< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/05/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : التنبيه الخامس الإضطرار إلى بعض الأطراف
التنبيه الخامس الإضطرار إلى بعض الأطراف
ولا بأس هنا بذِكْرِ ما يهمّنا من كلام سيّدنا الشهيد[1] وسنجعل التعليقةَ في أسفل الصفحات، قال : " 10 ـ الإضطرار إلى بعض الأطراف :
إذا وقع الإضطرار إلى اقتحام بعض أطراف العلم الإجمالي فهنا حالتان :
الحالة الأولى ـ الإضطرار إلى طرف معَيَّن من أطراف العلم .
الحالة الثانية ـ الإضطرار إلى ارتكاب أحد الأطراف لا بعينه .
اَمّا الحالة الأولى، فتارةً يكون الإضطرار مقارناً أو قبل حصول سبب التكليف، كما إذا اضطُرَّ إلى شرب الماء ثم علم بوقوع قطرة نجَسٍ اِمّا فيه أو في الثوب، وهنا لا يَتَشَكَّلُ عِلمٌ إجمالي بالتكليف أصلاً[2] لزوال الركن الأول من أركانه، لأنّ عدم الإضطرار جزء الموضوع للتكليف[3]، وحيث إن المكلف يحتمل اَنّ النجس المعلوم هو المضطَرّ إليه بالذات فلا علم له بالتكليف الفعلي، فتجري الاُصول المؤمّنة بدون معارض .
واُخرى يكون الإضطرار بعد حصول سبب التكليف، وهنا يتَشَكَّلُ العِلْمُ الإجمالي بالتكليف لا محالة فالركن الأول محفوظ .
ولكن هنا تارةً يُفترض حصولُ الإضطرار بعد حصول العلم الإجمالي، كما إذا علم بوقوع قطرة دم في الثوب أو الماء ثم اضطُرَّ إلى شرب الماء، واُخرى يفترض حصول الإضطرار مقارناً مع العلم الإجمالي أو قبله سواء كان المعلوم بالإجمال ـ وهو التكليف الفعلي بفعلية سببه ـ متقدماً عليهما أم مقارناً .
ففي الصورة الاُولى قد يُتَوهم الإنحلال بدعوى اَنّ الإضطرار إلى أحد طرفيه معيَّناً بعد حصول العلم الإجمالي لا يُبقِي علماً إجمالياً بتكليف فعلي بقاء، لأن الطرف المضطر إليه لو كان هو مورد التكليف لارتفع بالإضطرار لا محالة، فلا يَبقَى علم بتكليف فعلي بل يشك فيه، والميزانُ في التنجيز في كل آنٍ بقاءُ العلمِ فيه .
والجواب : ما ذكره المحقق الخراسانيّ في حاشيته على الكفاية وأوضحه المحقق العراقي من كفاية العلم الإجمالي المردد بين الطويل والقصير حيث يعلم المكلف بتكليف فعلي في هذا الطرف قبل حدوث الإضطرار أو في الطرف الآخر حتى الآن وهو علم حاصل من زمان التكليف القصير وإلى الآن .
نعم هذا العلم الإجمالي في بعض صوره يكون من العلم الإجمالي بالتدريجيات، كما إذا كان التكليف في الطرف غير المضطرّ إليه ـ أعني الطويل ـ اِنحلالياً في كل آن وغير فعلي من أول الأمر .
واَمّا في الصورة الثانية، فالصحيح عدم منجزية العلم الإجمالي لانثلام الركن الثالث ـ وهو جريان الأصل المؤمن في الطرف المقدور بلا معارض ـ لأن التكليف على تقدير انطباقه على مورد الإضطرار قد انتهى أمدُه ولا أثر لجريان البراءة عنه فعلاً، فلم يحصل علم إجمالي بالتكليف من أول الأمر، فتجري البراءة في الطرف الآخر بلا معارض[4].


[2] بل هنا يتشكّل علم إجمالي بوجود نجاسة فعلية في أحدهما، نعم في الإناء المضطرّ إليه لا منجزّية بلا شكّ، ولكن ـ رغم ذلك ـ الفعليّةُ باقية والمفسدة باقية، وفرقٌ بين رفع التنجيز ورفع الفعلية، فالإضطرار يرفع خصوص التنجيز فقط ولا يَرفع المفسدةَ، لأنها تكوينية .. وهنا اشتباهُ سيدِنا الشهيد وجَلّ مَن لا يسهو . والصحيح أنه يجب في هكذا حالة الإجتنابُ عن الطرف الآخر ـ أي غير المضطر إليه ـ عقلاً، فالعِلمُ الإجمالي حاصلٌ وجداناً، وإنما يجوز شرب الطرف الأوّل للإضطرار إليه، وهذا لا يسوّغ جواز شرب الإناء الآخر، فإنّ الضرورات تقدّر بقدرها، بل إنّ قولهم بجواز شرب الإناء الغير مضطرّ إليه مستهجن عند كلّ المتشرّعة، ولا يفهمه العرف من قوله (عليه السلام). ( كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر) أو ( كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال ..)
[3] عرفتَ من الحاشية السابقة أنّ الصحيح هو أنّ عدم الإضطرار جزء الموضوع للتنجيز فقط، لا للملاك ولا للجعل، ولا للفعليّة، ذلك لأنّ المفسدة باقية حتى بلحاظ الفرد النجس المضطرّ إليه، وبالتالي يبقى الجعل، وهو حرمة شرب المتنجّس، وبالتالي تبقى الفعليّة تكويناً، نعم لا تنجيز قطعاً . وتكراره لقوله ( فتجري الاُصول المؤمّنة بدون معارض ) قول فاسد، ولا دليل عليه، بل قد عرفت سابقاً فساده.
[4] وهذا الكلام أيضاً غير صحيح، وذلك لما قلناه في الحاشية السابقة من أنّه حتى ولو حصل الإضطرار أوّلاً ـ أي قبل العلم الإجمالي ـ فقد حصل العلم الإجمالي الآن وجداناً بوقوع قطرة دم إمّا على الثوب وإمّا في الماء، والفرض أنه مضطرّ إلى الماء فقط، فيجب أن يعمل العِلْمُ الإجمالي عمَلَهُ العقلي في الطرف الآخر، ولو على مستوى المفسدة، وهي تقتضي لزوم الإجتناب عقلاً عن الثوب، لأنّ الضرورات تقدّر بقدرها . بل ـ كما قلنا في الحواشي السابقة ـ إنّ المتشرّعة يستهجنون إنْ فهِمْنا مِن قولِه (عليه السلام) ( كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر) أو (كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال .) جوازَ الصلاة بهذا الثوب، ويدّعون انصرافَ هذه الألسن عن مثل حالات العلم الإجمالي . ولك أن تقول : إنّ المعارض هو وجود المقتضي لجريان الاُصول الترخيصية في الماء، فيتعارضان في مرحلة المقتضي . وبتعبيرٍ آخر : لا دخل للإضطرار في العلم الإجمالي ـ الحاصل بعد الإضطرار ـ فالإضطرار شيءٌ والعلمُ الإجمالي شيءٌ آخر . والإضطرار يرفع التنجيز فقط، بمقدار الإضطرار، ولا يرفع المفسدة ولا الفعلية أصلاً، لأنّ الفعلية تكوينية، والعلم الإجمالي المتأخّر ـ بوقوع قطرة دم إمّا على الثوب وإمّا في الماء ـ ينجّز التكليفَ وجداناً وعقلاً . أو قُلْ : هل في هكذا حالة يسقط التكليف الفعلي بالنسبة إلى الثوب ؟ قطعاً لا، وذلك لعدم وجود سبب للسقوط لا عقلاً ولا شرعاً
وكلامُنا جارٍ هذا أشبه شيء بما ذكرناه فيما لو خرج الطرف الآخر عن محلّ الإبتلاء بحيث يعجز عن أن ينالَه بعدُ، كما في مثال إناء الصيني السابق، فلا سبب لجواز شرب الإناء الموجود مع زيد فعلاً، بذريعة أنّ الصيني ذهب بالإناء الآخر إلى الصين، ولن يَجِدَهُ بعدُ، ولذلك لن تجد عالماً ولا عاميّاً مستعدّاً أن يشرب من إناء زيد تمسّكاً بقولِه (عليه السلام) ( كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر) أو ( كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال ..) . وليس ذلك إلاّ لأنّ المعارِضَ لجريان الاُصول الترخيصية في إناء زيد معارَضٌ بجريانها في إناء الصيني وجداناً، حتى وإن كان إناء الصيني خارجاً عن محلّ ابتلاء زيد، فلا زيد يمكن له أن يشرب من إنائه، ولا الصيني المسلم له أن يشرب من إنائه، وذلك لعلمهما بوقوع نقطة دم إمّا في إناء زيد وإمّا في إناء الصيني، ولا وجهَ أصلاً ـ .لا عقلاً ولا شرعاً ـ لأنْ يشرب كلّ واحد منهما إناء نفسه، وما ذكرناه أمْرٌ وِجداني يعرفه كلّ عقلاء العالم

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo