< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الصورة الثانية : حكومة الأصل المثبت في بعض الأطراف
الصورة الثانية : حكومة الأصل المثبت في بعض الأطراف
كما لو علمنا بنجاسة أحد هذين الإناءين الأحمر والأبيض، لكنّي كنتُ أعلم بنجاسة هذا الإناء الأحمر سابقاً بنجاسة اُخرى دون الإناء الأبيض مثلاً، ففي هكذا حالة يجب تركُ كلا الإناءين بلا شبهة، ولا يجوز شربُ الإناء الأبيض بذريعة جريان الأصل المؤمّن فيه بلا معارض .
ورغم وضوح ما ذكرناه قال السيد الشهيد هنا ـ في هذه الصورة الثانية ـ : ( أن يكون الأصلُ النافي لو خُلّي ونفسه جارياً في كلا الطرفين، لكنّه كان محكوماً في أحد الطرفين لأصل مثبِتٍ مثلاً، كما لو جرت أصالةُ الحِلّ في نفسها في كلا الطرفين، وكان الإستصحاب في أحدهما مثبتاً للحرمة، فيقال عندئذ : إنّ أصالة الحلّ تجري في الطرف الآخر، لأنّها غير مبتلاة بمشكلة المعارضة، لسقوط ما يعارضها بحكومة الإستصحاب عليه . وهذا الكلام صحيح ..)[1] (إنتهى) .
أقول : مِنَ الخطأ الواضحِ جريانُ أصالة الحلّ في الإناء الأبيض ـ بذريعة عدم المعارضة ـ فيجوز ح شربه !!
ثم أعطى السيد الشهيد مثالاً آخر فقال : ( لو علم إجمالاً إمّا بنجاسة هذا الشيء ـ مع كون حالته السابقة الطهارة ـ وإمّا بوجوب الإنفاق على هذه المرأة لاحتمال كونها زوجة ـ منشأُ الشكِّ هو أنها كانت مسلمة سابقاً ثم كفَرَتْ، وعَقَدَ عليها الزوجُ، لكنه شَكّ في أنّ عقْد الزواجِ كان حينما كانت لا تزال مسلمة فيكون الزواج صحيحاً قطعاً [2]، أو كان بعدما ارتدّت فيكون فيه عند بعضهم إشكال[3]ـ فتعارَضَ استصحابُ طهارة ذاك الشيء مع استصحاب عدم زوجيّة هذه المرأة، وجرى استصحاب الإسلام، فكان حاكماً على استصحاب عدم الزوجيّة، فيجري عندئذٍ استصحابُ الطهارةِ في ذلك الطرف بلا محذور ..)(إنتهى بتصرّف) .
أقول : ما ذكره السيد الشهيد هنا صحيح، فإنه من الواضح هنا أيضاً أنه يجب أن ينفق على الزوجة ـ لاستصحاب بقائها على الإسلام حين العقد ـ وبالتالي ينحلّ العلم الإجمالي، إذن علينا أن نستصحب طهارة الإناء، وذلك لانحلال العلم الإجمالي .

ثم أعطى السيد الشهيد فرضاً ثالثاً، واُقدّم الفرض بصورة مثال ليتّضحَ قوله فأقول : لو كان أمامه إناءان، إمّا أن يكون أوّلهما متنجّساً وإمّا أن يكون الثاني حرام الشرب . بيان ذلك : كان أوّلهما متنجّساً ثم طهّره الخادم المسلم، وشككنا في صحّة تطهيره، وثاني الإناءين مشكوك الحِلّيّة الآن، فقد كان صاحبه غير راضٍ بأن نشربه، ثم ظننا أنه أذن بذلك، ففي هكذا حالة تجري أصالة الصحّة في عمل الخادم، ونستصحب عدم رضا صاحب الإناء الثاني، فلا علم إجمالي تعبّداً في هكذا حالة، أو قُلْ ينحلّ العلمُ الإجماليّ في هكذا حالة .


[2] لكنْ رغم بقاء زواجهما فقد وَرَدَ في التهذيب بإسناده الصحيح عن محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب بن يزيد(ثقة فقيه) عن (محمد)ابن أبي عمير عن حمّاد(بن عثمان ثقة جليل القدر فقيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المرتدَّة عن الإسلام قال : ( لا تُقتَلُ، وتُستخدَم خدمةً شديدة، وتُمنع الطعامَ والشراب إلا ما يُمسِكُ نفْسَها، وتُلبَسُ خَشِنَ الثياب، وتُضرَبُ على الصلوات. )، ورواها الصدوق بإسناده عن حمّاد(بن عثمان) عن (عبيد الله بن علي)الحلبي مثلَه إلا أنه قال ( أخشن الثياب ) .وفي التهذيبين عن محمد بن علي بن محبوب أيضاً عن محمد بن الحسين(بن أبي الخطّاب ثقة فقيه عين) عن محمد بن يحيى(الخثعمي أو الخزّاز وكلاهما ثقتان) عن غياث بن إبراهيم (ثقة بتريّ) عن جعفر عن أبيه عن عليّ (عليهم السلام) قال : ( إذا ارتدّت المرأةُ عن الإسلام لم تُقتَل ولكن تُحبَسُ أبداً ) موثّقة السند، وفي التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن محبوب عن عباد بن صهيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( المرتدُّ يستتاب فإن تاب وإلا قتل، والمرأة تُستتاب، فإن تابت وإلا حُبِسَتْ في السجن، واُضِرَّ بِها ) موثّقة السند، وهذا هو جوّ سائر الروايات الصحيحة . راجع هذه الروايات في وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص549، أبواب حدّ المرتدّ من كتاب الحدود والتعزيرات، ب4، ح4، ط الاسلامية
[3] وإن كان نِكاحُ النصرانيةِ واليهوديةِ في نفسه جائزاً قطعاً، ولكنه مكروه جدّاً، فإنّ هذا هو مقتضى الجمع بين الروايات، بل هذا هو المشهور روائياً، وهذا يدلّ على أنه هو الذي كان مشهوراً في زمن المعصومين (عليهم السلام)، ممّا يَبْعُدُ معه الحَملُ على التقية، بل لقد رُوِيَ أنّ عمّاراً نكح نصرانية وحُذَيفة نكح يهودية، بل وروي أيضاً أنّ طلحة نكح نصرانية أيضاً . وهو رأيُ الصدوقين ـ الشيخ علي بن الحسين بن بابويه وولده الشيخ الصدوق في المقنع ـ وابنِ أبي عقيل العُماني والشيخِ المفيد في أحد أقواله ـ في المسائل الغريّة ـ والشهيدِ الثاني في المسالك ـ في السبب السادس : الكُفْرُ ـ والسيد محمد العاملي في نهاية المرام والفاضلِ الهندي في كشف اللثام وصاحبِ الجواهر وغيرهم .
نعم ينبغي على المسلم أن يحاول أن لا يُنْجِبَ منها أطفالاً خوفاً من أن يتنصّروا أو يتهوّدوا، بل لا شكّ في أنّ المشركاتِ ـ سواءً كنّ من أهل الكتاب أو من غيرهم ـ يدعون إلى النار ولو عملياً وبالتدريج ولدوام المعاشرة ولاقتضاء المعاشرةِ المداراةَ والإهمالَ لبعض تصرّفاتهنّ وعدم التدقيق فيها، فيتأثّر المسلمُ من حيث لا يعلم ومن حيث لا يلتفتُ، فيأخذ منها هو وأولادُهما الإستهتارَ بدين الله لا محالة، على ما رأينا كثيراً، ولذلك يقول الله تعالى﴿. أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ، وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ﴾ ويقول تعالى بعد ذلك مباشرةً ﴿ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ وهذا تأكيدٌ لهذا الأمرِ الخطير جداً، فإنّ قضية دخول النار من أهمّ القضايا في حياة الإنسان، ولذلك هذا الزواج يقتضي شدّة الإحتياط .
وبتعبيرٍ آخر : هذا الذيلُ المبارك ـ وهو قوله تعالى﴿ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ... ﴾ ـ بمثابة التعليل للنهي عن نكاح المشركات فينبغي الإلتفات إلى ما تفعله المشركة ولو من باب عاداتهم الباطلة، بل قال الإمام الصادق (عليه السلام) في بعض الروايات الصحيحة ﴿ واعلمْ أنّ عليه في دينه غَضاضةً ﴾ كما ظهر ذلك في دين طلحة لعنه الله، إضافةً إلى أنّ في الزواج ولوازمه مودّةً ـ كما قال الله تعالى ـ ولا ينبغي للمؤمن أن يوادّ أهلَ النار الذين يقولون عزيرٌ ابنُ الله أو المسيحُ إبن الله ... ﴿ سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكون ﴾ .
ومن شدّة كراهة التزوّج من النصرانية واليهودية استفاضتِ الرواياتُ في النهي عن التزوّج منهما مع كونه متزوّجاً من مسلمة، كرامةً للمسلمة ورَفْعاً لها عن النصرانية واليهودية، وكي لا يَدخُل غَيظٌ على المسلمة بسبب النصرانية أو اليهودية . بل إنه إذا كان متزوّجاً من مسلمة لا يكون بحاجةٍ ـ عادةً ـ إلى الزواج من نَصرانية أو يهودية، وإن كانت الروايات تشيرُ إلى عدم النهي مع عدم الزوجة المسلمة، ولذلك إذا كان مضطرّاً إلى الزواج فينبغي له أن يقتصر على النكاح المؤقّت منهما وبمقدار الضرورة، وليكن زواجُه من العفيفات منهنّ والبُله أي اللواتي لا ينصبنَ العداوةَ للإسلام ولا يعرفْنَ شيئاً . وأخيراً على المؤمن أن يعلمْ أنه لا ينبغي أن يَدخُل في قلبه حبُّ المغضوبِ عليهم ولا الضالّين

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo