< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/05/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الشبهة الغير محصورة
التنبيه الثالث من تنبيهات العلم الإجمالي : الشبهة غير المحصورة[1]
وقد فُسّرت الشبهةُ الغير محصورة بأحد تفسيرين : الأوّل أن تكثر أطرافه كثيراً، والثاني أن تخرج بعض الأطراف ـ بسبب الكثرة ـ عن محلّ الإبتلاء كسوق المسلمين، فإنّ الإنسان غير متمكّن عادةً من المخالفة القطعيّة بالشراء من جميع القصّابين في المدينة، بمعنى أنه لن يشتري منهم جميعاً حسب العادة .
أمّا على التفسير الأوّل فإنْ كَثُرَتِ الأطرافُ إلى حدّ يطمئنّ فيه الإنسانُ بعدم كون هذا الإناء هو المتنجّس بعينه جاز له شرب أي إناء بلا شك، وبهذا قال السيد الشهيد الصدر أيضاً[2]، وذلك لأنه لو اختار الإناءَ الأوّل وشربه لاطمئنانه بعدم كونه هو المتنجّس بعينه لجاز لنفس السبب شرب الثاني والثالث والعاشر والمئة إلى تمام الألف، بلا أي فرق بينها، لا، بل هو حينما شرب بعض الآنية فإنّ جواز شرب الباقي يكون بطريق اَولى، ذلك لأنّ الباقي سيصير أشبه بالشبهة البدويّة . إذن فدليلُنا هنا هو حصولُ الإطمئنان، وحجيّةُ الإطمئنان في مثل هكذا حالة واضحة عقلائياً .
ولك أن تستدلّ على ما قلناه بدليل آخر وهو التمسّك بإطلاق أدلّة الحِلّ لما إذا لم يكن هناك مانع عقلائي من شمول أدلّة الحلّ لكلّ الأطراف، لكن بشرط الكثرة الكثيرة بحيث لا يعود يستهجن العقلاء من شمول الترخيص لكلّ هذه الأطراف الكثيرة .

وأمّا على التفسير الآخر وهو ما إذا كانت أطراف العلم الإجمالي كثيرةً بحيث كانت بعض الأطرافِ خارجةً عن محل الإبتلاء، فقد قال السيد الشهيد بأنه "ذهب المشهور إلى عدم منجزية العلم الإجمالي فيه، وخالف في ذلك السيد الخوئي" [3]...
أقول : لا شكّ في أنّ خروج بعض الأطراف عن محلّ الإبتلاء لا يبرّر الإقتحامَ عرفاً في الأطراف الميسّرة لنا . بيانُ ذلك : لو كان أمامنا قنينتا ماء في المطار، واحدةٌ لنا وواحدةٌ قُرْبَها يَشربُ منها شخصٌ كافر، وصار ولدُنا الصغير يلعب بهما، حتى لم نَعُدْ نعلم أيُّهما لنا وأيهما لذاك الشخص الكافر، وقام الكافرُ وأخذ إحدى القنينتين معه إلى بلدٍ لا نسافر إليه عادةً ـ كالصين مثلاً ـ، ففي هكذا حالة خرجت تلك القنينةُ عن محلّ ابتلائنا، فهل تَرى المتشرّعةَ يشربون من القنينة الباقيةِ أمامنا، بذريعة عدم العلم بجامع التكليف، لأنّ النجس الواقعي إن كان هو المائع الذي خرج عن محلّ ابتلائنا فليس موضوعاً للتكليف، لأنّ التكليف مشروط بالقدرة، فلا علم إجماليّ بالتكليف الفعلي إذن .
والصحيح أنّ النجس الواقعي لا يزال باقياً ومردّداً بين القنينتين، ولا دخل لعدم تنجيز حرمة شرب تلك القنينة ببقاء النجاسة بين القنينتين، فرغم أننا غيرُ مكلّفين ـ تكليفاً منجّزاً ـ بالنسبة إلى تلك القنينة سلباً ولا إيجاباً، لكنْ هذا لا يرفع بقاءَ الملاك الإلزامي أي المفسدة الأكيدة في إحديهما، فرفْعُ التكليفِ المنجّزِ لا يعني رفْع التكليفِ الفعلي ولا يستلزمه، فضلاً عن رفعه للجعل، فضلاً عن رفعه للمفسدة الإلزامية في أحد الطرفين . فشِرْبُ الخمرِ الموجود في بلدٍ لا نصل إليه، حرامٌ علينا فعلاً، نعم هو غير منجّز، وذلك لعدم إمكان شربه عادةً، فلا معنى لتنجيز هذه الحرمة الفعلية علينا . وبتعبير آخر : لا مانع من الحرمة الفعلية لشرب الخمر الذي في الصين حتى ولو علمنا أننا لن نصل إلى ذلك المكان عادةً، وذلك لأنّ الفعليّة هي أمرٌ تكويني ناتج عن الجعل، والجعل ثابت علينا، أي الخمر الذي في الصين حرام ملاكاً وجعلاً، إذن هو حرام فعلاً أيضاً، ولا لغو في البين، وذلك لعدم تنجيز هذا الحكم علينا .


[1] لم أرَ بحثاً قبل صاحب الجواهر في الشبهة الغير محصورة، ثم تعرّض الشيخ الأنصاري لهذا البحث عدّة مرّات في كتابه المكاسب، ثم كَثُرَ التعرّضُ لهذا البحث في زماننا المعاصر.
[3] بحوث في علم الاُصول، السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، ج2، ص286، رقم هذا البحث11، تقرير اُستاذنا السيد محمود الهاشمي، مباحث الحجج والأصول العملية، خروج بعض الأطراف عن محلّ الإبتلاء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo