< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/06/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الشبهة الموضوعيّة للأقلّ والأكثر

( ملاحظات عامّة حول الأقلّ والأكثر )

فرغنا من المسائل الأساسية في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الإرتباطيين، وبقي علينا أن نذكر في ختام مسائل هذا الدوران ملاحظات عامة حول الأقل والأكثر، وقد تمّ الكلام في مسألتي دور الإستصحاب في هذا الدوران والدوران بين الجزئية والمانعية، والآن نتابع الكلام حول الأقل والأكثر في المحرَّمات، فقد قلنا إنه كما قد يُعلم اِجمالاً بكون المركّب إمّا مركّباً من عشرة أجزاء وإمّا مركّباً من تسعة أجزاء، كذلك قد يُعلم بحرمة شيء مردد بين الأقل والأكثر، كما إذا عُلِمَ بحرمة تصوير رأس الحيوان أو تصوير كامل جسده، فإننا إذا حرّمنا على الرسّام رسْمَ رأسِ الحيوان فقد ألغينا ـ إلى حدّ كبيرٍ ـ مهنتَه، لأنّ أهمّ شيء في الإنسان أو في الحيوان هو رأسه، وأمّا إذا حرّمنا عليه رسم تمام الجسد دون بعضه، فإنه ح له أن يرسم أكثر الجسد ـ كالرأس والصدر ـ دون الكلّ، وهذا يكفيه في إظهار ما يريده، فتبقى مهنتُه قائمةً ولا يتضرّر، إذن الأقلّ هنا ـ وهو تحريم رسم الرأس ـ هو الأكثر مؤونةً، والأكثر ـ وهو تحريم رسم كامل الجسد ـ هو الأقلّ مؤونةً، ولذلك قالوا بأنه يختلف الدوران المذكور في باب الحرام عنه في باب الواجب من بعض الجهات :
فأولاً : وجوب الأكثر هناك كان هو الأشد مؤونة، واَمّا حرمة الأكثر هنا فهي الأخف مؤونة، إذ يكفي في امتثال الأكثر ترْكُ أيّ جزء، فحرمة الأكثر في باب الحرام تناظر إذن وجوب الأقل في باب الواجب .
وثانياً : اِنّ دوران الحرام بين الأقل والأكثر يشابه دوران أمْرِ الواجب بين التعيين والتخيير الشرعي، لأننا نشك في كون الحرام هو التعيين ـ وهو في المثال خصوص رسم الرأس، وهو الأصعب على الرسّام ويوقعه في الحرج ـ أو التخيير ـ أي لك أن ترسم أيّ الأجزاء شئتَ لكنْ على أن تترك بعض الجسد ـ وهذا هيّن على الرسّام ولا يُحْرِجُهُ ولا يَضرّ مصلحته . وإذا شككنا بين التعيين والتخيير الشرعي فعلينا ـ كما قلنا في البحث السابق ـ أن نجري البراءة عن الزائد المشكوك، أي ذا المؤونة الزائدة، وهو حرمة رسم خصوص الرأس .

4 ـ الشبهة الموضوعيّة للأقلّ والأكثر :
قد يشكّ المكلّفُ في كون لباسه من غير مأكول اللحم، فهنا لا يمكن للعامّي أن يُجري البراءةَ لوحده، وإنما يجب أن يرجع إلى المرجع، فإن أفتَى له المرجعُ بجواز الصلاة فيه تمسّكاً بالبراءة ـ كما هو الصحيح ـ فسوف تكون الشبهة ح شبهة حكميّة، أي كليّة، وليس للمكلّف إلاّ تطبيقُ هذه الفتوى الكليّة على ثوبه .
وقد يحصل شكّ في وجوب السورة بعد الفاتحة بنحو الشبهة الموضوعيّة بالتقريب التالي :
أنت تعلم أنّ المريض تسقط عنه السورة بعد الفاتحة، فإذا شكّ الإنسان في مرضه فقد تقول نُجري البراءةَ عن وجوبها .
لكن الصحيح عدم صحّة هذا الكلام، وإنما يجب استصحاب الحالة السابقة للشخص، لا أكثر . نعم إن شككنا في الحالة السابقة ـ كما لو تواردت كلتا الحالتين عليه ـ فهنا يجب الرجوع إلى العموم الفوقاني، وهو وجوب السورة، حتى ولو كان الدليل على وجوب السورة هو الإجماع .

5 ـ الشكّ في اِطلاق دخالة الجزء أو الشرط :
كنّا نتكلم عمّا إذا شَكّ المكلفُ في جزئية شيء أو شرطيته مثلاً للواجب، وقد يتفق العلم بجزئية شيء أو دخالته في الواجب بوجه من الوجوه، ولكنْ يشك في شمول هذه الجزئية لبعض الحالات، كما إذا علمنا بأنّ السورة جزء في الصلاة الواجبة وشككنا في اطلاق جزئيتها لحالة المرض أو السفر، ومرجع ذلك إلى دوران الواجب بين الأقل والأكثر بلحاظ هذه الحالة بالخصوص، فإذا لم يكن لدليل الجزئية اطلاق لها وانتهى الموقف إلى الأصل العملي، جرت البراءة عن وجوب الزائد في هذه الحالة، وهذا على العموم لا اِشكال فيه، ولكن قد يقع الإشكال في حالتين من هذه الحالات وهما : حالة الشك في اطلاق الجزئية لصورة نسيان الجزء، وحالة الشك في اطلاق الجزئية لصورة تعذره . ونتناول هاتين الحالتين فيما يلي تباعاً :
( أ ) الشك في الإطلاق لحالة النسيان :
إذا نسي المكلف جزءً من الواجب، فأتى به بدون ذلك الجزء، ثم التفت بعد ذلك إلى نقصان ما أتى به .. فإن كان لدليل الجزئية اطلاق لحال النسيان ـ كما يدلّ على ذلك حديث لا تعاد في الأمور الخمسة المعروفة ـ اقتضى ذلك بطلان ما أتى به لأنه فاقد للجزء ـ كالركوع مثلاً ـ من دون فرق بين افتراض ارتفاع النسيان في أثناء الوقت، وافتراض استمراره إلى آخر الوقت، وهذا هو معنى اَنّ الأصل اللفظي في كل جزء يقتضي ركنيته، أي بطلان المركب بالإخلال به نسياناً، واَمّا إذا لم يكن لدليل الجزئية اِطلاق وانتهى الموقف إلى الأصل العملي، فقد يقال بجواز اكتفاء الناسي بما أتى به، لأنّ المورد من موارد الدوران بين الأقل والأكثر بلحاظ حالة النسيان، والأقل واقع والزائد منفي بالأصل . والحمد لله ربّ العالمين .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo