< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : وجود المؤمّن الطولي في بعض الأطراف
الصورة الثالثة : وجود المؤمّن الطولي في بعض الأطراف
لو عَلِمْنا إمّا بوجوب شرب الإناء الأوّل وإمّا بحرمة شرب الإناء الثاني، وكانت حالتهما السابقة عدم الوجوب وعدم الحرمة، فهنا إذا أجرينا كلا الإستصحابين فسوف يتكاذبان فإذن هما متعارضان فيتساقطان، فتجري أصالةُ الحِلّ في الإناء الثاني بلا معارض، وذلك لعدم جريانها في الإناء الأوّل، هذا كلام السيد الشهيد .
قال السيد الشهيد[1] بأنه قال بعضُهم إنّه في كلّ طرف يوجد أصلُ البراءة، فيحصل التساقط بينهما أيضاً، بعد تساقط الإستصحابين .
وأجابهم بأنّ البراءة لا تجري في أطراف العلم الإجمالي من الأصل، قبل الوصول إلى مرحلة التساقط .
أقول : لا شكّ في صحّة قوله بأنّ البراءة لا تجري في أطراف العلم الإجمالي من الأصل، أمّا كيف مع ذلك يصحّحُ جريانَ الإستصحابين ثم تساقطهما ؟!!
والصحيح هو أنه لا شكّ في عدم صحّة ما ذهب إليه السيد الشهيد من جواز شرب الإناء الثاني، بل الصحيح هو عدم جريان الإستصحابين من الأصل، لاقترانهما بالعلم الإجمالي، فلا نصل إلى مرحلة التساقط . وأمّا قاعدة الحِلّ فموردها الشبهات البدويّة ونحوها كسوق المسلمين، لا هذه الحالة المقترنة بالعلم الإجمالي إمّا بوجوب شرب الإناء الأوّل وإمّا بحرمة شرب الإناء الثاني . فمثلاً لو كان الإناء الأوّل غير واجب الشرب، والإناء الثاني غير حرام الشرب، ثم طرأ شيء عليهما بحيث شككنا في تغيّر حالتهما إلى العكس، فجاءتنا بيّنة عادلة خبراء وقالا لنا : إمّا هذا الإناء الأوّل واجب الشرب وإمّا الإناء الثاني حرام الشرب، وسافرا، فهل أحدٌ من المتشرّعة المؤمنين يشرب الثاني بذريعة أنّ كلا الإستصحابَين يتساقطان فنرجع إلى أصالة الحِلّ في الإناء الثاني ؟!!
* * * * *
ثم ترى السيد الشهيد يكمل في منهجه في مكان آخر فيقول : قد يكون الإضطرار مقارناً أو قبل حصول سبب التكليف، كما إذا اضطُرَّ إلى شرب الماء ثم علم بوقوع قطرة نجَسٍ اِمّا فيه أو في الثوب، وهنا لا يَتَشَكَّلُ عِلمٌ إجمالي بالتكليف أصلاً، لزوال الركن الأول من أركانه، لأنَ عدم الإضطرار جزء الموضوع للتكليف، وحيث إن المكلف يحتمل اَنّ النجس المعلوم هو المضطَرّ إليه بالذات فلا علم له بالتكليف الفعلي، فتجري الاُصول المؤمّنة بدون معارض.
أقول : بل هنا يتشكّل علم إجمالي في عالم الخيال بوجود نجاسة فعلية في أحدهما، نعم في الإناء المضطرّ إليه لا منجزّية بلا شكّ، ولكن ـ رغم ذلك ـ الفعليّةُ باقية والمفسدة باقية، وفرقٌ بين رفع التنجيز ورفع الفعلية، فالإضطرار يرفع خصوص التنجيز فقط ولا يَرفع المفسدةَ، لأنها تكوينية .. وهنا اشتباهُ سيدِنا الشهيد وجَلّ مَن لا يسهو . والصحيح أنه يجب في هكذا حالة الإجتنابُ عن الطرف الآخر ـ أي غير المضطر إليه ـ عقلاً، فالعِلمُ الإجمالي حاصلٌ وجداناً، وإنما يجوز شرب الطرف الأوّل للإضطرار إليه، وهذا لا يسوّغ جواز الصلاة في الثوب، فإنّ الضرورات تقدّر بقدرها، بل إنّ قولهم بجواز الصلاة في الثوب مستهجن، ولا يفهمه العرف من قوله (عليه السلام) ( كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر )[2].

ثم قال السيد الشهيد : (... واُخرى يكون الإضطرار بعد حصول سبب التكليف، وهنا يتَشَكَّلُ العِلْمُ الإجمالي بالتكليف لا محالة فالركن الأول محفوظ .
ولكن هنا تارةً يُفترض حصولُ الإضطرار بعد حصول العلم الإجمالي، كما إذا علم بوقوع قطرة دم في الثوب أو الماء ثم اضطُرَّ إلى شرب الماء، واُخرى يفترض حصول الإضطرار مقارناً مع العلم الإجمالي أو قبله سواء كان المعلوم بالإجمال ـ وهو التكليف الفعلي بفعلية سببه ـ متقدماً عليهما ـ أي على الإضطرار والعلم بوقوع النجاسة ـ أم مقارناً ... ثم قال :
واَمّا في الصورة الثانية، فالصحيح عدم منجزية العلم الإجمالي لانثلام الركن الثالث ـ وهو جريان الأصل المؤمن في الطرف المقدور بلا معارض ـ لأن التكليف على تقدير انطباقه على مورد الإضطرار قد انتهى أمدُه ولا أثر لجريان البراءة عنه فعلاً، فلم يحصل علم إجمالي بالتكليف من أول الأمر، فتجري البراءة في الطرف الآخر بلا معارض .
أقول : وهذا الكلام أيضاً غير صحيح، وذلك لما قلناه في التعليقة السابقة من أنّه حتى ولو حصل الإضطرار أوّلاً وقد شرب الماء وطهّر الإناءَ ـ قبل العلم الإجمالي ـ فقد حصل العلم الإجمالي الآن وجداناً بوقوع قطرة الدم إمّا على الثوب وإمّا في الماء، والفرض أنه مضطرّ إلى الماء فقط، فيجب أن يعمل العِلْمُ الإجمالي عمَلَهُ العقلي في الطرف الآخر، ولو على مستوى المفسدة، وهي تقتضي لزوم الإجتناب عقلاً عن الثوب، لأنّ الضرورات تقدّر بقدرها . بل ـ كما قلنا في التعليقة السابقة ـ إنّ المتشرّعة يستهجنون إنْ فهِمْنا مِن قولِه (عليه السلام) ( كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر) جوازَ الصلاة بهذا الثوب، ويدّعون انصرافَ هذه أدلّة الطهارة عن مثل حالات العلم الإجمالي . ولك أن تقول : إنّ المعارض هو وجود المقتضي لجريان الاُصول الترخيصية في الماء، فيتعارضان في مرحلة المقتضي . وبتعبيرٍ آخر : لا دخل للإضطرار في العلم الإجمالي ـ الحاصل بعد الإضطرار ـ فالإضطرار شيءٌ والعلمُ الإجمالي شيءٌ آخر . والإضطرار يرفع التنجيز فقط، بمقدار الإضطرار، ولا يرفع المفسدة ولا الفعلية أصلاً، لأنّ الفعلية تكوينية، والعلم الإجمالي المتأخّر ـ بوقوع قطرة دم إمّا على الثوب وإمّا في الماء ـ ينجّز التكليفَ وجداناً وعقلاً . أو قُل : هل في هكذا حالة يسقط التكليف الفعلي بالنسبة إلى الثوب ؟ قطعاً لا، وذلك لعدم وجود سبب للسقوط، لا عقلاً ولا شرعاً .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo