< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/05/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الدوران بين الأقل والأكثر في الشرائط

( الدوران بين الأقل والأكثر في الشرائط )

والتحقيق فيها ـ على ضوء المسألة السابقة ـ هو جريان البراءة عن وجوب الشرط الزائد ـ كاشتراط سجدتَي السهو بالطهارة ـ لأنّ مرجع الشرطية للواجب إلى تقيُّدِ الفعل الواجب بقيدٍ وانبساطِ الأمر على التقيّد أيضاً، فالشك فيها شك في الأمر بالتقيُّد، والدورانُ اِنّما هو بين الأقلّ والأكثر إذا لوحظ المقدارُ الذي يدخل في العهدة، وهذا يعني وجودَ عِلْمٍ تفصيلي بالأقَلّ وشكٍّ بدْوِيّ في الزائد، فتجري البراءة عنه .
ولا فرق في ذلك بين أن يكون الشرط المشكوك راجعاً إلى متعلق الأمر كما لو وردنا "اَعتق رقبةً" وشككنا في اشتراط العتق باللغة العربيّة ـ مع صدق العتق عرفاً باللغة الفارسية مثلاً ـ، وكذا لو شككنا في اشتراط سجدتي السهو بالطهارة، أو كان الشرطُ راجعاً إلى متعلق المتعلق كما في الشك في اشتراط الرقبة التي يجب عتقها بالإيمان، أو الفقير الذي يجب اطعامه بالهاشمية . فطالما كان الإشتراط تكليفاً زائداً فلنا أن نجري الإطلاق المقامي عندنا، والبراءةَ عند بعض الناس .

وقد ذهب المحققُ العراقي (قَدَّسَ اللهُ روحَه) إلى عدم جريان البراءة في بعض الحالات المذكورة، ومَرَدُّ دعواه إلى أنّ الشرطية المحتملة على تقدير ثبوتها تارةً تتطلب من المكلف ـ في حالة ارادته الإتيانَ بالأقلّ ـ أن يُكَمِّلَه ويَضُمَّ إليه شرطَه، وأخرى تتطلب منه في الحالة المذكورة صرْفَه عن ذلك الأقل الناقصِ رأساً والغاءَه إذا كان قد أتَى به ودفْعَه إلى الإتيان بفرد آخر كامل واجد للشرط .

ومثال الحالة الأولى : اَنْ يشكّ العبد بوجوب أن يضع السكّر في الشاي، فحيث إنّ وضع السكّر أمرٌ ممكنٌ، فالشرطيةُ لا تقتضي إلغاء الأقل رأساً، وإنما تقتضي تكميلَه وذلك بأنْ يضع السكر في الشاي .
ومثال الثاني : اَن يجب عليه أنْ يُطعِمَ فقيراً هاشمياً، فإنّ شرطية الهاشمية تتطلب منه الإتيان بإطعام خصوص الهاشمي، لأنّ غير الهاشمي لا يمكن جعله هاشمياً .
ففي الحالة الأولى : تجري البراءة عن الشرطية المشكوكة لأنّ مرجع الشك فيها إلى الشك في ايجاب ضَمّ أمْرٍ زائد إلى ما أتَى به، بعد الفراغ عن كون ما أتَى به مصداقاً للمطلوب في الجملة، وهذا معنى العلم بوجوب الأقل والشك في وجوب الزائد، فالأقلُّ محفوظٌ على كل حال والزائد مشكوك .

وفي الحالة الثانية : لا تجري البراءة عن الشرطية لأنّ الأقل المأتي به ليس محفوظاً على كل حال، إذ على تقدير الشرطية لا بد من إلغائه رأساً، فليس الشك في وجوب ضم اَمْرٍ زائد إلى ما أتى به ليكون من دوران الأمر بين الأقل والأكثر .

والجواب على كلام المحقّق العراقي هو أنّ الدوران في كلتا الحالتين دوران بين الأقل والأكثر لأنّ الملحوظ في الشكّ اِنّما هو في عالم الجعل، وفي هذا العالم ذاتُ الطبيعي معروضٌ للوجوب جزماً، ويشك في عروض الوجوب على التقيد بالهاشميّة أيضاً، فتجري البراءة عنه، وليس الملحوظ في الدوران عالمَ التطبيق خارجاً ليقال : اِنّ ما اُتِيَ به من الأقل خارجاً قد لا يصلح لضَمّ الزائدِ إليه ولا بد من إلغائه رأساً على تقدير الشرطية .

وكذا الأمر تماماً فيما لو شككنا في تقيّد المركّب بمانع معيّن، كما لو شككنا في تقيّد الصلاة بعدم البكاء مثلاً، فإنّ لنا أن نجري البراءة عن هذا المانع المشكوك، لأنه تكليف زائد.


( دوران الواجب بين التعيين والتخيير العقلي )

ومثالُه ما لو أمر المولى عبدَه بأنْ يُطْعِمَ نفساً جائعة، فتردّد العبدُ في مراد المولى من النفس الجائعة، هل أنه يريد خصوصَ الإنسانِ الجائع، أم أنه يريد إطعام مطلق الحيوان الجائع وإن لم يكن إنساناً ؟
والجواب : هو أنّ هذا البحث مصداقٌ من مصاديق (دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشرائط) ذلك لأننا نشكّ في تقيّد متعلّق المتعلّق ـ أي الحيوان مثلاً، في المثال السابق ـ بكونه إنساناً أم لا، والأصلُ عدم هذا التقيّد الزائد المشكوك .
مثالٌ آخر : لو تردّدنا بين كون الواجب في عالم الجعل هو مطلق الإكرام أو خصوص الإطعام، فخصوصيّة الإطعام قيد زائد، لأنّ مرجع الشكّ هو في تقيّد هذا الإكرام في عالم الجعل بكونه إطعاماً أم لا، والمرجع هنا البراءةُ أيضاً من القيد الزائد المشكوك .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo