يستتاب فإن تاب وإلا قتل، والمرأة تُستتاب، فإن تابت وإلا حُبِسَتْ في السجن، واُضِرَّ بِها ) موثّقة السند، وهذا هو جوّ سائر الروايات الصحيحة . راجع هذه الروايات في وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18 ص549، أبواب حدّ المرتدّ من كتاب الحدود والتعزيرات، ب4، ح4، الاسلامية

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo